ذكرت صحيفة “The Telegraph” البريطانية أنه “في الأسبوع الماضي، فاجأت “هيئة تحرير الشام” العالم بشن هجوم مفاجئ ضد مواقع تسيطر عليها الحكومة في شمال غرب سوريا. وفي غضون 72 ساعة، تمكنوا بشكل لا يصدق من طرد قوات الرئيس السوري بشار الأسد من مساحات شاسعة من حلب. وأعاد انتصار هيئة تحرير الشام وجود المتمردين في حلب لأول مرة منذ ثماني سنوات ومهد الطريق لذوبان الجليد عن الحرب الأهلية السورية. وكما كان متوقعا، ردت الطائرات المقاتلة الروسية الداعمة للأسد بقصف المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في حلب وإدلب، كما انضمت كتائب حزب الله ولواء فاطميون المتحالفة مع إيران إلى القتال نيابة عن الرئيس السوري”.
وبحسب الصحيفة، “بغض النظر عما ستفعله روسيا وإيران بعد ذلك، فإن هجوم هيئة تحرير الشام حطم سراب الاستقرار. وبالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فإن ضعف الأسد يشكل حبة مريرة يصعب بلعها، فقد وصلت الطائرات الروسية ومرتزقة مجموعة فاغنر إلى سوريا في عام 2015 وساعدوا الأسد في تحويل مجرى الحرب الأهلية. وعلى الرغم من وحشية الأمر، إلا أنه كان فعالا. فقد نجح الكرملين في الترويج لنموذجه السوري لمكافحة التمرد في الدول الأفريقية مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي التي واجهت تهديدات متصاعدة من الإرهاب العابر للحدود الوطنية. وأقنع النجاح الحاسم للتدخل العسكري الروسي المملكة العربية السعودية، عدوها التاريخي، بالتعامل مع موسكو، وعزز بشكل لا يقاس مكانة روسيا كقوة عظمى في الشرق الأوسط”.
وتابعت الصحيفة، “لكن انتصار روسيا في سوريا كان قائما دائما على الأساطير. فعلى الرغم من إصرار بوتين على أن روسيا لعبت دورا حيويا في قطع رأس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وتنظيم القاعدة، فإن أكثر من 90٪ من غاراتها الجوية استهدفت المتمردين السوريين غير المنتمين إلى أي من المجموعتين الإرهابيتين. والآن تم استئصال أكبر أسطورة على الإطلاق، وهي استقرار سوريا. كما وإن محنة الأسد هي جزئيا نتاج سوء تقدير خطير من جانب موسكو. فقد أجبر الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا على تحويل الموارد العسكرية تدريجيا بعيدا عن سوريا، وتم إعادة نشر طائرات مقاتلة من طراز سو-25 ونظام دفاع جوي من طراز إس-300 على خطوط المواجهة في أوكرانيا. ومع إعادة تعيين القوات الروسية المتمرسة في سوريا في أوكرانيا وعدم اندماج بعض مرتزقة مجموعة فاغنر مع القوات المسلحة الروسية بعد تمرد يفغيني بريغوجين المشؤوم في حزيران 2023، تضاءلت قدرة الكرملين على حماية الأسد”.
وبحسب الصحيفة، “حينها، لجأ الأسد إلى القوات الإيرانية لتحل محل القوات الروسية التي غادرت سوريا، وبدا كل شيء مستقرا حتى الهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول ضد إسرائيل واندلاع حرب غزة. وكانت إسرائيل تضرب بانتظام مطاري دمشق وحلب، حيث كانا يوفران الدعم الأساسي لتهريب الأسلحة الإيرانية، كما أدى انخراط روسيا مع حماس وحزب الله إلى تدمير قنوات الاتصال القائمة مع إسرائيل بشأن الضربات على سوريا.وقد حولت روسيا عددا قليلا من أفرادها إلى تسع نقاط مراقبة في مرتفعات الجولان الخاضعة لسيطرة سوريا، ووجد قادة الحرس الثوري الإيراني أنفسهم مرارا وتكرارا في مرمى النيران، وقد أدى هذا إلى خلق فراغ أمني استغلته هيئة تحرير الشام”.
وتابعت الصحيفة، “في حين يشيد الغرب بأخطاء روسيا، إلا أنه لا يخفي العواقب الكارثية لانفصالها عن سوريا. فبعد أن استعاد الأسد حلب في عام 2016، تخلى الغرب عن المتمردين السوريين الذين دعمهم منذ عام 2011، واحتفظت الولايات المتحدة بالعقوبات الاقتصادية ضد سوريا وأحبطت استثمارات إعادة الإعمار من خلال التوقيع على قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين في عام 2019. ولم يتم تطبيق هذه التدابير بشكل كافٍ، فقد أنشأ حلفاء الأسد متاهة من الشركات الوهمية لحماية أنفسهم من الانهيار الاقتصادي في سوريا والاحتفاظ بالسلطة”.
ورأت الصحيفة ان “موقف الغرب المتساهل شجع شركاءه العرب على التخلي عن القتال ضد الأسد. ومع تطبيع مصر والإمارات العربية المتحدة والبحرين للعلاقات مع دمشق، نجا الأسد من العزلة الإقليمية. وكانت القشة الأخيرة هي إعادة الأسد إلى جامعة الدول العربية، والتي مهدت الطريق للمصالحة بين المملكة العربية السعودية وسوريا والذوبان المحتمل للجليد بين سوريا وتركيا. ومع تفكك نواة المعارضة السورية المعتدلة وتخلي حلفائها السابقين عن قضيتهم، تولت هيئة تحرير الشام شعلة ثوار الربيع العربي الذين تحدوا الأسد بشجاعة في عام 2011. إن التنازل عن القتال ضد الأسد لمجموعة كانت متشابكة مع تنظيم القاعدة طوال معظم وجودها وتدافع عن “الجهاد الشعبي” هو استسلام مهين للغرب”.
وختمت الصحيفة، “مع تهديد الحرب الأهلية شبه المجمدة في سوريا بالاشتعال من جديد، أصبحت لدى الغرب فرصة غير متوقعة لتصحيح هذه الأخطاء التاريخية”.