بعد اغتيال هنية… ايران بين سندان الانتقام ومطرقة الحوار مع العدو

1 سبتمبر 2024
بعد اغتيال هنية… ايران بين سندان الانتقام ومطرقة الحوار مع العدو


كتب موقع “العربية”: عندما أعلن المرشد الإيراني علي خامنئي في صباح يوم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في 31 تموز في طهران، أن إيران ستأخذ الثأر بنفسها وبشدة من إسرائيل على اغتيال ضيفها، غرق العالم في قلق من اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق، لا سيما وأن المسؤولين العسكريين والسياسيين في إيران أكدوا حتمية الرد على إسرائيل باستخدام عبارات لا تخرج عن دائرة “الانتقام المزلزل” و”الرد الماحق” ضد المتهم الأول في اغتيال هنية و”المتهم الثاني” الولايات المتحدة الأميركية.

وأخيرا بعد أن طال الانتظار للرد بعد مرور حوالي شهر على اغتيال هنية، تحول موقف إيران من “الانتقام الشديد” إلى “الرد المحسوب”، ويبدو أن طهران تتجنب التصعيد بالطريقة التي قد تؤدي إلى حرب غير متوازنة يكون “العدو” فيها متفوقا خاصة بالأسلحة المتطورة.

وخلال هذه الفترة، اعتبر المسؤولون الإيرانيون الولايات المتحدة “شريكا في الجريمة” مع إسرائيل، وأشاروا إلى أن الانتقام منها سيتم من خلال “محور المقاومة”، ومع ذلك، كان واضحًا منذ البداية أن إيران تعتبر ميزان القوى في حرب مباشرة مع إسرائيل المدعومة بشكل واسع من الولايات المتحدة يعرض إيران ومنشآتها النووية والعسكرية والبنية التحتية إلى خطر الاستهداف.

ومن جهة أخرى، مع تولي رئيس جمهور مدعوم من التيار “الإصلاحي” السلطة في إيران، ومن أجل ردم الهوة بين النظام والشعب والتي ظهرت بوضوح في عزوف نسبة كبيرة منه عن المشاركة في التصويت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة هذا العام، فقد أطلق مسعود بزشكيان وعودا كثيرة، أهمها تنفيذ الحريات المدرجة في الدستور ومحاربة الفقر والبطالة والتضخم وحقوق المرأة وحقوق القوميات، وبما أن تحقيق هذه الوعود يتطلب تجنب الحرب من جهة والدخول في حوار مع الولايات المتحدة حول الملف النووي الإيراني، ومن ثم الوصول إلى اتفاق يؤدي إلى رفع العقوبات الاقتصادية الصارمة، فإن خيارات إيران باتت واضحة.

إشارة المرشد الخضراء للتفاوض مع “العدو”
وفي هذا الخضم دخل المرشد الإيراني على الخط، معلنا دعمه لرئيس جمهورية مقرب من التيار الإصلاحي الذي ليس على وئام مع المرشد.

إلى ذلك شمل دعم المرشد للرئيس، الشأنين الداخلي والخارجي، فعلى الصعيد الخارجي و من خلال تصريحات ألقاها يوم الثلاثاء الماضي والتي اعتُبرت إشارة خضراء لبدء الحوار مع واشنطن، قال علي خامنئي: “لا نعقد آمالنا على العدو؛ ولكن هذا لا يتعارض مع التعامل مع العدو في مواقف معينة”.

وفي رد فعل مختصر على تصريحات المرشد، كتب الصحافي الإصلاحي المعروف، أحمد زيد آبادي: “الآن وقد أجاز المرشد التعامل مع العدو، فمن الضروري أن تبدأ حكومة بزشكيان، دون إضاعة الوقت، في التفاوض مع الدول الغربية لرفع العقوبات، لعل هذا البلاء الذي يهدد حياة الإيرانيين يُرفع في أقرب وقت ممكن.”

وبالرغم من الضوء الأخضر هذا، فقد حدد علي خامنئي خطوطا حمراء لأي محادثات قد تُجرى من قبل حكومة بزشكيان، مجددا تحذيراته من أن واشنطن ليست جديرة بالثقة، لكن رغم ذلك، أعادت تصريحاته إلى الأذهان تلك التي أدلى بها قبيل السماح ببدء المفاوضات مع الأميركيين في سلطنة عمان والتي أدت إلى توقيع الاتفاق النووي لعام 2015 مع دول 5+1، حيث وصف التفاوض مع “الشيطان الأكبر” حسب الأدبيات الإيرانية بـ “المرونة الشجاعة”.

