الأسد أغضب بوتين مرتين.. لماذا تخلت عنه روسيا؟

9 ديسمبر 2024
الأسد أغضب بوتين مرتين.. لماذا تخلت عنه روسيا؟


“قرر الاستقالة من الرئاسة ومغادرة البلاد معطيا أوامر بالانتقال السلمي للسلطة، وروسيا لم تشارك في تلك المفاوضات”.. كانت هذه هي العبارة الأخيرة في بيان الخارجية الروسية وكانت آخر مؤشر على تخلي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن الرئيس السوري السابق بشار الأسد، حسب ما يشرح الباحث من مركز الدراسات العربية الأوراسية ديميتري بريجع.








الأحد، دخلت فصائل معارضة سورية مسلحة العاصمة السورية دمشق بعد انسحاب للجيش السوري ومغادرة الأسد البلاد ما أنهى حكمه وحربا شرسة امتدت لـ13 سنة، لعبت فيها روسيا، إلى جانب إيران، دورا أساسيا في دعم الأسد، قبل نشر مساء الأحد، بيانا يوضح أن موسكو وافقت على منح الأسد “حق اللجوء الإنساني”.

وصباح الإثنين، ظهرت السفارة السورية في موسكو يعلوها العلم السوري الجديد، بعد إزالة القديم.

كانت روسيا عبر قاعدتها الجوية حميميم على الساحل السوري ترصد تحركات فصائل المعارضة المسلحة في إدلب وبداية هجومهم على مواقع الجيش السوري في ريف حلب يوم 27 تشرين الثاني، والذي تبعه السيطرة على تلك المدينة الاستراتيجية جغرافيا واقتصاديا، إلا أنها لم تحرّك ساكنا، وفق بريجع الذي قال إن روسيا “كانت تشاهد ذلك”، وذهب أبعد من ذلك بالقول “كان هناك تنسيق مع فصائل المعارضة المسلحة”.

لكن لماذا تخلت روسيا عن حليفها الأقوى، بعد سنوات من الدعم في الحرب؟ وهل تخاطر موسكو بوجودها في المياه الدافئة في شرق المتوسط؟

لماذا تخلى بوتين عن الأسد؟

عملت روسيا على ملف “المصالحات” في سوريا بين الحكومة والمعارضة وفق بريجع الذي يقول لبلينكس إن روسيا كانت تريد تغييرا في المشهد السياسي في سوريا لكن ذلك لم يحدث.

يشير الباحث إلى أن روسيا كانت تعمل على فتح قنوات مع المعارضة السورية بمختلف تشكيلاتها، إلا أن “دمشق كانت تماطل”، معتبرا أن ذلك كان الأمر الأول الذي غيّر الموقف الروسي تجاه الأسد.

يتابع الباحث لبلينكس أن ما أزعج روسيا هو أنها عملت على إنجاح الحل السياسي في إطار قرار الأمم المتحدة الخاص بسوريا رقم 2254، لكنه لم يطبقه بسبب هذه المماطلة، وفق تعبيره.

الأمر الآخر الذي ضاعف استياء بوتين كان فشل الوساطة الروسية في ملف التقارب بين سوريا وتركيا بسبب رفض الأسد، على الرغم من إبداء تركيا رغبتها في إعادة العلاقات بين البلدين.

يشرح بريجع أن رفض الأسد أغضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الداعم الرئيسي لفصائل المعارضة المسلحة في الشمال والتي أسقطت حكم الأسد، كما أغضب في الوقت ذاته الرئيس بوتين، مضيفا “يبدو أنه تم التوافق بين روسيا وتركيا بخصوص الملف السوري” واتخذ قرار للتغيير في سوريا.

رسميا.. ماذا تقول روسيا عن الأسد؟

وزارة الخارجية الروسية قالت في بيان، الأحد، إن الرئيس السوري بشار الأسد ترك منصبه وغادر البلاد بعد أن أصدر أوامره بتسليم السلطة سلميا، مضيفة أن روسيا لم تشارك في المحادثات بشأن رحيله.

 

ومساء الأحد، صرح مصدر في الكرملين لوكالة ريا نوفوستي أن الرئيس بشار الأسد وأفراد عائلته وصلوا إلى موسكو، ومنحتهم روسيا حق اللجوء.

