كان في الضاحية وظهرَ في إسرائيل.. قصة مشوقة لتحقيق مع صحافي شهير!

12 أكتوبر 2024
كان في الضاحية وظهرَ في إسرائيل.. قصة مشوقة لتحقيق مع صحافي شهير!

نشرت صحيفة “يسرائيل هيوم” الإسرائيلية تقريراً جديداً كشفت فيه تفاصيل عن توقيف الصحافي الألماني بول رونزايمر في لبنان، والذي قيل إنه جرى اقتياده إلى الحجز لاتهامه بالتجسس على “حزب الله” لصالح إسرائيل، قبل أن يجري لاحقاً إطلاق سراحه.

 

وتقول الصحيفة في تقريرها الذي ترجمهُ “لبنان24” إن رونزايمر وصل إلى بيروت منذ ما يزيد قليلاً عن أسبوعين، وتضيف: “كانت رائحة الحرب تفوح في الهواء بالفعل. رونزايمر الذي اعتاد السفر إلى الجبهة في أوكرانيا، لم يرَ في بيروت أي شيء غير عادي”، أي أن الأجواء الحربية بالنسبة له مألوفة.

 

توضح الصحيفة أن رونزايمر اعترف بأنه لم يزُر بيروت من قبل، كما كشف أنه تجوّل في شوارع العاصمة اللبنانية وتوجّه بعد ذلك إلى منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت التي تُمثل موئلاً أساسياً لـ”حزب الله”، وتضيف: “شاء القدر أن يدخل رونزايمر الضاحية في وقتٍ مثير، فالهجمات الإسرائيلي هناك كانت بدأت للتو”.

 

تلفت “يسرائيل هيوم” إلى أن رونزايمر أجرى في وقتٍ سابق مقابلات على هامش جنازة لقادة وعناصر من “حزب الله”، ثم عاد إلى وسط بيروت ليدخل الفندق ويكتب مقاله، وتضيف: “كان ذلك يوم 27 أيلول الماضي، ولدى عودة الصحافي الألماني إلى الفندق، دوت انفجارات عنيفة، وقيل إنها محاولة اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله”.

 

وفق “يسرائيل هيوم”، فإنه “في لحظات ما بعد الهجوم، لم تكُن نتائج الهجوم الإسرائيلي واضحة بعد، لكن بيروت أصبحت فجأة مركز اهتمام الإعلام العالمي. أراد الجميع أن يسمعوا مُباشرة ما يحدُث في المدينة وأن يتابعوا مدى وجود فرص نجاة نصرالله من وابل القنابل الذي هطل عليه. وبطبيعة الحال، عندما يكون هناك صحافي عالمي مثل رونزايمر، فإنهُ يتمُّ التقرب منه أولاً وقبل أي شيء”.

 

خلال حديثه، يقول رونزايمر: “مثل معظم زملائي، لا أكتب مقالاتي فحسب، بل أقوم بإجراء المقابلات من مكان الحادث، وبالطبع أنشر أيضًا على شبكات التواصل الاجتماعي. وبغض النظر عن المكان الذي أقوم بالتغطية منه، أوكرانيا أو أفغانستان، فإن زملائي من شبكات الإعلام المختلفة، الذين يرون أنني في منطقة العمل، يتصلون بي دائماً حتى أتمكن من الظهور على الهواء ومشاركة الأحداث التي تجري أمامي”.

 

يكشف رونزايمر أنه تلقى طلباً للظهور على الهواء مع هيئة البث الإسرائيلية “كان”، مشيراً إلى أنه وافق على ذلك من دون أن يفكر كثيراً. هنا، تقول الصحيفة: “لو كان رونزهايمر يعلم أن هذه الموافقة قد يمكن أن تساهم في إنهاء حياته لكان قد تأخر لفترة أطويل قليلاً في إعطاء الإجابة على منح هيئة البث الإسرائيلية المقابلة. لكن أولئك الذين اعتادوا على قواعد العالم الحر، لا يغيرون عاداتهم بسهولة”.

