عاد دونالد ترامب من جديد رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في وضع يواجه فيه العالم العديد من التحديات المعقدة، وفي مقدمتها منطقة الشرق الأوسط التي وصلت التوترات فيها إلى ذروتها، وظلت الأزمات السياسية والعسكرية تلقي بظلالها على استقرار هذه المنطقة.
وتعدّ إيران من أهم الأطراف المنخرطة في هذه الصراعات، لا سيما في الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حركة حماس وحزب الله، كما خاضت طهران وتل أبيب عمليات قصف مباشرة متبادلة بين البلدين، الأمر الذي وضع المنطقة تحت خطر إمكانية توسيع نطاق الحرب.
وتزيد مثل هذه الظروف من ضرورة اتخاذ قرارات استراتيجية ودبلوماسية لإدارة هذه الأزمات، كما يقول عدد من المختصين الإيرانيين.
ويرى خبراء إيرانيون، أن على صناع القرار في طهران، اغتنام الفرصة للتفاوض مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي فاز بالانتخابات الرئاسية التي جرت الثلاثاء الماضي، على الرغم من مواقف ترامب المتشددة حيال إيران في السنوات الماضية.
وحول ذلك، يرى المحلل السياسي والنائب السابق “حشمت الله فلاحت بشه”، أن “حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، سيكون لديها توجه في التوصل إلى تفاهمات مع إدارة البيت الأبيض المقبلة بشأن ملفات عديدة من بينها الحروب المشتعلة في المنطقة والأزمة النووية”.
ونصح فلاحت بشه وهو من معسكر الإصلاحيين في حديثه لـ”إرم نيوز”، بأن “علينا أن نغتنم الفرصة للتفاوض مع إدارة ترامب، والتوصل إلى تفاهمات خصوصاً بعدما طرح ترامب في حملته “أنه لا يريد إسقاط النظام الإيراني، بل يريد التوصل إلى اتفاق”.
وأضاف: “إن صناع القرار في إيران، سينتظرون الأشهر المقبلة، لكي تتضح الصورة في واشنطن بشأن القضايا الخلافية مع طهران”.
التفاوض المباشر هو الحل
من جهته، يقول الدبلوماسي السابق الإيراني “قاسم محب علي” لـ”إرم نيوز”، “يجب أن نتعامل ونتفاوض بشكل مباشر مع واشنطن لحل الأزمات والخلافات”.
وأوضح أن”المرحلة المقبلة تؤكد أن جميع أركان السلطات الأربع في أمريكا، أي المحكمة العليا، والرئاسة، ومجلس الشيوخ، وعلى الأغلب مجلس النواب، هي في أيدي الجمهوريين”.
وأضاف: “إذا قرر ترامب التفاوض مع إيران، فسيكون في إطار وموقف يشمل كل قضايا إيران وأمريكا، بما في ذلك موقف إيران تجاه إسرائيل”.
واستدرك علي بالقول: “ولا نحصر التفاوض بالمسألة النووية، كما كان الحال في الجولة السابقة”.
وتابع علي: “الشهران المتبقيان على تولي ترامب منصبه، قد يكونان حاسمين، فربما تحدث أفعال من إيران وإسرائيل، تغير الوضع جذرياً أو تؤججه”.
وعند سؤاله عن إمكانية أن تقبل إيران التفاوض المباشر مع أميركا، أجاب محب علي: “أولا وقبل كل شيء، يجب على إيران قبول المفاوضات المباشرة حول كافة القضايا، بما في ذلك سياسة الشرق الأوسط وموقف البلاد تجاه إسرائيل”.
وبطبيعة الحال، بما أن ترامب سيكون على علاقة أوثق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن مطالب نتنياهو ستكون مطروحة على الطاولة”، وفق علي.
ولذلك، فإن القرار الأساسي هو ما إذا كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية “مستعدة”، لإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة أم لا، لأنه لم يعد الآن بوسع أوروبا ولا أي دولة أخرى أن تتوسط بين إيران وأمريكا أو تقوم بأعمال نقل الرسائل، على حد قول علي.
