تحذير جديد أطلقه الجيش الإسرائيلي للبنانيين، يوم الإثنين الـ7 من تشرين الأول، وتحديداً لرواد الشاطئ من مدينة صيدا وصولاً إلى الناقورة المطلة على إسرائيل، وطالبهم بالإخلاء بذريعة أنه سينفذ عمليات بحرية ضد “حزب الله”.
ما أعلنه الجيش الإسرائيلي بشأن “بحر لبنان” يمثل تحذيراً غير مسبوق منذ توسيع إسرائيل عملياتها العسكرية ضد لبنان يوم 23 أيلول الماضي.
تساؤلات عديدة أثيرت حول مضمون هذا التحذير الذي دفع برواد الشواطئ والصيادين لإخلاء الشاطئ والمياه بشكل فوري، في حين أعاد التهديد الجديد سيناريو ما حدث في غزة حينما تحول الشاطئ إلى مكان للطرادات والزوارق الإسرائيلية.
فماذا في خلفيات هذا التهديد؟ ماذا يقول خبراء ومحللون عن مدى استفادة إسرائيل من بحر لبنان؟ وهل يمكن استخدامه لتنفيذ عمليات عسكرية هجومية باتجاه البر؟
هجوم بحري لمحاصرة “حزب الله”
الخبير العسكريّ اللبناني بسام ياسين يحلل خطوة تهديد إسرائيل للشواطئ البحرية، بالقول إن إسرائيل قد تتجه نحو تنفيذ عمليات بحرية لدعم الهجوم البري الذي تشنه عند الحدود في جنوب لبنان.
يوضح ياسين أن الهجوم البحري قد يشمل إنزالاً جوياً على الشواطئ لقوات تؤمّن دخولا عسكريا إسرائيليا للآليات والمدرعات، مشيراً إلى أن هذا الأمر، إن حصل، سيكون بمثابة إنزال خلف خطوط الدفاع التابعة لحزب الله في جنوب لبنان.
ما يطرحه ياسين يوافق عليه الخبير العسكري جورج نادر الذي قال بدوره إن أي عملية دخول بحري للقوات الإسرائيلية تسمى “إنزالا خلف خطوط العدو” بناء على المصطلح العسكري.. لكن ماذا يعني اللجوء لهذا الخيار؟
يجيب نادر بالقول: “حينما يرى أحد أطراف النزاع أن هناك مأزقا ما على جبهة معينة، عندها يسعى لتنفيذ عملية التفاف. فعلى صعيد الحرب البرية في جنوب لبنان، وحينما ترى إسرائيل أن هناك صعوبة في التوغل، قد تلجأ إلى تنفيذ هجمات من البحر، وهذا سيناريو متوقع خلال هذه الحرب”.
أيضا، يوضح نادر أن حصول مثل هذه العمليات المفترضة والمتوقعة، هدفه ضرب “حزب الله” في ظهره، وبالتالي تطويق جبهته الأمامية والسعي لمحاصرته.
عين إسرائيل على نهر الأولي
خلال تحذيره، ذكر الجيش الإسرائيلي صراحة أن الإخلاء على الشواطئ والبحر يبدأ من نهر الأولي جنوباً، والمقصود هنا الخط الذي يمتد من النهر الذي يفصل صيدا عن منطقة إقليم الخروب في جبل لبنان، وصولا إلى آخر نقطة بحرية في جنوب البلاد وهي رأس الناقورة.
عملياتيا، يعتبر نهر الأولي خارج نطاق الصراع، فهو منطقة بعيدة عن الاشتباكات العسكرية، كما أنه لا تواجد لحزب الله قواعد هناك، علما أن هذه المنطقة تحظى بانتشار عسكري للجيش اللبناني في أكثر من نقطة، وتحديدا عند مدخل صيدا الشمالي، وفي نقطة أخرى في منطقة علمان التي يمر بها النهر.
لكن لماذا يُعتبر الأولي مهماً بالنسبة لإسرائيل؟
الخبير العسكري بسام ياسين يشير إلى أن نهر الأولي يمثل خط الدفاع الثاني لحزب الله بعد نهر الليطاني، مشيرا إلى أن الجيش الإسرائيلي قد يخطط لعزل كافة المنطقة الممتدة بين نهري الأولي والليطاني، وجعل التحرك على طريق الجنوب أمراً صعباً.
يضيف ياسين: “المخطط شيطاني هذا هدفه إفراغ هذه المنطقة من سكانها وبالتالي اعتبار أي أحد يتحرك هناك بمثابة هدف”.
بدوره، يقول الخبير جورج نادر إن الشاطئ المحاذي لنهر الأولي هو شاطئ كبير وصالح لما يُسمى بـ”الإبرار”، أي الإنزال البحري، ويضيف: “هناك، يمكن أن تقوم القوات الإسرائيلية بتنفيذ عمليات إنزال عسكري ودفع آليات ومدرعات من البحر، ولهذا السبب فإن إسرائيل تشمل هذه المنطقة ضمن تحذيراتها”.
