ويوم الأربعاء، قتل حزب الله خمسة جنود آخرين في اشتباك بجنوبي لبنان، مما يدل على أن التصعيد السريع لإسرائيل ضد الحزب القوي لم ينجح في إيقافها.
وقال نيكولاس بلانفورد، الخبير المختص في شؤون حزب الله بمجلس الأطلسي في واشنطن “لقد وجهت إسرائيل ضربة كبيرة إلى القيادة السياسية والعسكرية، لكن يبقى أن نرى كيف سيؤثر ذلك في الاتصالات الداخلية وسلسلة القيادة”.
وساعد نحو عقدين من التحضير للمعركة الكبرى التالية مع إسرائيل، إضافة إلى هيكل مرن يسمح للقادة المحليين بتنفيذ خططهم الخاصة، الحزب على البقاء في القتال، وفقًا لما ذكره بلانفورد.
وقال بلانفورد إن “التحكم التكتيكي لأفراد حزب الله على الأرض لا يزال سليمًا، ولديهم الكثير من الاستقلالية. إنهم يعرفون ما هي المهمة الأساسية: ضرب الجنود الإسرائيليين الذين يعبرون الحدود”.
وفي بيان يوم الجمعة، أعلن حزب الله بدء “مرحلة تصعيدية جديدة” في قتاله مع إسرائيل، دون تقديم مزيد من التفاصيل.
2. الأنشطة السرّية
وأشارت الصحيفة إلى أن صمود حزب الله منذ اغتيال زعيمه حسن نصر الله، الشهر الماضي، يمكن أن يكون له آثار أيضًا على المعركة التي تشنها إسرائيل ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، فنظرًا لقدرة حزب الله على الصمود في ساحة المعركة، قد لا يؤدي رحيل يحيى السنوار إلى إضعاف حماس بقدر ما تأمل إسرائيل.
وأومأت الصحيفة إلى أنه لطالما كانت الأنشطة العسكرية لحزب الله سرّية، مما يصعّب تقييم قدراته. لكن قبل حرب غزة، كان يُعتقد أن الحزب يمتلك من 20 إلى 30 ألف مقاتل مدربين تدريبًا جيدًا، إضافة إلى العديد من جنود الاحتياط، وأسلحة تتجاوز 120 ألف صاروخ وقذيفة، فضلًا عن أسلحة متطورة أخرى، بما في ذلك الطائرات المسيَّرة والصواريخ الموجهة بدقة التي يمكن أن تضرب أهدافًا حساسة داخل إسرائيل.
وتشير التقييمات الإسرائيلية إلى أن جزءًا كبيرًا من ترسانة حزب الله، بما في ذلك أكثر من نصف صواريخه الموجهة بدقة، قد دُمرت، إضافة إلى مقتل مئات من مقاتليه وآلاف المصابين، وفقًا لمصدرين عسكريَّين رفيعَي المستوى تحدثا بشرط عدم الكشف عن هويتهما بسبب بروتوكولات الجيش.
وكشف أحد هؤلاء المسؤولين أن بعض المناصب الرئيسية في حزب الله قد شُغلت بأشخاص لم تكن إسرائيل تعرف أسماءهم، لأنهم كانوا سابقًا في مستويات أدنى داخل سلسلة القيادة.
ومع ذلك، قدَّمت الأحداث الأخيرة رؤى بشأن قدرات حزب الله، إذ باتت صواريخ الحزب تسقط على إسرائيل يوميًّا، سقط بعضها على أهداف بعيدة مثل تل أبيب، على الرغم من أن معظمها تم إسقاطه بواسطة الدفاعات الإسرائيلية أو سقطت في مناطق مفتوحة، مما أحدث أضرارًا طفيفة.
3. سرعة حشد القوات
وكانت الضربة الجوية يوم الأحد الماضي استثناءً، إذ نجحت طائرة مسيَّرة في التسلل وضرب قاعدة عسكرية تبعد نحو 40 ميلًا عن لبنان، مما أسفر عن مقتل أربعة جنود متدربين وإصابة آخرين.
ورغم القصف الهائل الذي تعرَّض له جنوبي لبنان قبل غزوه، فإن القوات الإسرائيلية هناك وجدت أن حزب الله يمثل “عدوًّا قويًّا”، وفقًا لستة مسؤولين عسكريين إسرائيليين شاركوا في الحملة اللبنانية، وتحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم غير مخولين بالتحدث إلى الصحفيين.
