رغم قراري مجلس الأمن الدولي بوقف الحرب فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني في غزة، تواصل إسرائيل عدوانها على قطاع غزة متجاهلة بذلك القرارات الدولية.
ومع مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لأول مرة ملفات مفتوحة ضده في المحاكم الدولية، بدا أن حكومة الاحتلال وجيشه، قررا الالتفاف على هذه الملفات من جهة، وإعادة تجديد تأييد دولي بدءا يفقدانه بفعل المظاهرات العالمية الشعبية الداعمة لفلسطين والضاغطة على حكومات حلفاء الاحتلال في إبادته الجماعية ضد الفلسطينيين، من خلال تشكيل لجان تحقيق في جرائم ارتكبها جيش الاحتلال.
في 2 نيسان 2024، قال جيش الاحتلال إنه يحقق في مقتل 5 من موظفي منظمة المطبخ المركزي العالمي في منظمة إغاثة دولية في استهداف مركبتهم بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة.
وفي 27 أيار 2024، قالت المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية، يفعات تومر يروشالمي، إن جيش الاحتلال يحقق في حوالي 70 قضية تتعلق بانتهاكات لقوانين الحرب في غزة.
وخلال كلمة لها في المؤتمر السنوي لنقابة المحامين الإسرائيليين، قالت يروشالمي إن تحقيقات الجيش تركز على ظروف الاحتجاز في سجن سدي تيمان في جنوب الأراضي المحتلة، واستشهاد أسرى فلسطينيين الذين كان جيش الاحتلال يحتجزهم، والحوادث التي قتل فيها مدنيون، على يد قوات الاحتلال، وحوادث عنف أخرى تشمل جرائم الممتلكات والنهب التي ارتكبها بعض الجنود.
ووصفت يروشالمي، الغارة الجوية على رفح، ومجزرة “الخيام” بأنها “جسيمة جدا” وقالت إن تحقيقات قوات الاحتلال في الأمر مستمرة.
أما في 22 حزيران 2024، مع اقتحام الاحتلال الإسرائيلي مدينة جنين، وتقييده جريحًا فلسطينيًا على مقدمة آلية عسكرية، واستخدامه كدرع بشري، علق جيش الاحتلال حينها أن “التصرف الذي يظهر في الفيديو لا يتناسب مع تعليمات الجيش الإسرائيلي وأخلاقيات جنوده، ويتم التحقيق بالحادث وسيتم التعامل معه بالصورة المناسبة”.
لاحقًا، في 24 حزيران 2024، أمرت المحكمة العليا في دولة الاحتلال السلطات بتوضيح ظروف اعتقال أسرى قطاع غزة في معتقل سدي تيمان، وذلك ردا على الالتماس الذي قدمته منظمات حقوق إنسان للمطالبة بإغلاق السجن.
وبحسب صحيفة “هآرتس” العبرية وقتها، فإن قرار المحكمة يتضمن توضيح نوعية الطعام الذي يقدم للأسرى والعلاج ووسائل العقاب المتبعة وشروط تقييدهم، كما ونقلت الصحيفة عن محامية إسرائيلية، تأكيدها أن احتجاز الأسرى الفلسطينيين في معتقل سدي تيمان من شأنه أن يرقى إلى جريمة حرب، مضيفة أن احتجاز الأسرى فيه “لا يمكن أن يستمر لدقيقة أخرى”.
لماذا يشكل الاحتلال لجان تحقيق؟
تقول مقررة الأمم المتحدة بالأراضي الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيزي، إن قيادة حكومة الاحتلال وجنودها يحرفون مبادئ القانون الدولي لتشريع العنف، وأشارت ألبانيزي إلى أن القادة الإسرائيليين يتلاعبون بالألفاظ ويستخدمون مصطلحات مثل “دروع بشرية” و”مناطق آمنة” لتبرير انتهاكاتهم لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
وفي حديثه لـ “شبكة قدس”، يجيب مدير منظمة القانون من أجل فلسطين إحسان عادل أن الاحتلال يحاول من خلال تشكيله لجان تحقيق، تقديم صورة بأنه يلتزم بالمعايير الدولية، ويحقق في حال ارتكبت مخالفات للقانون الدولي ويحاسب عليها.
ويستدرك عادل: “لكن هذه المحاولة كما وصفتها ألبانيزي بأنها تشويه للقانون الدولي، والمقصود فيه هو أن الاحتلال يستعمل أو يرتكب أو يمارس كثيرًا من الأفعال تحت نطاق وستار يبدو قانوني، ولكنه غير قانوني، ومن خلاله يشوه معنى القانون الدولي، وكأن القانون يقف إلى صف الاحتلال وهو ليس كذلك، من خلال مثلا استخدامها لمسائل مثل الدفاع عن النفس وتشكيل لجان التحقيق”.
هل ينجح الاحتلال بالتحايل من خلال تشكيل لجان التحقيق؟
“سياسيًا، لا تحتاج الدول الداعمة للاحتلال دومًا أن تقدم لها حكومة الاحتلال ممارسة تفيد بأنها تلتزم بالقانون الدولي، على العكس فهذه الدول تشوه القانون الدولي أيضًا، وتستغل تشكيل الاحتلال لجان تحقيق لتعزيز دعمها وادعائها بأن “إسرائيل دولة ديموقراطية”، يقول مدير منظمة القانون من أجل فلسطين.
ووفق عادل، فإن تشكيل لجان تحقيق لا تعد مفيدة من الناحية القانونية، فلا يأخذ بالقانون الدولي بالأمور الظاهرة، فإذا لم تفض لجان التحقيق إلى محاكمات ومحاسبات حقيقية داخل دولة الاحتلال، تبقى مسألة شكلية.
ويشير المختص في القانون الدولي إلى أن الأمم المتحدة توثق في تقاريرها أن ما يتعلق بتشكيل الاحتلال لجان تحقيق، أو ممارسة أنشطة قضائية، لا تتعدى من كونها ظاهرة شكية غير فعلية، لا ترقى إلى إجراءات حقيقية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم. (شبكة قدس)