في وقت تتصاعد فيه حدة القتال بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، يجد أكثر من 60 ألف إسرائيلي نزحوا من منازلهم شمالي البلاد، أنفسهم في حالة ترقب، بانتظار ما ستؤول إليه الأحداث، أملا في العودة إلى مناطقهم المهجورة.
وخلال الأيام الماضية، صعدت إسرائيل من هجماتها على تلك الجماعة المسلحة والمصنفة إرهابية في الولايات المتحدة، من خلال قصف مركز على الكثير من مواقعها في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت ومنطقة البقاع.
وفي حين أن بعض النازحين يتوقون لأن يؤدي التصعيد العسكري لإعادة الهدوء إلى مدنهم، فإن فريقا آخر منهم أبدى تشككه في حدوث ذلك، قائلين إنهم “فقدوا الثقة” في الحكومة الإسرائيلية منذ فترة طويلة.
ويزعم ذلك الرهط أن الحكومة “لم تقدم الدعم الكافي للنازحين”، وأنها لم تتخذ حتى الأسبوع الماضي “إجراءات قوية بما يكفي” لدفع حزب الله بعيداً عن مجتمعاتهم السكنية، حسب تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
وكان حزب الله قد بدأ في الثامن من تشرين الأوّل الماضي، قصفا شبه يومي ضد إسرائيل، بحجة تقديم الدعم لحركة حماس بقطاع غزة، التي كانت قد شنت قبل يوم من ذلك التاريخ، هجمات غير مسبوقة على إسرائيل، أدت إلى مقتل نحو 1200 شخص، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، حسب بيانات رسمية.
وفي المقابل، ردت إسرائيل بقصف مكثف وعمليات برية عسكرية نجم عنها مقتل أكثر من 41 ألف شخص، غالبيتهم من النساء والأطفال، وفقا لوزارة الصحة في غزة.
أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، الجمعة، عن مقتل عدد من القياديين بحزب الله، في الغارة التي لقي فيها قائد الوحدة الصاروخية، إبراهيم قبيسي، حتفه، الثلاثاء الماضي.
وعندما شاهدت، أورلي جافيشي سوتو، مقاطع مصورة لهجمات حركة حماس، المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة، كانت تعتقد أن ما حدث في جنوب البلاد “قد يقع في شمالها، إذا قررت ميليشيات حزب الله التوغل والوصول إلى مكان سكنها” في كيبوتس هانيتا، على بعد 457 مترا فقط عن الحدود.
وجافيشي سوتو، البالغة من العمر 46 عاما، واحدة من بين نحو 60 ألف إسرائيلي نزحوا من منازلهم في شمال إسرائيل.
وعلى مدى أغلب العام الماضي، عاشت هي وبناتها الثلاث خارج هانيتا، متنقلين بين فندق وشقة مستأجرة وكيبوتس آخر.
وأمضى عشرات الآلاف من الناس شهوراً متناثرين في مختلف أنحاء إسرائيل، مما أدى إلى “توتر الروابط بين المجتمعات المتماسكة في الشمال”، وفق الصحيفة الأميركية.
وفي هذا الصدد، قالت جافيشي سوتو: “أريد بشدة أن أصدق أن الحكومة تهتم بوضعنا، لكنني ببساطة غير قادرة على ذلك. لقد تخلوا عنا لمدة عام كامل”.
وعلى مدار الأسبوع الماضي، زادت هجمات إسرائيل بشكل كبير، حيث جرى تفجير أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكية التي يستخدمها حزب الله، وذلك قبل بدء غارات جوية إسرائيلية مكثفة، هي الأقسى منذ حرب عام 2006 في لبنان.
وأدت حملة القصف إلى تدمير العديد من مخازن الأسلحة وقتل قادة كبار في حزب الله، الذين قالت إسرائيل إنهم كانوا يضعون خططًا للتسلل إلى شمالي إسرائيل.