وفي إحدى الحوادث التي وقعت في وقت سابق من هذا الشهر، دخل جندي إسرائيلي إلى منزل مهجور فقُتل برصاص أحد مقاتلي حزب الله. وهرع جنود آخرون إلى الداخل لاستعادة زميلهم، فأطلق عليهم حزب الله صواريخ مضادة للدبابات من اتجاهات متعددة، مما أدى إلى اندلاع معركة بالأسلحة النارية استمرت أكثر من أربع ساعات.
وفي التحام آخر، رصدت مسيَّرة إسرائيلية شاحنة صغيرة تنقل مقاتلين من حزب الله إلى المنطقة، حيث اعتقدت إسرائيل أنه محاولة لأسر جنود. ورغم فشل المحاولة فإنها أظهرت أن الحزب قادر على حشد قواته بسرعة بناءً على تطورات ساحة القتال. وقال المسؤولون إن تلك المعركة أسفرت عن مقتل ستة جنود وإصابة 30 آخرين.
ومنذ بدء التوغل البري، قُتل 18 جنديًّا إسرائيليًّا في جنوبي لبنان، وجنديان آخران في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، بينما لم يعلن حزب الله عدد قتلاه حتى الآن.
4. استخدام التضاريس بكفاءة
وقال الجنرال الإسرائيلي المتقاعد غرشون هاكوهين “لقد أضعفتهم الضربات حتى الآن، لكنها لم تقض عليهم”.
وأضاف أن حزب الله تخلى عن مواقعه الأمامية، حيث عثرت القوات الإسرائيلية على ملاجئ تحتوي على الزي العسكري للحزب وأحذية وأسلحة ومعدات قتالية أخرى. ومع ذلك، لا يزالون يستهدفون القوات الإسرائيلية من مسافة بعيدة.
وعلى الرغم من أن أسلحة حزب الله المحدودة المضادة للطائرات لا تقوى على صد الضربات الجوية الإسرائيلية، فإنه يستخدم تضاريس الجنوب اللبناني جيدًا لصالحه.
وتحدّ التلال والوديان في المنطقة من حركة المركبات الإسرائيلية، مما يجعلها عرضة للاختباء والتفجير على جانب الطريق. كما توفر بساتين الزيتون والأشجار الكثيفة غطاءً لقاذفات الصواريخ ومداخل لشبكة الملاجئ والأنفاق التي يُعتقد أن الحزب حفرها في التربة الصخرية.
كما يستخدم حزب الله الطائرات المسيَّرة وأجهزة المراقبة الأخرى لتتبُّع القوات الإسرائيلية، واستهدافها من مسافة تصل إلى خمسة أميال باستخدام صواريخ مضادة للدبابات.
5. الاقتصاد في الصواريخ
وأوضحت الصحيفة أن قوات الاحتلال تتردد في استخدام الطائرات المروحية لإجلاء الجنود الجرحى، فتنقلهم إلى المستشفيات عبر طرق ضيقة ومتعرجة. وكشفت أن الخوف من أن يتمكن حزب الله من أسر الجنود بات شديدًا لدرجة أنه تم تأكيد إجراءات لمنع ذلك، بما في ذلك استخدام النيران الكثيفة، لمنع أفراد الحزب من الهروب من المنطقة أو إرسال مزيد من المقاتلين.
وقبل الحرب، حذرت إسرائيل مرارًا من أن صواريخ حزب الله الموجهة بدقة يمكن أن تضرب التجمعات السكانية أو المواقع الحساسة داخل إسرائيل. ويختلف الخبراء حول سبب إطلاق الحزب عددًا قليلًا من هذه الصواريخ حتى الآن، إذ يرى بعضهم أن الصواريخ قد دُمرت بالفعل، أو أن حزب الله في حالة من الفوضى الشديدة لا تجعله قادرًا على نشرها.
وقال بلانفورد إن الحزب قد يكون في انتظار استخدام أسلحته الأكثر قوة حتى تقصف إسرائيل الجسور والموانئ البحرية ومحطات الطاقة أو بنى تحتية رئيسية أخرى في لبنان.
وأضاف “عندما تبدأ البنية التحتية بالتعرض للاستهداف، فهذا هو الوقت الذي ندخل فيه في صراع شامل، وقد نرى حزب الله يلجأ إلى بعض الأسلحة البعيدة المدى”.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجهه الحزب -كما قال- هو مدى اختراقه من قِبل الاستخبارات الإسرائيلية، كما يتضح من عمليات القتل المستهدفة التي نفذتها إسرائيل ضد العديد من القادة.
وأضاف “يمكن أن يستمر اختراق الاستخبارات الإسرائيلية في تقويض قدرات حزب الله. هناك العديد من القادة الآخرين الذين قد تكون إسرائيل قادرة على العثور عليهم وقتلهم”. (الجزيرة)