وبعد انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق من طرف واحد في عام 2018 وفرض إدارته عقوبات مشددة سارية المفعول على طهران، قد جرت محادثات غير مباشرة بين إيران والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة بوساطة عمان وقطر، اللتين تُعدان من الوسطاء في الشرق الأوسط عندما يتعلق الأمر بإيران، وجاءت تصريحات خامنئي الأخيرة بخصوص “التعامل مع العدو” بعد يوم واحد من زيارة رئيس وزراء قطر للبلاد، وقالت الخارجية الأميركية لوكالة أسوشيتد برس: “سنحكم على قيادة إيران من خلال أفعالهم، وليس أقوالهم.”

وأضافت الخارجية الأميركية: “لقد قلنا منذ فترة طويلة أننا نرى في نهاية المطاف أن الدبلوماسية هي أفضل وسيلة لتحقيق حل فعال ومستدام فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي”، مشيرة إلى أن “الوضع الحالي بعيد تماما عن ذلك، نظرا للتصعيد من قبل إيران على جميع الأصعدة، بما في ذلك التصعيد في المجال النووي وفشلها في التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهي الجهة الرقابية النووية التابعة للأمم المتحدة”.

ومنذ انهيار الاتفاق النووي ودخوله مرحلة الموت السريري، تخلت إيران عن جميع القيود التي فرضها الاتفاق على برنامجها، وبدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60٪، وهي قريبة من النسبة اللازمة لإنتاج الأسلحة النووية والبالغة 90٪، كما عطلت كاميرات المراقبة التي نصبتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فيما منعت بعضا من أكثر مفتشي الوكالة خبرة.

إيران تفضل الديموقراطيين
هذا وقال خامنئي أيضا يوم الثلاثاء: “بعد بذل كل ما في وسعنا، قد يكون التراجع التكتيكي ضروريا في بعض الأحيان، لكن يجب ألا نتخلى عن أهدافنا أو آرائنا.. معلوم أن الولايات المتحدة تقترب هي الأخرى من يوم التصويت في الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر، والمنافسة على أشدها بين نائبة الرئيس الديموقراطية كامالا هاريس والرئيس السابق المنسحب من الاتفاق النووي دونالد ترامب ومن المؤكد أن طهران تشعر بالقلق من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لذا تفضل فوز رئيس ديموقراطي وهذا التفضيل يشكل عاملا إضافيا في تحول الموقف الإيراني من “الانتقام الشديد” إلى “الرد المحسوب” الذي لم يتم تحديد سقف زمني له، ولا تريد طهران منح ورقة فوز مجانية لترامب في حال هجمت على إسرائيل.

ومن ناحية أخرى، يأتي الضوء الأخضر من قبل المرشد للتفاوض هو الآخر قبل الانتخابات الأميركية أيضا، وذكرت شبكة “أي بي سي نيوز” الأميركية، سبق وأن دخلت الولايات المتحدة في محادثات غير مباشرة مع إيران في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، ولا يزال من غير الواضح كيف سيؤثر ذلك على إدارة نائبة الرئيس المرشحة الديمقراطية لانتخابات الرئاسة الأميركية كامالا هاريس في حال فوزها في الانتخابات، وقالت هاريس في خطاب ألقته في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الأسبوع الماضي: “لن أتردد أبدا في اتخاذ أي إجراء ضروري للدفاع عن قواتنا ومصالحنا ضد إيران والإرهابيين المدعومين من إيران.”

ومن ناحيتها ذكرت شبكة RANE، وهي شركة استخبارات في مجال المخاطر، أنه إذا فازت هاريس، “سترتفع احتمالية التوصل إلى اتفاق مع انحسار الحرب بين إسرائيل وحماس”، وأضافت في تحليلها يوم الثلاثاء: “بمجرد بدء المفاوضات، من المرجح أن تطلب إيران مزيدا من الضمانات بشأن احتمال انسحاب الولايات المتحدة من أي اتفاق جديد بعد انسحابها من الاتفاق السابق في عام 2018”.

وحسب “إي بي سي نيوز” فأنه بسبب المخاوف بشأن استدامة أي اتفاق جديد، من غير المرجح أيضا أن تقدم إيران العديد من التنازلات النووية، مثل تفكيك المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، حيث تريد إيران أن تكون قادرة على تسريع برنامجها النووي في حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الجديد مرة أخرى.”

وشمل اجتماع يوم الثلاثاء بين خامنئي ومجلس وزراء بزشكيان حضور وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، الذي ساعد إيران في الوصول إلى اتفاق 2015، وبعد الاجتماع، قال ظريف في رسالة عبر الإنترنت إنه سيستمر في العمل كمساعد للرئيس في إدارة بزشكيان بعد أن استقال علنا في وقت سابق بسبب تشكيل مجلس الوزراء وعودته تشكل مؤشرا على أن إيران تنوي التوجه إلى التفاوض وفقا “للمرونة الشجاعة” والابتعاد عن “الثأر القاسي” في الوقت الراهن حتى يحين وقت “الرد المحسوب”.