منذ 31 تموز، غرق العالم في قلق من اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، عقب اغتيال مسؤول حركة حماس اسماعيل هنية في طهران، لا سيما أن المسؤولين العسكريين والسياسيين الإيرانيين ظلوا يرددون حتمية الرد باستخدام عبارات “الانتقام المزلزل” و”الرد الماحق”.
لكن بعد نحو شهر على تلك التهديدات، تحول موقف طهران من “الانتقام الشديد” إلى “الرد المحسوب”، تجنباً لتصعيد قد يؤدي إلى حرب غير متوازنة.
فمؤخراً بدأ المسؤولون الإيرانيون يعتبرون الولايات المتحدة “شريكا في الجريمة” مع إسرائيل، مؤكدين أن الانتقام سيتم عبر “محور المقاومة”.
أما أسباب تغير اللهجة فمتعددة، من ضمنها اعتبار إيران أن ميزان القوى في حرب مباشرة مع إسرائيل المدعومة بشكل واسع من الولايات المتحدة يعرض منشآتها النووية والعسكرية والبنية التحتية إلى خطر الاستهداف.
كما أن مسعود بزشكيان الذي تولى الرئاسة مؤخرا مدعوما من التيار “الإصلاحي أطلق وعودا كثيرة، أهمها صيانة الحريات المدرجة في الدستور، ومحاربة الفقر والبطالة والتضخم، من أجل ردم الهوة بين النظام والشعب والتي ظهرت بوضوح في عزوف نسبة كبيرة عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة”.
وبما أن تحقيق هذه الوعود يتطلب تجنب الحرب من جهة، والدخول في حوار مع الولايات المتحدة حول الملف النووي، ومن ثم الوصول إلى اتفاق يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية الصارمة، فإن خيارات إيران باتت واضحة.
وفي السياق، دخل المرشد الإيراني صاحب كلمة الفصل في الحكم، على الخط، بأسلوب براغماتي معهود، فأعلن دعمه لرئيس مقرب من التيار الإصلاحي من جهة، وألمح قبل أيام إلى التفاوض “مع العدو” من جهة أخرى.
فخلال تصريحات ألقاها يوم الثلاثاء الماضي واعتُبرت ضوءاً أخضر لبدء الحوار مع واشنطن، قال خامنئي: “لا نعقد آمالنا على العدو، ولكن هذا لا يتعارض مع التعامل معه في مواقف معينة”.
لكن على الرغم من الضوء الأخضر هذا، فقد حدد خامنئي خطوطا حمراء لأي محادثات قد تُجرى من قبل حكومة بزشكيان، مجددا تحذيراته من أن واشنطن ليست جديرة بالثقة.
ما أعاد إلى الأذهان التصريحات التي أدلى بها قبيل السماح ببدء المفاوضات مع الأميركيين في سلطنة عمان والتي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي العام 2015 مع دول 5+1، حيث وصف التفاوض مع “الشيطان الأكبر” حسب الأدبيات الإيرانية بـ”المرونة الشجاعة”.
كما فاوضت طهران واشنطن بوساطة عمان وقطر، بعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي من طرف واحد في 2018، وفرض إدارته عقوبات مشددة على إيران.
ومعلوم أن الولايات المتحدة تقترب من يوم الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 نوفمبر، فيما المنافسة على أشدها بين نائبة الرئيس الديمقراطية كامالا هاريس، والرئيس السابق المنسحب من الاتفاق النووي دونالد ترامب.
وتشعر طهران بالتالي بالقلق من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لذا تفضل فوز رئيس ديمقراطي، وهذا التفضيل يشكل عاملا إضافيا في تحول موقفها من “الانتقام الشديد” إلى “الرد المحسوب” الذي لم يتم تحديد سقف زمني له. (العربية)