اعتبر عدد من الخبراء أن طبيعة الهجمات الإسرائيلية، على عدد من الأهداف داخل إيران ، يشير إلى أن الحكومة الإسرائيلية استجابت للتحذيرات والمطالب الأميركية بتجنب التصعيد، وعدم ضرب مرافق تصدير النفط أو منشآت البرنامج النووي الإيراني.
وأكدت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن إسرائيل أحاطت واشنطن مسبقا بالهجمات، وأنه لم يكن هناك أي تورط أميركي في العملية. وبناء على الأدلة القليلة المتاحة، ربما تكون إسرائيل قد استجابت لتحذيرات واشنطن وكبحت بعض خططها الأكثر طموحا لإلحاق أقصى قدر من الخسائر بإيران.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي شون سافيت إن رد إسرائيل “تجنب المناطق المأهولة بالسكان وركز فقط على الأهداف العسكرية، على عكس الهجوم الإيراني على إسرائيل الذي استهدف أكبر مدينة في إسرائيل من حيث عدد السكان”. لكنه أضاف أن هدف واشنطن هو “تسريع الدبلوماسية وتهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط”.
ضغوط
وأشار السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، في تصريح للجزيرة نت، “أن هذا رد منضبط من قبل الجيش الإسرائيلي”.
وأوضح أن الجيش من ناحية، كان تحت ضغط من الحكومة الإسرائيلية الحالية لإثبات أن إسرائيل لديها القدرة والإرادة للرد على وابل الصواريخ السابق الذي جاء من إيران، ومن ناحية أخرى، تعرض القادة العسكريون الإسرائيليون لضغوط من المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين الأميركيين لعدم تصعيد التوترات بين إسرائيل وإيران إلى الحد الذي قد يؤدي إلى حرب شاملة.
وأضاف المتحدث ذاته أنه علاوة على ذلك، كان الجمهور الإسرائيلي يريد إظهار قدرته الدفاعية، و”ربما يرغب غالبية الإسرائيليين في القيام بذلك دون حرب إقليمية أوسع”.
واتفق خبير الشؤون الإيرانية جودت بهجت، المحاضر بمركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، مع الطرح السابق، وقال للجزيرة نت إن “الهجوم الإسرائيلي كان محدودا وكان يهدف إلى إرسال رسالة بدلا من التسبب في أضرار جسيمة”.
وعلى عكس هجوم نيسان، يرى جودت أن إسرائيل اضطرت إلى تجنب استخدام المجال الجوي للأردن ودول عربية أخرى.
وكان وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قد زار عدة دول عربية، في الأسابيع القليلة الماضية، وتلقى تأكيدات بأنها لن تسمح لإسرائيل باستخدام مجالها الجوي في أي هجوم على إيران.
كذلك، أصدرت كل من السعودية والإمارات على الفور بيانات تدين الهجوم الإسرائيلي، “يبدو أنهم ينأون بأنفسهم عن إسرائيل”، يتابع الخبير.
بدوره، اعتبر خبير الشؤون الإستراتيجية ومدير مؤسسة دراسات دول الخليج جورجيو كافيرو، في حديث للجزيرة نت، أن عدم قيام إسرائيل بضرب المنشآت النووية أو النفطية الإيرانية يخبر أن عمليتها كانت محدودة ومقيدة إلى حد ما.
وقال إن الإسرائيليين هاجموا منشآت الجمهورية الإسلامية الصاروخية والرادار والدفاع الجوي، ومن غير الواضح ما إذا كانت قدرة إيران على الدفاع عن نفسها من عمليات مماثلة تقوم بها إسرائيل قد تعرضت للخطر بسبب الهجوم.
ومن جانبه، يقول تشارلز دان، المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية، والخبير حاليا بالمعهد العربي بواشنطن، والمحاضر بجامعة جورج واشنطن، للجزيرة نت، إن “الهجمات كانت محدودة، ربما بسبب مطالبة الولايات المتحدة التي ارتأت التركيز فقط على الأهداف العسكرية وليس المنشآت النووية أو النفطية”.