ويضيف: “خلال الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، نفذت إسرائيل إنزالاً بحرياً في منطقة الأولي بعد صيدا، بينما كانت الفصائل الفلسطينية تُقاتل في منطقة الرشيدية في مدينة صور في جنوب لبنان والتي تبعد عن صيدا أكثر من 20 كيلومترا. عندها، برزت صرخة كبيرة في أوساط الفلسطينيين عن مدى جدوى قتالهم في منطقة أمامية بينما باتت إسرائيل في منطقة خلفية تماما ومن خلالها تمكنت من تنفيذ احتلال انطلق من الشاطئ”.
ضفادع بشرية قد تغزو شاطئ لبنان
لا يستبعد ياسين ونادر لجوء إسرائيل إلى سيناريو اقتحام لبنان من البحر عبر عناصر “الضفادع البشرية”، والمقصود بذلك هو دخول زوارق إسرائيلية مطاطية صغيرة إلى الشواطئ اللبنانية انطلاقا من بوارج حربية تكون في عرض البحر.
بالنسبة لياسين ونادر، فإن حصول هذا الأمر قد يمنح الإسرائيليين إمكانية السيطرة على بؤر بحرية عند الشواطئ، وبالتالي تحديد نقاط فيها لتنفيذ إنزالات لاحقة.
يقول نادر إن أي عملية إنزال إسرائيلي قد لا تحصل في أي مكان، وهناك نقاط معينة يمكن أن تشهد دخولاً إسرائيلياً بحرياً، ويضيف: “لا يعتبر الشاطئ اللبناني بأسره مناسبا لإنزال بحري، والأساس هو أن الطبيعة الجغرافية للشواطئ تلعب دورا كبيرا في عمليات الإنزال.
وإلى جانب منطقة الأولي التي تعتبر مؤاتية عسكرياً كأرض للإنزال، هناك أيضا شاطئ العباسية الذي يمكن تنفيذ إنزال فيه، بينما مدينة صور المحاذية لهذه المنطقة قد لا تشهد هذا الأمر بسبب جغرافيتها”.
ويتابع “في بيروت، من الصعب جدا تنفيذ إنزال هناك كون المباني قريبة من الشاطئ، وبالتالي هناك نقاط معينة يمكن أن تشهد إنزالا وقد يستغلها الإسرائيلي عند تنفيذ أي عملية بحرية”.
وفي أيلول من العام 1997، شهد لبنان عملية إنزال إسرائيلية، حيث تسللت قوة كوماندوز بحري على شكل “ضفادع بحرية” إلى بلدة أنصارية في جنوب لبنان، وهناك وقع أفراد القوة بكمين نفذه “حزب الله” عُرف حينها بـ”عملية أنصارية”.
وخلال العام 2020، ذكرت صحيفة الجمهورية اللبنانية أن زورقا إسرائيليا نفّذ إنزالًا في منطقة الجية في ساحل جبل لبنان، مشيرا إلى أن قوات إسرائيلية هبطت هناك ثم غادرت.
تفخيخ البحر.. هل هو وارد؟
عند شاطئ صيدا، يوجد انتشار عسكري للجيش اللبناني، ويقول الخبير بسام ياسين إنه باستطاعة القوات المسلحة اللبنانية التصدي لأيّ عملية إنزال قد تحصل بواسطة الدفاعات الأرضية الموجودة هناك.
من ناحيته، يقول نادر إن أي إنزال قد يسبقه تمهيد نيراني، مشيرا إلى أن الطائرات قد تقصف المنطقة التي تهدف إسرائيل لدخولها بحريا، وبالتالي تشكيل سيطرة كاملة ميدانية.
بالنسبة لنادر، فإنه لدى الجيش اللبناني قدرة على التصدي لأي إنزال، في حين يقول ياسين إن لدى حزب الله أيضا قوات بحرية خاصة تعمل على حماية الشواطئ أو منع “الإبرارات” الإسرائيلية، مشيرا إلى أن هذه الوحدات لديها علم بطبيعة تلك العمليات والأماكن التي قد تتم ضمنها.
وعما إذا كانت هناك إمكانية لتفخيخ البحر من قبل “حزب الله”، يقول نادر وياسين إن هذا الأمر مستبعد تماما ولا يحصل لاعتبارات عديدة، وهي أن الشواطئ تستخدم من قبل العموم والمواطنين، في حين أن هناك حركة لسفن تجارية وصيادين، ولهذا فإن مسألة وضع متفجرات ضمن الشواطئ أمر غير وارد. (بلينكس – blinx)