ويفيد البيان بأنه “نتيجة لمفاوضات بين بشار الأسد وعدد من المشاركين في الصراع المسلح في أراضي الجمهورية العربية السورية، قرر الاستقالة من الرئاسة ومغادرة البلاد معطيا أوامر بالانتقال السلمي للسلطة، وروسيا لم تشارك في تلك المفاوضات”.

ويضيف أن موسكو قلقة للغاية من التطورات في سوريا وحثت كل الأطراف على الإحجام عن العنف. ويحث “كل الأطراف المعنية على الإحجام عن استخدام العنف وحل كل المشكلات المتعلقة بالحكم عبر الوسائل السياسية”.

ولعل ختام البيان يبرز رؤية روسيا للمرحلة القادمة في سوريا إذ قال “في هذا الصدد، روسيا الاتحادية على تواصل مع كل الجماعات في المعارضة السورية”، وبهذا التوصيف تطوي روسيا صفحة استخدام مصطلح “إرهابيين” على الفصائل.

قاعدتان روسيتان عسكريتان في سوريا.. ما مصيرهما؟

جعلت موسكو من سوريا نقطة ارتكاز لنفوذها في الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي تحتفظ فيها منذ العام 1971 بقاعدة بحرية في ميناء طرطوس، في الغرب، على البحر المتوسط، تعتبر مركزا أساسيا لإمداد وإصلاح السفن الروسية في البحر المتوسط، ويمكنها التوجه منه إلى البحر الأسود دون المرور عبر مضيقي تركيا، البوسفور والدردنيل.

كذلك، فإنّ لروسيا منذ 2015 قاعدة جوية رئيسية في مطار حميميم قرب مدينة اللاذقية الساحلية.

وانخرطت موسكو في الصراع لدعم الأسد في ذلك العام، في أكبر تدخل عسكري لها في الشرق الأوسط منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، وتمكنت الطلعات الجوية الروسية من قاعدة في اللاذقية من ترجيح الكفة لصالح الرئيس السوري السابق.

في هذا السياق، يقول المدير الأكاديمي لمعهد المتوسط للدراسات الاستراتيجية بيار رازو إن روسيا كانت لديها في سوريا في يوليو “22 طائرة مقاتلة ونحو 15 مروحية هجومية ومسيّرات، مع مجموع 4 آلاف عسكري”، وذلك بعد إرسال تعزيزات إلى أوكرانيا حيث تشن موسكو حربا منذ فبراير 2022، لافتا إلى أن هذه القوات موزعة على المناطق الساحلية، وعند الحدود التركية قرب كوباني وجرابلس والقامشلي، وكذلك في الرقة، شمالا، وتدمر قرب دمشق.

وعن احتمالية تهديد الوجود الروسي في سوريا، يقول المدون الحربي الروسي ريبار، المقرب من وزارة الدفاع الروسية إن مقاتلي الفصائل “سيحاولون إلحاق أكبر قدر من الهزيمة والضرر بسمعة وأفراد روسيا الاتحادية في سوريا، وعلى وجه الخصوص تدمير قواعدنا العسكرية”.

بالمقابل، نقلت وكالة إنترفاكس للأنباء، الإثنين، عن نائب روسي كبير قوله إن أمن القواعد العسكرية الروسية في سوريا مضمون بالكامل، ولا توجد أي مشاكل في هذا الصدد.

في ذات السياق، يرى بريجع في حديثه مع بليكس أن روسيا بالفعل خاطرت بهذا الوجود عندما تخلت عن الأسد، ويقول إن لديه تواصل مع جهات حكومية روسية، ووفق تقديره فإن “الاستراتيجية الروسية في سوريا تعاني من مشكلات”. لكنه يستدرك: “لا أعتقد أن الوجود الروسي في سوريا سينتهي في المرحلة القادمة”.

يشرح الخبير الروسي ذلك بالقول “لا نعرف ما هي التفاهمات التي حدثت مع المعارضة المسلحة، لكن الوصول لتفاهمات دائمة يبقى احتمالا قائما مع الحكومة الجديدة في سوريا، بحيث تحتفظ روسيا بقواعدها وتؤمن المنطقة”. (بلينكس – blinx)