ذكرت صحيفة “Newsweek” الأميركية أنه “في عام 2002، عندما أطلقت حركة “حماس” أولى صواريخها البدائية على إسرائيل، لم يكن مداها يتجاوز ميلاً واحداً، وكانت أغلب أهدافها المستوطنات الإسرائيلية التي كانت لا تزال قائمة في ذلك الوقت في قطاع غزة.وكانت تلك بداية بدائية، ولكنها كانت تنذر بالسوء، لما تطور في نهاية المطاف إلى أحد أعظم التهديدات التي تواجه إسرائيل. ومع تكثيف إطلاق الصواريخ، واجه أرييل شارون، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، ضغوطاً متزايدة من قاعدته اليمينية للرد بحزم. وزعم المستوطنون الذين خذلتهم حكومتهم أنه “لو سقطت الصواريخ على تل أبيب، فإن إسرائيل سوف ترد!”. وبالنسبة لهم، كان تقاعس الحكومة دليلاً على أنها تقدّر سلامة تل أبيب أكثر بكثير من حياة أولئك الذين يعيشون في مستوطنات غزة. ولكن شارون رد قائلاً: “إن حكم نتساريم يشبه حكم تل أبيب”، حيث ذكر اسم إحدى مستوطنات غزة وأكد أن أي هجوم على أي جزء من إسرائيل من شأنه أن يثير نفس الرد”.
وبحسب الصحيفة، “لقد مرت سنوات من دون رد عسكري إسرائيلي كبير على الهجمات الصاروخية. والواقع أن إسرائيل لم تشن عملية عسكرية واسعة النطاق تهدف إلى كبح قدرات حماس إلا في عام 2008، عندما أظهرت حماس قدرتها على إطلاق صواريخ تصل إلى مناطق أقرب إلى تل أبيب. وفي الوقت نفسه، لم تكن آلاف الصواريخ التي سقطت على مستوطنات غزة قبل إخلائها في عام 2005 تستحق نفس المستوى من الإلحاح”.
وتابعت الصحيفة، “الآن، وبعد مرور 11 شهراً، عادت عبارة “نتساريم هي تل أبيب” إلى التداول، وهذه المرة في إشارة إلى وابل الصواريخ والطائرات من دون طيار التي أطلقها “حزب الله” على شمال إسرائيل. فمنذ 11 شهراً، تعرضت المجتمعات على طول الحدود الشمالية لإسرائيل لهجوم لا هوادة فيه، ولكن رد إسرائيل كان مقيداً إلى حد كبير. وفي حين نفذت القوات الجوية الإسرائيلية ضربات ضد مواقع “حزب الله”، وخاصة في جنوب لبنان، فإن الاستراتيجية العامة كانت حذرة، ويبدو أنها مصممة لتجنب حرب شاملة. ويتناقض هذا بشكل صارخ مع رد فعل إسرائيل على الهجمات على تل أبيب. فعندما ضربت طائرة حوثية من دون طيار تل أبيب في وقت سابق من هذا العام، كان رد إسرائيل سريعا ووحشيا. وفي غضون ساعات، شنت إسرائيل غارة جوية ضخمة على ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون في اليمن، في إشارة إلى العالم بأن أي هجوم على المركز الحضري للبلاد لن يمر دون رد”.
وأضافت الصحيفة، “إن التناقض في ردود الفعل صارخ. فعلى الرغم من قصف حزب الله لشمال إسرائيل، وإجلاء عشرات الآلاف من المدنيين الإسرائيليين من هذه المناطق، فإن الحكومة لم تلتزم بنفس المستوى من القوة. فبدلاً من توجيه ضربة حاسمة لحزب الله، سمحت إسرائيل باستمرار الهجمات، وهي تعمل على أساس الاعتقاد بأن ما دامت المنازل خالية ولم تُزهق أرواح، فقد تتمكن من تجنب الحرب. ولكن هل كانت تصرفت إسرائيل بالطريقة عينها لو استهدف “حزب الله” تل أبيب؟ الإجابة واضحة، فلو كان حزب الله يستهدف المركز التجاري والثقافي لإسرائيل، فلا شك أن رد إسرائيل كان ليتخذ طابعاً أكثر عدوانية. ولكن في الشمال، كانت الاستراتيجية تتلخص في الإخلاء والأمل في الأفضل، وترك مساحات شاسعة من الأراضي الإسرائيلية مهجورة ومعرضة لنيران الحزب”.
وبحسب الصحيفة، “إن الخيارات المتاحة لإسرائيل في الوقت الحالي قاتمة. فقد أعلن حزب الله أنه سيواصل هجماته حتى تنتهي الحرب في غزة، ولكن يبدو أن التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين حماس وإسرائيل أصبح مستبعداً على نحو متزايد. ونتيجة لهذا فإن الوضع الراهن المتمثل في إطلاق الصواريخ يومياً على شمال إسرائيل لا يزال قائماً. إن أحد الخيارات المطروحة أمام إسرائيل هو شن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد حزب الله، وهي الخطوة التي من شأنها أن تؤدي على الأرجح إلى تدهور قدرات الحزب، ولكن بتكلفة كبيرة. فحزب الله يمتلك ترسانة من الصواريخ والقذائف تزيد على 150 ألف صاروخ، ويُعتقد أن لديه القدرة على إطلاق ما يصل إلى 5000 قذيفة يومياً في المراحل الأولى من الحرب. إن أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية، على الرغم من تطورها، سوف تعجز عن التصدي لمثل هذا الهجوم الصاروخي، وسوف تشهد الجبهة الداخلية الإسرائيلية دماراً غير مسبوق”.
وتابعت الصحيفة، “لكن حتى لو تدهورت قدرات حزب الله في الحرب، فإن المشكلة ستظل دون حل. فحزب الله متمركز بعمق على طول الحدود الشمالية لإسرائيل، ومسلح بشكل جيد ويستمد قوته من الدعم الإيراني. وبمجرد أن تهدأ الأمور ويبدأ النازحون الإسرائيليون في العودة إلى ديارهم، فكيف لهم أن يشعروا بالأمان وهم يعلمون أن حزب الله لا يزال على بعد خطوة واحدة منهم؟ اما الخيار الآخر فهو التمسك بوقف إطلاق النار مع حماس، على أمل أن يؤدي ذلك أيضاً إلى وقف هجمات حزب الله. وهذا هو السيناريو الذي يتمنى العديد من أعضاء المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، حدوثه”.
وأضافت الصحيفة، “هناك اعتقاد بأن حزب الله سوف يتوقف عن شن الهجمات بمجرد انتهاء الحرب في غزة، وربما يسحب قواته بعيداً عن الحدود. ولكن ماذا لو لم يحدث ذلك؟ وماذا لو استمر حزب الله في هجماته على الرغم من وقف إطلاق النار في غزة أو لم يحرك قواته بعيداً عن الحدود؟ هل ستقرر إسرائيل عدم خوض حرب مع حزب الله، لضمان سلامة مواطنيها في الشمال؟ إن الأمر مرعب، ولكن هناك أمر واحد واضح: إن الوضع الحالي غير قابل للاستمرار، ولا تستطيع إسرائيل أن تسمح لحزب الله بمواصلة إطلاق الصواريخ على أراضيها دون عقاب، ولا تستطيع أن تترك مواطنيها في الشمال يعيشون في خوف وترقب لسقوط الصاروخ التالي”.
وختمت الصحيفة، “لقد حان الوقت لاتخاذ قرارات صعبة، ولا تستطيع حكومة نتنياهو أن تتحمل الانتظار لفترة أطول”.