نشر موقع “الخنادق” المعني بالدراسات الإستراتيجية، تقريراً يسردُ تفاصيل مهمة وبارزة عن منشأة “عماد 4” العسكريّة التي كشف “حزب الله” النقاب عنها الأسبوع الماضي.
وكشف التقرير أنه تقرر إنشاء هذه المُنشأة بدءاً من العام 2007 وفقاً لدروس حرب تمّوز عام 2006، وأضاف: “فور انتهاء حرب تموز، قرر حزب الله تشكيل عشرات اللجان الفنية المعنية بكل محور ووحدة واختصاص، ممن شاركوا في الحرب، من الاختصاص اللوجستي إلى أكثر الاختصاصات سرية في المقاومة”.
وأضاف: “جمعت تلك التقارير الفنية لتقوم الجهة القيادية الأعلى في المقاومة المعروفة بالمجلس الجهادي بدراستها في مؤتمرات عديدة لاستخلاص العبر والدروس وللتطوير. إثر ذلك، أعاد المجلس مناقشة الملاحظات والعناوين الرئيسية مع كل اختصاص على حدة، وخرجت نتيجة هذا الجهد الضخم بلورة للملامح الأولية للخطط العسكرية القادمة على المستويات الاستراتيجية والتعبوية، وذلك وفق معايير تتوافق مع الأهداف، على أن تكون مرشدًا لتطوير وتأمين كافة الإمكانيات المطلوبة”.
وتابع: “إحدى هذه البرامج كانت إعادة تنظيم القوة الصاروخية، وجعلها مستقلة بالكامل عن الجسم، في فترة اعادة التنظيم. لقد راعت القيادة أن تصبح القوة الجديدة بعيدة بالكامل عن (الرادار)، انطلاقاً من وضعيتها وجسمها وهيكلها وما يرتبط بها، من ملحقات كالمنشآت والأفراد والصواريخ، وكل ما يمت لذلك بصلة، من عناصر لوجستية وإدارية ومالية”.
وأردف: “كانت الفكرة مرتبطة بعملية الخداع الكبيرة التي نفذها القيادي الكبير في حزب الله الشهيد الحاج عماد مغنية قبل حرب تموز وأخلى بموجبها كل ما يمت للقوة الصاروخية النوعية بصلة ونقلها بخطة تمويه وخداع مبتكرة إلى أماكن أخرى”.
وتابع: “ظهر من خلال تقرير فينوغراد الإسرائيلي أن واحدة من أهم إخفاقات الحرب ومفاجأتها هي فشل عملية الوزن النوعي في 14 تموز 2006؛ حيث خسرت إسرائيل جهداً استخبارياً مكثفاً استمر 13 عامًا منذ العام 1993 قبل عملية (تصفية الحساب) التي حصلت في تموز من ذلك العام والتي كان هدفها الأساس نفس العملية التي تلتها في نيسان 1996 وهو القضاء على قدرات المقاومة الصاروخية. لقد حصل هذا الفشل عندما علم المجمع الاستخباراتي الإسرائيلي أنّ حزب الله بدأ منذ العام 1993 بتأسيس قوة صاروخية حقيقية”.
أهمية منشأة “عماد 4”
تلبي المنشأة التي عرضها الفيديو الذي نشره الإعلام الحربي في 16-8-2024 عدة أهداف ذات بعد استراتيجي وتعبوي؛ حيث أن وجود منشأة صاروخية بهذا الحجم في مكان محصن مجهول ينزع من إسرائيل ثلاث عناصر استراتيجية في وقت واحد:
الأول: عنصر المبادأة: هكذا منشأة تمنع إسرائيل من شن أي ضربة استباقية وقائية على أي هدف ذا قيمة في لبنان، لأنها تغامر بأن تكون هذه الضربة الخاطفة التي تتلاءم مع عقيدتها العسكرية غير مفيدة بل قد تتسبب بأن تكون الضربة الثانية من رد حزب الله أعنف وأشد بكثير من الضربة الاستباقية الوقائية. وعملياً، تلعب المفاجأة التي تخلقها الضربة الثانية من المقاومة دوراً أكبر في الاستراتيجية عنه في التكتيك.
الثاني: عنصر المبادرة: يعتبر العمل الهجومي فيها وسيلة رئيسية يسعى فيها القائد إلى الحفاظ على الزخم واغتنام المبادرة، فانتقال إسرائيل في حال تعرض للضربة الأولى من المقاومة من حالة الدفاع الاستراتيجي إلى حالة الرد الاستراتيجي يصبح غير ذي قيمة في حال بقاء أصول هجومية كمنشأة “عماد 4” وأخواتها حصينة وفاعلة وبدون مس.
وكل من يعمل في مجال العمليات الجوية يعتبر أن الشرط الأساسي لنجاح الحملات الجوية الاستراتيجية هو القضاء على الأصول الاستراتيجية ومراكز الثقل لدى الخصم وحتى لو سلمت أصول تكتيكية لدى الخصم تمتلك خاصية التعامل مع خطوة ما بعد الحملة الجوية الاستراتيجية كالدفاع أو التقرب الدفاعي والهجومي من عدوها فإن الحملة الاستراتيجية تكون فاشلة.
الثالث: عنصر الردع: إن منشأة ذات طابع هجومي ودفاعي في نفس الوقت كمنشأة “عماد 4” وأخواتها يمكنها أن تكون محمية ومرنة في توجيه ضربات صاروخية كبيرة تجاه أصول إسرائيل الاستراتيجية بمنأى عن ضربة استباقية أو ضربة ثانية. وعليه فإن مناورة النار الثقيلة لهذه المنشأة يمكنها أن تتسبب بأضرار كارثية لإسرائيل، وهذا هو تعريف كلمة “ردع بعينها”.
بشكل عام، يعتمد الردع على ركنين أساسيين: أحدهما مادي، والآخر معنوي؛ ففي حين ينطوي الركن الأول على تأمين كل مقتضيات القدرة ومستلزماتها على إنزال العقاب ضد الخصم على نحو لا يقبل الشك في استخدام القوة، يتضمن الركن الثاني شقًا سيكولوجياً – نفسياً غايته إيقاع التأثير النفسي في الخصم من خلال إقناعه بجدوى الانصياع لأكثر أشكال الردع التقليدي شيوعًا والمتمثل في توعده أي (الخصم) بضربة عقابية موجعة في حال حدوث اعتداء من جانبه، وهو ما يسمى الردع عن طريق الترهيب أو التخويف بالعقاب.
ووفقاً للتقرير، فإن “خسارة إسرائيل للعناصر الرئيسية الثلاث (المبادأة – المبادرة – الردع) التي تعتبر مفاتيح رئيسية ضرورية في أي استراتيجية عسكرية افتراضية سيؤدي خسارتها إلى خلل في برامج وخطط إسرائيل وفي عدم بلوغ الاهداف”.
كذلك، ذكر الحزب أنّ هذه “الخسارة تريح المقاومة من أي مبادرات لتعديل الميزان الاستراتيجي الدفاعي الخاص بها”، موضحاً أن “الأزمة ستزيد لدى إسرائيل، لأنه بوجود هكذا منشآت حصينة ومنيعة لدى المقاومة سيتم تحييد سلاح الجو الإسرائيلي بالكامل”. (الخنادق)