أفادت مصادر دبلوماسية غربية صحيفة “هآرتس” العبرية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، قد تراجع عن موافقته على اقتراح أميركي- فرنسي بشأن هدنة لمدة ثلاثة أسابيع مع ميليشيات حزب الله اللبناني، وذلك عقب تعرضه إلى “ضغوط سياسية” من داخل بلاده.
وفي الوقت نفسه، أطلق حزب الله النار صواريخ وصلت إلى عمق إسرائيل، مما أدى إلى إطلاق صفارات الإنذار في تل أبيب وحيفا، وهما من أكبر المدن في البلاد.
وقالت وزارة الصحة اللبنانية، إن 558 شخصا على الأقل قتلوا وأصيب أكثر من 1800 آخرين، الإثنين، مما يجعله اليوم الأكثر دموية من حيث الهجمات في البلاد منذ عقدين على الأقل. وقد زاددت أرقام القتلى منذ ذلك الحين.
ولا تميز الأرقام التي أصدرتها الوزارة بين المقاتلين والمدنيين، لكنها قالت إن العديد من الضحايا كانوا من النساء والأطفال.
وفي شمال إسرائيل، تزايد الإحباط بين النازحين وهم يشاهدون جيشهم يقاتل حزب الله، لكنه “يفشل في خلق الظروف التي قد يشعرون فيها بالراحة” عند العودة إلى ديارهم.
ويدعو البعض إلى “إنشاء منطقة منزوعة السلاح” على طول الحدود.
من جانبه، أوضح زامي رافيد، أحد سكان بلدة المطلة في أقصى شمال الجليل، أن منزله تضرر بشدة بسبب صاروخ، الأسبوع الماضي.
وقال رافيد (82 عامًا)، الذي يملك متحفا للأدوات النادرة ويعيش في تل أبيب منذ تشرين الأول: “الحرب كارثة، ولا أحد يريد القتال، لكن تلك المنطقة العازلة يجب إنشاؤها لصالح إسرائيل”.
وقال حزب الله إنه لن يتوقف عن إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار على إسرائيل، إلا إذا توقف القتال في غزة.
قال مصدر مرافق لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في زيارته إلى نيويورك للمشاركة باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة أن الأخير قد دعم إنشاء ممر آمن لخروج زعيم حركة حماس، يحيى السنوار من قطاع غزة، وذلك وفقا لتقرير نشرته قناة “إسرائيل 24”.
وقد فشلت الجهود الرامية إلى الوصول إلى اتفاق هدنة بين إسرائيل وحماس، على مدار الأشهر الماضية.
وفي نتوعا، وهو كيبوتس يقع على بعد أقل من ميل من الحدود، أوضح سيث ديكانو، أنه “تنفس الصعداء” بعد الهجوم المكثف على حزب الله، حتى مع اعترافه بأن الحرب، وارتفاع عدد القتلى المدنيين، “أمر مأساوي”.
وبصفته عضوا في فريق الأمن في الكيبوتس، تمكن ديكانو من مغادرة الموقع مرة واحدة في الأسبوع في العام الماضي، لرؤية زوجته وابنيه الصغيرين، الذين تم إجلاؤهم.
وقال ديكانو (27 عاما)، وهو أحد السكان القلائل المتبقين في الكيبوتس: “منذ بداية الحرب، كنا نجلس هنا في انتظار الهجمات علينا.. الآن نحن من نبادر بالهجوم”.
وبدوره، قال أمير أداري، أحد سكان يفتاح، وهو كيبوتس يقع بين حدود لبنان ومرتفعات الجولان، إنه يؤيد الهجوم العسكري الإسرائيلي ضد حزب الله.
لكن أداراي أكد أيضا على أن الحكومة الإسرائيلية “يجب أن تستفيد من التصعيد الأخير للوصول إلى حل دبلوماسي” مع حزب الله. (الحرة)