ما سر التقارب السوداني الروسي؟

18 أغسطس 2024
ما سر التقارب السوداني الروسي؟


عادت عجلة التقارب بين الجيش السوداني وبين روسيا إلى الدوران بوتيرة أسرع، إذ يجري وفد من البنك المركزي الروسي مباحثات مع مسؤولين في بورتسودان، بينما ذكرت وسائل إعلام محلية أن وزير الدفاع السوداني، ياسين إبراهيم، أنهى الجمعة، زيارة إلى موسكو.

وتزامنت التحركات السودانية الروسية، مع مباحثات تقودها الولايات المتحدة في جنيف، بمشاركة السعودية ومصر والإمارات والاتحاد الأفريقي، لإنهاء الحرب في السودان، رغم عدم حضور الجيش السوداني.

ويرى الخبير الاستراتيجي، عمر أرباب، أن الجيش السوداني يعاني من مشكلات في التسليح، ولذلك سعى للتقارب مع روسيا، مشيرا إلى أن تمدد رقعة القتال جعل الجيش أمام تحديات جديدة متعلقة بالعتاد الحربي.

وقال أرباب، وهو ضابط سابق في القوات البحرية السودانية، لموقع الحرة، إن روسيا تسعى لاستغلال حالة الهشاشة والضعف التي يمر بها السودان لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في بناء قاعدة عسكرية بالساحل السوداني في البحر الأحمر.

وأضاف أن “روسيا تعتقد أن هذا التوقيت المناسب لتحقيق حلمها، لأن السودان يمر بحالة ضعف، ويمكن ابتزازه والحصول على أكبر المكاسب بأقلّ الخسائر والتكاليف”.

وكان الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وقع عام 2017، اتفاقا مع روسيا لإنشاء قاعدة على البحر الأحمر، لتستضيف سفنا روسية، بما في ذلك سفن تعمل بالوقود النووي، على أن يتمركز فيها 300 جندي.

وذكر الموقع الإلكتروني للحكومة الروسية، أن “موسكو وقعت اتفاقا مع السودان لإنشاء “مركز للدعم اللوجيستي” في بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، حيث يمكن إجراء “عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد”.

وبحسب الموقع، فإن “الاتفاق نافذ لمدة 25 عاما، مع تجديد تلقائي بعد مرور 10 سنوات، إذا لم يطلب أي من الطرفين إنهاءه مسبقا”.

لكن الاتفاق لم ير النور، وتم تجميده خلال فترة رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك.

ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عثمان المرضي، أن تصاعد خطوات التقارب بين الحكومة السودانية وبين روسيا، يعود إلى إحساس الحكومة بأن واشنطن تبدو الآن أقرب إلى قوات الدعم السريع.

وقال المرضي لموقع الحرة، إن وزير المعادن، محمد بشير أبو نمو، رئيس وفد الحكومة الذي التقى المبعوث الأميركي إلى السودان، توم بيرييلو، في السعودية الأسبوع الماضي، أكد رفضهم قيام منبر جديد بخلاف منبر جدة المخصص للتفاوض مع الدعم السريع.

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى أن رئيس الوفد السوداني أعلن رسميا أن مباحثات جنيف التي ترعاها الولايات المتحدة تهدف إلى إيجاد مستقبل سياسي لقوات الدعم السريع، “وهو ما ترفضه الحكومة، لذلك قررت الاتجاه ناحية روسيا”.

وأضاف المرضي أن “السودان اختار تحالفاته بعيدا عن واشنطن والغرب، إذ أعاد علاقاته مع إيران، والآن يتجه إلى تقارب أكبر مع روسيا، مما يعني أنه لا يعوّل كثيرا على المسار التفاوضي، وأنه يراهن على الحسم العسكري”.

وأشار المتحدث ذاته، إلى أن المراقب للتطورات في السودان لا يحتاج إلى تمحيص كثير ليصل إلى أن الحكومة السودانية تسعى إلى حلفاء عسكريين، وليس اقتصاديين أو دبلوماسيين، وهو ما وجدته في روسيا وإيران.

وكان مساعد القائد العام للجيش السوداني، ياسر العطا، قال في مايو الماضي، إن “روسيا طلبت من الحكومة السودانية إقامة محطة للوقود في البحر الأحمر مقابل توفير أسلحة وذخيرة”.

وأضاف العطا، وهو عضو مجلس السيادة الانتقالي، وفق تصريحات نقلتها رويترز، أن “روسيا طلبت نقطة تزود على البحر الأحمر، مقابل إمدادنا بالأسلحة والذخائر”.

ولفت إلى أن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان “سيوقع على اتفاقيات مع روسيا قريبا”.

لكن بالنسبة لأرباب فإن هذا التقارب في هذا التوقيت بالذات، مناورة وكرت للضغط على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، منوها إلى أن البرهان أكد مرارا أنهم يسعون إلى القضاء على قوات الدعم السريع، حربا أو سلما.

وأضاف “كأنما يريد البرهان أن يقول للمجتمع الدولي، إما أن تساعدنا في التخلص من قوات الدعم السريع بالتفاوض، وإلا سنتجه لروسيا لمساندتنا في التخلص منها بالسلاح”.

لكن هذه المناورة ليست مأمونة العواقب، إذ يمكن أن تترتب عليها عواقب قاسية على الحكومة السودانية، وفق المتحدث ذاته، مضيفا أن “تلك المناورة أشبه باللعب بالنار، فربما يقرر المجتمع الدولي أن الجيش ليس جادا في التفاوض، وبالتالي يغض الطرف عن أي امداد خارجي يصل إلى الدعم السريع”.

وأشار أرباب إلى أن واشنطن لن تسمح بإقامة أي قاعدة عسكرية روسية على الساحل السوداني، لأن منطقة البحر الأحمر أصلا تعاني من مشكلات بسبب هجمات الحوثيين على السفن.