مخاوف
وتخشى واشنطن من اتساع نطاق الصراع في المنطقة بما يستدعي معه تدخلا أميركيا مباشرا. ورجح تشارلز دان أن عدم رد إيران قد يوقف الهجمات المتبادلة عند هذا الحد. وأضاف “تحاول واشنطن جاهدة تجنب المزيد من التصعيد المزعزع للاستقرار، الذي يمكن أن يجرها للتدخل المباشر”.
بدوره، اعتبر السفير ماك أن موقف واشنطن يتفق مع دعم الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس طويل الأمد للدفاع عن إسرائيل إلى جانب معارضتهما لحرب إقليمية أوسع. “إذ يمكن أن يستخدم المرشح الجمهوري دونالد ترامب ونائبه جيه دي فانس حربا إقليمية لمهاجمة إدارة بايدن- هاريس كجزء من الحملة الانتخابية في أيامها الأخيرة”.
وأشار الخبير جودت، للجزيرة نت، إلى أن الولايات المتحدة لا تريد حربا إقليمية، وتدعو -إلى جانب أوروبا ودول أخرى- إلى وقف التصعيد. معتبرا أن حربا شاملة بين إيران وإسرائيل من شأنها أن تزعزع استقرار الشرق الأوسط بأكمله بشكل كبير، وترفع أسعار النفط وتضر بالمصالح الوطنية الأميركية الرئيسية.
وتابع جودت: “سيكون التصعيد بين الخصمين سيئا لحملة نائب الرئيس هاريس، قبل أيام قليلة من الانتخابات”.
واعتبر كافيرو أن قيام الحكومة الإيرانية بالتقليل من أهمية هذا الهجوم الإسرائيلي المحدود، يزيل عنه احتمالية أن يكون مقدمة لحرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط، وقال: “سيعتمد الكثير على ما إذا كانت إسرائيل ستتبع المزيد من الهجمات، أو أن تقرر إيران الرد عسكريا”.
ولا تريد إدارة بايدن-هاريس أن تنجر واشنطن إلى حرب كارثية في الشرق الأوسط قبل الانتخابات الرئاسية هذا العام مباشرة، كما يقول كافيرو الذي أضاف: “البيت الأبيض يأمل ألا تتسبب هذه الضربة في أي تصعيد في الأعمال العدائية الإقليمية قبل 10 أيام من انتخابات الشهر المقبل خوفا من أن يكون ترامب هو المستفيد من هذه الفوضى العنيفة”، حسب تعبيره.
إلى ذلك، اعتبر دان أن أمام إيران 3 بدائل، وسيتعين عليها الاختيار بين:
– رد كبير عبر المزيد من الصواريخ الباليستية، مما من شأنه أن يثير تصعيدا إسرائيليا كبيرا.
– عدم القيام بأي شيء، وهو ما قد يبدو سلبيا.
– هجوم صاروخي صغير نسبيا وطائرة بدون طيار يمكن أن تسقطها إسرائيل جانبا، ولكن يمكن أن تشير إليه إيران كرد مبرر.
ويستدرك المحلل ذاته أن البديل الثالث يظل محفوفاً بالمخاطر طبقاً لتفسير كلا الجانبين له كجزء من اللعبة، مشيراً إلى أنه “يمكن أن يجنب ذلك المزيد من التصعيد، طالما أن هناك اتفاقا واضحا بشأن قواعد اللعبة”.
ونظراً للهجوم الإسرائيلي المحدود، رجح الخبير جودت ألا ترد إيران، وأضاف للجزيرة نت: “لقد أضعفت عقود من العقوبات الاقتصاد الإيراني (على الرغم من بعض التحسينات في السنوات الأخيرة) وقدرات طهران العسكرية التقليدية وغير التقليدية لا تضاهي قدرات إسرائيل”.
وخلص إلى كون الحرب الشاملة مع خصم أقوى ليست في مصلحة إيران، وأن هذا لا يعني أن العداء بين البلدين سينتهي، بل من المرجح أن تستمر المواجهة خاصة في المجال السيبراني وتستمر في الارتفاع والانحسار وستتخذ أشكالا مختلفة، حسب توقعه.
إلى ذلك، أكد السفير ماك أن هناك إجماعا بين الخبراء الأميركيين على أن “إيران لا تريد حربا إقليمية”. (الجزيرة نت)