 

وتُكمل: “تلقى رونزهايمر رابط بث كان على هاتفه الخلوي، وأجاب على الأسئلة بأفضل ما يستطيع، وتابع الأخبار، وذهب إلى السرير. بعد كل شيء، كان لديه يوم حافل بالأحداث”.

 

وتُضيف: “في صباح اليوم التالي، تلقى رونزهايمر تحذيراً من صديق بأن مجموعة من الأشخاص، بما في ذلك أعضاء في حزب الله، يبحثون عنه. لقد قدموا صورة له وطالبوا بمعرفة هويته، علماً أن هذه الصورة تم أخذها من تقريرٍ سابق له، وقد شوهدت في الخلفية عناصر من حزب الله الذين رافقوا الجنازة التي واكبها رونزهايمر. لاحقاً، تبين أن الحزب يبحث عن الأخير أثناء وجوده في بيروت وذلك لمعرفة خلفيات تقريره وظهوره في بيروت وخصوصاً على شاشة تلفزيون إسرائيلي، في حين تمّ الاشتباه بأن رونزهايمر جاسوس”.

 

وتكمل الصحيفة: “كان لدى رونزهايمر الوقت الكافي لمشاركة الأخبار المخيفة مع المصور الذي يرافقه في جميع المهام إلى مناطق القتال، والذي عمل معه أيضًا في العاصمة اللبنانية. كذلك، كان لدى المنتج المحلي الوقت ليسمع منه عن المشاركة في الإعلام الإسرائيلي الليلة الماضية، وبعد ذلك مباشرة تم طرق الباب الذي فتحه المصور. حينها، أتى أشخاص بملابس مدنية لكن سرعان ما زعموا أنهم من قوات الأمن ولديهم أسئلة رويتينة، وطالبوا بتسليم جميع الأجهزة الالكترونية من دون تأخير، حتى أنه تمت تفتيش الغرفة للتأكد من عدم ترك أي شيء فيها، وجرى أخذ كل شيء، الكاميرات، البطاريات والهواتف”.

 

توضح “يسرائيل هيوم” أن رونزهايمر تمكن في ذلك الوقت من إبلاغ المنتج في ألمانيا بأن الفريق يُواجه مشكلة وقد وقع في أيدي أشخاص تابعين لوكالة سرية بعدما اقتحموا الفندق، وتضيف: “على الأثر، جرى اقتياد رونزهايمر ومن معه إلى سيارة مدنية نحو مكان ما في وسط بيروت. بدا المبنى الذي وصلوا إليه وكأنه نوع من مرافق الاستجواب وكانت به غرف مختلفة، وفي بعضها تم تركيب أصفاد”.

 

هنا، تنقل الصحيفة عن رونزهايمر قوله: “في هذه المرحلة لم يتم تقييد أيدينا، لقد سجلوا كل شيء، وأحصوا كل الأموال التي كان يملكها كل واحد منا، وكتبوا بيانات عنا وعن جوازات سفرنا. لقد ذكرني هذا الإجراء المنظم بما يجري عادة في مركز الشرطة. إثر ذلك، بدأ التحقيق من قبل أشخاص لم يقدموا أنفسهم، ربما كانوا محققين، وربما ضباط مخابرات. لقد طرحوا أسئلة مختلفة، على سبيل المثال، طلبوا معرفة ما فعلته خلال الأيام السابقة، وما الذي أفعله عادة، وإذا زرت إسرائيل”.

 

ويتابع: “سألني الباحثون عما إذا كنت، بالإضافة إلى عملي في مجلة بيلد الألمانية، قد ظهرت على الهواء في وسائل إعلام أخرى. تحدثت عن المقابلة مع اذاعة كان، وكان جوابهم أن هذا مخالف للقانون في لبنان. وشرحت لهم أنني صحفي، وأنني أعمل كصحفي، ولم أكن على علم بأي قانون. كذلك، أوضحت لهم إنني لم أقل في البث أي شيء مخالف للقانون. كنت هادئًا تماماً، وقلت لنفسي: إما أن يقوموا بترحيلي الآن من لبنان، أو سيطلقون سراحي”.

