نشر موقع “العربي الجديد” تقريراً تحت عنوان “بسطات نازحة مع تجار غزة… بحث قسري عن الرزق وسط ركام العدوان”، وجاء فيه:
تحوّل الكثير من التجار وأصحاب المحال التجارية في قطاع غزة إلى باعة متجولين أو على بسطات صغيرة بفعل تواصل العدوان الإسرائيلي منذ السابع من تشرين الأول الماضي، وتداعياته الكارثية والمتفاقمة التي ساهمت بخسارتهم لمحالهم ومصادر دخلهم الأساسية.
ويلقي تواصل العدوان للشهر الحادي عشر على التوالي بظلاله الصعبة على مختلف القطاعات التجارية والصناعية والزراعية، في الوقت الذي تتواصل فيه تفاصيل المقتلة الإسرائيلية بحق المدنيين، والتي أدت إلى استشهاد وفقدان ما يزيد عن 50 ألف فلسطيني، وإصابة 94 ألفاً بجراح متفاوتة جلهم من الأطفال والنساء.
وتتعدد أسباب تحول التجار وأصحاب المنشآت التجارية نحو البيع العشوائي في الأسواق والطرقات ونواصي الشوارع، وأبرزها القصف الإسرائيلي المتواصل والذي سبّب تدمير 150 ألف وحدة سكنية، بما فيها من محال ومراكز ومصالح تجارية وشركات، إلى جانب حالة النزوح من محافظتي غزة والشمال نحو المحافظات الوسطى والجنوبية، كذلك نزوح المحافظات الجنوبية نحو المناطق الوسطى، بعد الاجتياح الإسرائيلي المدمر لمدينتي خانيونس، ورفح جنوبي القطاع.
وخلقت حالة النزوح القسري لنحو مليوني فلسطيني حالة من البلبلة والإرباك على المستوى المعيشي بفعل خروج الناس من بيوتهم بدون أي مستلزمات، في ظل النقص الشديد في مختلف المتطلبات الأساسية جراء الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر، كذلك على المستوى الاقتصادي جراء الخسارة الكبيرة، والنزوح غير الطوعي لأصحاب المنشآت الاقتصادية والصناعية والتجارية.
ويقول الفلسطيني محمد بيان، ويمتلك برفقة والده وشقيقه عبد الرازق مركزاً تجارياً لمواد التجميل وتجهيز العرائس في محيط سوق الشجاعية الشعبي إنه أغلق أبواب محلاته منذ اليوم الأول للحرب، فيما سارع إلى النزوح برفقة أسرته في اليوم الثالث للحرب نحو منطقة الشيخ عجلين بعد تهديد منطقة الكلية الجامعية، كما نزح نحو مدينة رفح في اليوم السابع للحرب، بعد أوامر إخلاء مدينة غزة نحو المناطق الجنوبية لوادي غزة.
ويلفت بيان في حديث عبر “العربي الجديد” إلى أن النزوح القسري والمستعجل، والمترافق مع شعور أنه لن يطول إلا أياماً محدودة لم يدعه يفكر في إفراغ المحلات في حي الشجاعية، أو المخازن في محيط سكنه بمنطقة تل الهوى والمعبأة بالبضائع ذات الأسعار المرتفعة، فيما تمثل الهاجس الأساسي بإنقاذ أفراد العائلة، خاصة في ظل اشتداد وتصاعد القصف الإسرائيلي على المدنيين وارتكاب العديد من المجازر بحقهم، موضحاً أن تواصل العدوان سبّب تجريف المحلات التجارية الخاصة بعائلته في الوقت الذي تم تدمير العمارة السكنية والمخازن بما فيها من محتويات.
مع هذا، يقول بيان إنه اضطر إلى شراء بعض الأصناف برفقة بعض العمال الذين كانوا يعملون في المحل التجاري وقد نزحوا برفقة أسرهم، وذلك لبيعها على بسطة شعبية إلى الشرق من مدينة رفح، وهي مكان نزوح أسرته الأخير – حتى اللحظة – في مسعى إلى توفير المتطلبات الأساسية لأسرته وأسر العمال معه، خاصة في ظل الارتفاع غير المسبوق في أسعار مختلف المواد الأساسية.
