اعتبر المحلل السياسي باولو أغويار أن اغتيال يحيى السنوار، أحد أبرز قادة حركة “حماس” والمهندس الرئيس لهجمات السابع من تشرين الأول على إسرائيل عام 2023، بمثابة انتصار ملحوظ لإسرائيل لكنه رمزي ومحدود النطاق في نهاية المطاف، مشيراً إلى أن هذا الاغتيال لن يغير مسار الصراع بين إسرائيل وغزة لأن حماس منظمة تستوعب خسائر القيادة، حيث تعمل بطريقة لا مركزية مع هيكل واضح لتسلسل القيادة.
وأوضح الكاتب في مقاله بموقع “جيوبوليتيكال مونيتور” الكندي المعني بالتحليلات الاستخباراتية والسياسية، أن هذا الهيكل يعني أنه حتى بعد القضاء على شخصيات مثل السنوار، يمكن لحماس الاستمرار في العمل مع القادة المحليين والعملاء ذوي الخبرة لقيادة الجهود المستقبلية.
وقال الكاتب إن القادة القادمين سيحافظون على الأرجح على نفس الموقف القائم، وأضاف: “قد يستفز اغتيال السنوار رد فعل معاكس من الفلسطينيين، خاصة في غزة، وقد يرفعه موته إلى مرتبة الشهيد، مما يعزز الدعم لحماس بين الفلسطينيين”.
وتابع الكاتب أن “هذا التبجيل للشهداء متأصل داخل المجتمع الفلسطيني، وبالتالي بدلاً من إضعاف حماس، فإن وفاة السنوار قد تعزز العزيمة الفلسطينية ضد إسرائيل، مما يبقي أيديولوجية حماس ونفوذها على قيد الحياة”.
مأزق استراتيجي
ووضع الكاتب وفاة السنوار في سياق التصعيد العسكري الإسرائيلي المستمر في غزة، فخلال العام الماضي، شنت إسرائيل هجمات متكررة بهدف تفكيك البنية التحتية العسكرية والسياسية لحماس.
ومع ذلك، يلاحظ أغويار أن حماس أظهرت مرونة ملحوظة، وكثيراً ما أعادت تشكيل قواتها وبنيتها بعد انسحاب القوات الإسرائيلية مؤقتاً.
وتركت هذه المرونة إسرائيل في ما يسميه أغويار “مأزقاً استراتيجياً”، حيث تتبع المكاسب العسكرية المتكررة إعادة تأسيس حماس باستمرار.
وتسلط هذه الدورة الضوء على الصعوبة التي تواجهها إسرائيل في تحقيق أهدافها الأوسع، مثل القضاء على حماس ككيان مسلح وحاكم.
وفي خضم هذا التصعيد العسكري، تبنت إسرائيل تدابير أكثر صرامة في عملياتها الأخيرة وكثفت قصفها في شمال غزة، وأصدرت تعليمات لمئات الآلاف من الفلسطينيين بالإخلاء وفرضت قيوداً على تدفق المواد الأساسية مثل الغذاء والماء والوقود والإمدادات الطبية، وهو ما أدى أيضاً إلى تداعيات إنسانية شديدة ومحاصرة المدنيين في مخيم جباليا المكتظ بالسكان، الذين شعروا أن الإخلاء مستحيل إما بسبب المخاوف الأمنية أو الاعتقاد السائد بعدم وجود مكان آمن في غزة.
وقال الكاتب إن الأزمة الإنسانية الناتجة عن ذلك قد أثارت إدانة عالمية، حيث أشارت المنظمات الدولية إلى التأثيرات السلبية لأفعال إسرائيل على المدنيين، الذين يعانون الآن من تدهور سريع في نوعية الحياة.
ولفت الكاتب النظر إلى الخسائر الإنسانية في جنوب غزة، الذي شهد تدفق أكثر من مليون فلسطيني نازح مع نقص في الخدمات الأساسية، والتعرض الدائم للضربات الإسرائيلية التي تستهدف مواقع حماس.
ورأى الكاتب أن هذا التكتيك يطمس الخطوط الفاصلة بين الأهداف العسكرية وحماية المدنيين، مما يثير مخاوف أخلاقية بشأن التناسب واستهداف غير المقاتلين.
وأشار الكاتب إلى أن إسرائيل تفتقر لخطة في غزة، رغم تبنى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو نهجاً متشدداً يهدف لإزالة كاملة للوجود الحاكم والمسلح لحماس، وهو ما يترك تساؤلات مثيرة للجدل حول هيكل الحكم في غزة بافتراض سقوط حماس.
خطة الجنرالات
وأدى هذا الغموض إلى إثارة تكهنات بشأن استراتيجيات أكثر تطرفاً، مثل “خطة الجنرالات”، التي يشرحها أغويار بأنها تنطوي على حصار كامل لشمال غزة. وبموجب هذه الخطة، سوف يُطلَب من المدنيين الإخلاء، وبعد ذلك سوف ينفذ الجيش الإسرائيلي حصاراً كاملاً، ويحرم السكان من الموارد حتى تستسلم حماس.
وتتصور الخطة إنشاء هيكل حكم بديل في غزة، وإن كان من غير الواضح من الذي سيقود إذا خضع القطاع لحكم مشترك من حماس والسلطة الفلسطينية.
حوافز أميركية
ومن خلال المساعدات العسكرية والدعم السياسي، تساعد الولايات المتحدة في عزل إسرائيل عن بعض عواقب استراتيجياتها، مما يشجع نتانياهو على المضي قدماً في الإجراءات العدوانية.
ورأى الكاتب أن مثل هذا الدعم الثابت قد يؤدي في الواقع إلى إطالة أمد الصراع من خلال الحد من الضغوط على إسرائيل للسعي إلى حلول غير عسكرية.
وخلص أغويار إلى أن وفاة يحيى السنوار، على الرغم من أهميتها، من غير المرجح أن تغير الديناميكيات الأساسية للصراع بسبب المرونة التنظيمية لحماس وعزيمتها الإيديولوجية.
وحذر الكاتب من أن إسرائيل، في ظل غياب الحلول العسكرية، قد تظل متورطة في صراع مستعصي لا يمكن التنبؤ بحل له، مشيراً إلى أن النضال من أجل تحقيق الاستقرار الطويل الأمد في غزة سوف يتطلب أكثر من مجرد الهيمنة العسكرية، وسوف يعتمد في نهاية المطاف على إيجاد حل سياسي قابل للتطبيق. (24)