بينما يعيش السوريون فرحتهم بسقوط حكم الأسد، ينتظرهم مستقبل غامض ومجهول، ويعتمد تصنيفهم ضمن الرابحين أو الخاسرين بدرجة كبيرة على القادم، وما إذا كان سيجنّبهم مزيداً من العنف، ويمكّنهم من بناء وطنهم على أسس سلمية، مع وجود مخاوف حقيقية من حدوث فراغ في السلطة، وتصادم بين الفصائل المسلحة المختلفة، وفق تقرير لمجلة “بوليتيكو” الأميركية.
ورغم الأمل والإيجابية المنتشرة في كل أرجاء سوريا، وخارجها، بين من لجأوا إلى بلدان العالم المختلفة، بعد اندلاع حرب 2011، هناك أسباب عدة تدعو للقلق، فهيئة “تحرير الشام”، الفصيل المسلح الرئيسي، مصنف كجماعة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، وزعيمها أبومحمد الجولاني لديه تاريخ طويل من التشدد، وهو حليف سابق لزعيم تنظيم داعش الإرهابي أبوبكر البغدادي، قبل أن يختلفا، وتفترق طرقهما.
ويحاول الجولاني الآن الظهور بصورة مختلفة عن مراحل سابقة في تاريخ الصراع الدموي، متبنياً نبرة تصالحية تجاه الأقليات الدينية في سوريا، ففي جيب إدلب الذي تديره الهيئة منذ عام 2016، عوملت الأقليات المسيحية والدرزية بطريقة طبيعية بعيداً عن التشدد والعصبية، وعند الاستيلاء على حلب، وعد الجولاني المسيحيين بالأمان، وتمكنت كنائس المدينة من العمل دون مضايقات.
تركيا
والجاري في سوريا، يؤثر بلا شك في الدول المجاورة لها، وفي مقدمتها تركيا، وفي السابق كان الأسد قبل سقوطه ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، صديقين، لكن الحال تغير بعد 2011.
ومن المرجح أن يساعد سقوط الأسد الآن أردوغان في تعزيز أجندته الجيوسياسية، مما يمنحه الفرصة لتحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية، بما في ذلك كبح جماح الانفصاليين الأكراد في شمال شرق سوريا، الذين تربطهم علاقات وثيقة بالانفصاليين الأكراد في تركيا. كما ستثبت إعادة الإعمار المطلوبة أنها بمثابة كنز للشركات التركية.
وقال تيموثي آش، الخبير الاقتصادي، في منشور على إكس: “فوز كبير لتركيا – خطوة عبقرية من أردوغان”.
إسرائيل ولبنان
يقول الخبراء إن سقوط الأسد يفيد إسرائيل من نواحٍ عدة، فهو يمثل إضعافاً إضافياً للقوة الإقليمية الإيرانية، ويقضي على عضو مهم، فيما يسمى “محور المقاومة”.
وبدون الأسد ونظام صديق في سوريا، لن يكون لدى إيران طرق برية لإعادة إمداد شريكها “حزب الله” لمساعدته في حربها مع إسرائيل، مما يجعل الحزب اللبناني المسلح خاسراً واضحاً آخر من سقوط الأسد.
الخاسرون
في قائمة الخاسرين، جاء الأكراد أولاً. فقبل سقوط الأسد، منح الأكراد نوعاً من الحرية للتصرف وفقاً لرغباتهم في شمال شرق سوريا، حيث كانوا يتمتعون بحكم شبه ذاتي.
وفي المستقبل قد لا يحظى الأكراد بنفس الحرية، خاصة أن حاكم دمشق التالي ما زال غامضاً، لكن إذا سيطر الإسلاميون على الحكم، فهناك شكوك كبيرة حول ما إذا كانوا سيمحنونهم نفس الحقوق، وهم على علاقة وثيقة بأردوغان، خصم الأكراد.
وتسبب هجوم الفصائل المسلحة بخسارة الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة بعض المناطق، التي كانوا يسيطرون عليها في ريف حلب الشرقي.
ولا يشعر الأكراد بالطمأنينة، خاصة أن الرئيس الأميركي المنتخب قال معلقاً على ما يجري في سوريا: “لا ينبغي للولايات المتحدة أن يكون لها أي علاقة بهذا الأمر. هذه ليست معركتنا. دعوها تستمر، ولا تتورطوا”.
العلويون
يشكل العلويون نحو 12% من سكان سوريا، ولطالما خشوا أن يعانوا إذا سقط بشار الأسد، فهم كانوا العمود الفقري لنظامه السابق، واحتلوا مناصب عليا في الحكومة والجيش وأجهزة الاستخبارات، وخلال السنوات الأولى من الحرب الأهلية، شكلوا ما يعرف بفرق “الشبيحة”، والتي كانت مسؤولة عن جزء كبير من العنف.
روسيا وإيران وحزب الله
أدى سقوط بشار الأسد إلى إضعاف موقف روسيا في الشرق الأوسط بشكل كبير، وكذلك موقف إيران، فقد أنقذت موسكو وطهران معاً حليفهما السابق، ومنعتا انهيار حكمه في 2015.
وفي الأحداث الأخيرة حاولت موسكو دفع الأسد إلى المصالحة مع أردوغان، واستكشاف الحلول السياسية معاً لإنهاء الحرب، ولو حدث ذلك لكان من المؤكد أنه سيفتح سوريا للتجارة المربحة للشركات الروسية، كما كان سيضمن أمن قواعدها الجوية والبحرية الاستراتيجية.
وخلال مؤتمر دولي عقد في الدوحة، خلال عطلة نهاية الأسبوع، غضب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مما يجري في سوريا، وقال: “من غير المقبول السماح للجماعة الإرهابية بالسيطرة على سوريا”. ومع ذلك، لم تفعل موسكو الكثير لمنع انهيار الأسد، وبدا أنها تغسل يديها من حكمه.
ويقول الخبير السياسي في معهد “تشاتام هاوس” كريستوفر فيليبس: “لقد خسر حزب الله بسبب الحرب مع إسرائيل، وأصبحت إيران أضعف بكثير أيضاً نتيجة لذلك، بينما نقلت روسيا العديد من قواتها إلى أوكرانيا، ولم يتمكن أي من الحليفين من إرسال أي مستوى قريب من الدعم الذي تلقاه الأسد في الماضي، مما أدى إلى إضعاف قواته”. (24)