يكشف رونزهايمر أن “المحققين طلبوا منه منحهم كلمة المرور لهاتفه الخليوي”، ويضيف: “عندها، أجبتهم بأن هذا الأمر مستحيل لأنني صحفي، لكن المحققين أصروا على فتح الهاتف ليروا ما تم تصويره خلال جنازة حزب الله في الضاحية. الحل الوسط الذي تم التوصل إليه هو أن أريهم بنفسي ما التقطته، فقالوا إن هذه صور صحفية عادية. عندها، سمعتُ فجأة من المحققين أنهم سيتم نقلي إلى مركز تحقيق عسكري”.

 

ويضيف: “هذه المرة قيدوا أيدينا وعصبوا أعيننا جميعاً. مرة أخرى، سافرنا في سيارة مدنية إلى وجهة مجهولة. لم أكن أعرف إلى أين تم نقلنا، وكان الأمر مزعجًا بالفعل. بعد القيادة لمدة نصف ساعة تقريباً، أخرجونا من السيارة وقالوا لنا أن ننتظر، وكان الأمر كما لو كنا واقفين في البرية. أخذتنا السيارة الجديدة إلى ما بدا وكأنه قاعدة عسكرية. بدأ الإجراء برمته مرة أخرى – التوثيق، والأسئلة، وفحص العلاقة بإسرائيل. لم يضربونا ولم يستخدموا العنف، لكنني بقيت مكبل الأيدي ومعصوب الأعين لساعات، ولم يُرفع الغطاء إلا في الزنزانة”.

 

ويتابع: “المحققون الجدد كرروا ما قاله أسلافهم: إن الظهور على الهواء للبث على محطة إسرائيلية مخالف للقانون اللبناني، لذا عليهم إبقاء الصحفي رهن الاحتجاز طوال الليل، حتى وصول المدعي العام”.

 

وفق “يسرائيل هيوم”، فإن ما يبدو هو أن الرسالة السريعة التي وصلت إلى ألمانيا عما جرى مع رونزهايمر وفريقه قد أدت إلى نتيجة، وما حصل هو أن السفارة الألمانية تحركت وطالبت بالإفراج عن رونزهايمر على عجل.

ويكمل: “خلافاً لفطرة كل شخص ليس صحافياً، لم يذهب رونزايمر إلى المطار ليلحق بأول طائرة تغادر. بدلاً من ذلك، مكث في بيروت لمدة أسبوع آخر، حيث كان يسير في الشوارع، وينظر إلى الأماكن التي تعرضت للهجمات، ويتحدث مع الناس ويجري مقابلات مع السياسيين المحليين”.

 

ورداً على سؤال، بحسب “يسرائيل هيوم”، قال رونزهايمر: “لم أرغب في الهرب، لأنني لم أرغب في أن يبدو الأمر وكأنني خائف أو مذعور. إن تقديم تقرير صحفي هو عملي، ولا يهمني أي شبكة أقوم بتقديم التقارير عنها – شبكة إسرائيلية، أو شبكة أميركية أو غيرها، عندما أقوم بالإبلاغ، أكون موضوعيًا وأقول ما أراه. علاوة على ذلك، تم اعتقالي من قبل المسؤولين الحكوميين، الذين أطلقوا سراحي أخيرًا لأنني لم أفعل أي شيء غير قانوني”.

 

وأضاف: “وجودي في الضاحية ذكرني بكابول، التي زرتها عدة مرات، حتى بعد وصول طالبان إلى السلطة. صحيح أنه، على عكس كابول، لا يحمل الجميع السلاح، ولكن لا يوجد نقص في ذلك. من الرجال المسلحين، ترى النساء هناك، وترى الطريقة التي يتصرف بها الناس. لقد تم تحذيرنا من إخراج الهواتف داخل الضاحية”.