ويشير بيان كذلك إلى الارتفاع الخيالي في أسعار البضائع الخاصة بتجارته، على الرغم من أنها ليست ذات جودة عالية، مرجعاً السبب إلى النقص الشديد في البضائع بفعل الإغلاق الإسرائيلي المتواصل للمعابر منذ بداية الحرب ومنع دخول أي بضائع، إلى جانب الفصل القسري بين جنوب القطاع وشماله، وعدم السماح بحرية الحركة أو نقل البضائع.
في الإطار، يلفت الفلسطيني محمد حرب، وهو أحد تجار بيع المكسرات بمختلف أنواعها أنه ترك محلاته ومخازنه بفعل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، والتي تزامنت مطلع العام مع قصف عنيف طاول منطقتهم في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، سبّبت تدمير منزلهم ومحلاتهم التجارية بما فيها من بضائع.
ويلفت حرب لـ “العربي الجديد” إلى أن التكلفة الباهظة لحياة النزوح والتي اضطروا فيها إلى الاستئجار بأسعار خيالية كذلك إلى شراء كل شيء بأسعار مضاعفة دفعه وشقيقه أحمد إلى البيع على بسطة صغيرة في سوق دير البلح الشعبي وسط قطاع غزة، على الرغم من الارتفاع الشديد في أسعار البضائع، والتي لا يمكن مقارنتها بما قبل الحرب، سواء من ناحية الجودة أو السعر.
ولا تختلف أوضاع التجار في محافظات قطاع غزة الخمس، حيث لم تفرق الخسائر بين تاجر اضطر إلى النزوح برفقة أسرته، أو آخر بقي في مدينة غزة وشمال القطاع، حيث طاول التدمير محالهم التجارية ومطاعمهم ومنشآتهم الاقتصادية والسياحية، فيما تمثل الفارق الوحيد، بأن التاجر النازح لم يتمكن من رؤية دمار رزقه إلا بالصور عبر الإنترنت، في حين اكتوى من بقي في المدينة برؤية ركام محلاته على أرض الواقع.
ويقول الفلسطيني هيثم المزنر ويمتلك والده مصنعاً للحلويات، مرفقاً بمعرض لعرض أصنافها بطريقة مبتكرة، إنهم كانوا يواكبون صناعة أحدث أصناف الحلويات، مع حفاظهم على الأصناف التقليدية، والتي يتم تقديمها للزبائن عبر أحدث أنظمة التغليف والهدايا، إلى أن جاء العدوان الإسرائيلي والذي حوّل تجارتهم وعمارتهم السكنية إلى ركام.
ويوضح المزنر لـ”العربي الجديد” أنه افتتح بسطة صغيرة لبيع “الغرَيبة” وهي من أصناف البسكويت الشعبية، وذلك لاعتياده على العمل، حيث كان يساعد والده يومياً برفقة باقي إخوته والعمال في صناعة الحلويات وتقديمها للناس بكل حب، إلى جانب محاولته إيجاد مصدر دخل يعينه على قضاء حوائج أسرته.
ويبين المزنر أن الحال لم يختلف بين التاجر النازح وغيره ممن واصلوا البقاء في مدينة غزة، حيث افتتح عدد من أقاربه بسطات لبيع الحلويات في المناطق الوسطى والجنوبية لتوفير قوت أطفالهم، ويقول ” تشتهر عائلتنا بصناعة الحلويات، لذلك اتجه معظمنا إلى مواصلة العمل بأبسط الإمكانيات، وعلى الرغم من الارتفاع الجنوني في أسعار السكر، حيث يصل سعر الكيلو الواحد 70 شيكلاً أي بزيادة 30 ضعفاً عن سعره الطبيعي”. (الدولار يساوي 3.65 شواكل).
ويلاحظ في الأسواق والمفترقات والشوارع وبين خيام النزوح افتتاح أصحاب المحلات التجارية وبعض المطاعم الشعبية والغربية المعروفة بسطات صغيرة بعد تدمير محالهم ومطاعمهم الكبيرة، ويتشارك في الواقع الصعب ذاته أصحاب الصيدليات ومراكز البصريات وأصحاب مراكز بيع الملابس والأحذية، كذلك أصحاب السوبرماركت ومحلات بيع الفواكه والخضروات ومواد التنظيف والمسليات والكافيهات والاستراحات التي استبدلت أماكنها المقصوفة بخيام تجارية صغيرة. (العربي الجديد)