وتابع: “تبقى المفاوضات المباشرة فقط هي الحل، وهذا قرار أساسي لإيران التي قاومت المفاوضات المباشرة مع الأمريكيين طوال 45 عاماً”.
واستدرك علي بالقول: “علينا أن نرى ما الذي سيطرحه الأمريكيون على الطاولة بعد تولي ترامب منصبه”.
المتطرفون من كلا الطرفين
وعند سؤاله عن دور المتطرفين في إيران والولايات المتحدة، لعرقلة المفاوضات المباشرة، قال: “نعم، هناك متطرفون جمهوريون يسعون بطبيعة الحال إلى ممارسة أقصى قدر من الضغط، وتغيير سلوك إيران وسياساتها”.
كذلك، فإن هنالك متطرفين في إيران، يلعبون في الواقع على ملعب الطرف الآخر، بحسب علي.
بالإضافة إلى ذلك، يلعب المتطرفون الإقليميون دوراً في التصعيد، والشاهد على ذلك هو الشخص الذي قال وقت إعلان فوز ترامب إنه “سيجعل سفارتي إسرائيل والولايات المتحدة غير آمنة”، فمثل هذه الكلمات، تخلق أساسًا للطرف الآخر لاتخاذ موقف قاسٍ”.
وكان روح الله حريزاوي، نائب رئيس منظمة الدعاية الإسلامية في إيران، هدّد إسرائيل وأميركا، مؤكداً أن الجمهورية الإسلامية ستجعل سفارتيهما “غير آمنة”.
تهنئة ترامب
وقد فسّرت ردود أفعال المسؤولين المقربين من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ومسعود بزشكيان، على أنها محاولة محتملة من جانب الحكومة الإيرانية للتواصل مع دونالد ترامب، الرئيس المنتخب للولايات المتحدة.
وكان مستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني قال أمس: “علينا أن لا نربط أمور البلاد بـ”ترامب”، فسلوكه في دورته الأولى كان بعيدا عن العقل”.
وأضاف لاريجاني: “كما ينبغي لإيران وضع حد لإسرائيل واتخاذ قرار سليم بشأن الرد على هجومها”.
وقال علي لاريجاني، ردا على فوز ترامب: “لا نعرف، علينا أن نذهب أبعد قليلا ونرى كيف هو، لأنه لم يتصرف بحكمة في المرة الماضية”.
وأضاف في مقابلة مع قناة خبر التلفزيونية الإيرانية: “كانت هناك إشارات في بعض كلماته، على سبيل المثال، قبل التصويت، حيث قال: لا أريد القتال مع إيران، بل أريد ألا تتحول القضية النووية الإيرانية إلى أسلحة”.
كذلك، قدّم حميد أبو طالبي، مستشار الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني، مقترحاً للرئيس الحالي مسعود بزشكيان، بضرورة تقديم تهنئة لترامب بمناسبة فوزه بالانتخابات.
وقال أبو طالبي: “أقترح على الرئيس بزشكيان، تقديم التهنئة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، على غرار ما فعلت الولايات المتحدة في تقديم العزاء بوفاة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي”.
وأضاف: “ترامب يطمح ليكون رونالد ريغان الآخر، لذلك أقترح وضع استراتيجية حديثة لحل المشاكل والأزمات العالقة بين البلدين منذ 45 عاماً”.
وفي فترة ولايته الأولى كرئيس، انسحب ترامب من جانب واحد من اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة، الذي تم التوصل إليه بعد سنوات من الجهود الدبلوماسية الدولية، واعتمد سياسة الضغط الأقصى ضد إيران.
كما كان إصدار ترامب لأمر قتل قاسم سليماني ، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، أحد الإجراءات التي يشار إليها على بداية قتل قادة الجماعات الوكيلة للجمهورية الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط.