كتب موقع “الحرة”: لا تقل أهمية المرحلة المقبلة التي ستشهدها سوريا عن اللحظة التي أعلن فيها قبل يومين سقوط نظام الأسد، وفي حين تتجه الأنظار إلى الشكل الذي ستكون عليه الحكومة الجديدة والترتيبات التي ستضعها من أجل المضي بإدارة البلاد تثار تساؤلات عن ملامح المحطات التي ستحدد مصير البلاد، على صعيد الحكم والدستور والقيادة.
وفي بيان له، الثلاثاء، قال المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون إنه “يجب وضع ترتيبات انتقالية يمكن الوثوق بها تشمل الجميع في دمشق”، مضيفا أنه يعتقد أن “المجتمع الدولي سيعيد النظر في مسألة تصنيف هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية”.
وبعدما أشار بيدرسون إلى أن “هيئة تحرير الشام هي الجماعة المهيمنة في دمشق حاليا لكنها ليست الوحيدة”، أكد على فكرة قائلا: “إذا لم يتم إشراك أوسع نطاق من المجموعات العرقية والأطراف السورية فهناك احتمال اندلاع المزيد من الصراعات”.
وكخطوة أولى في مرحلة “سوريا ما بعد الأسد” اجتمع قائد “تحرير الشام”، أحمد الشرع الملقب بـ”أبو محمد الجولاني” مع رئيس حكومة النظام سابقا، محمد الجلالي، وكان برفقته رئيس حكومة الإنقاذ السورية العاملة في إدلب، محمد البشير.
وخرج الاجتماع الذي عقد في دمشق، الاثنين، عن تسلم البشير مهام الحكومة من الجلالي كفترة انتقالية، على أن يتم التركيز في المرحلة المقبلة على حقائب الخارجية والدفاع والإعلام والداخلية، بحسب مصدر مطلع تحدث لموقع “الحرة”.
ما ملامح المرحلة المقبلة؟
يرى الباحث السوري في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أيمن الدسوقي أن “هناك عدم وضوح في طبيعة المرحلة الانتقالية عقب سقوط الأسد، مرده عدم وضوح المرجعية السياسية من جهة، وتعدد طروحات المرحلة الانتقالية من جهة أخرى في ظل تنافس عدة جهات على تصدير رؤيتها لهذه المرحلة”.
ويعتقد الدسوقي، في حديثه لموقع “الحرة”، بأن التوجه لتشكيل مجلس عسكري/مدني كما يتداول أن قد يكون مخرجا مؤقتا لحين الاتفاق على ملامح المرحلة الانتقالية بين السوريين، موضحا أن “هنالك نضوج سياسي فيما يتعلق بالحفاظ على مؤسسات الدولة تجنبا للسيناريو العراقي”.
ومع ذلك، يضيف أن “الأهم هو إدارة هذه المؤسسات في ظل ضعف الموارد وحالة الفوضى والضغوط الخارجية سيما في ظل العدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا”.
ومنذ لحظة الإعلان عن سقوط نظام الأسد قالت فصائل المعارضة المسلحة إنها ستحافظ على مؤسسات الدولة ولن تسمح بانهيارها.
وانعكس ما سبق بسلسلة قرارات وبيانات، كان آخرها استئناف عمل وزارة الخارجية السورية، بوجود الطاقم الدبلوماسي القديم.
ومن المقرر أيضا أن يستأنف المصرف المركزي في البلاد عمله الأسبوع المقبل، وكذلك الأمر بالنسبة لبقية الوزارات، خاصة تلك المعنية بشؤون المواطنين وأحوالهم، على الصعيد المعيشي والقانوني.
ماذا عن الجيش والمؤسسات؟
يستبعد الدكتور زيدون الزعبي، المتخصص في إدارة الجودة والحوكمة، حل الجيش السوري و”حزب البعث” في ظل توقعات بتشكيل مجلس عسكري انتقالي من جميع الأطراف دون وجود تأكيدات على مشاركة “الإدارة الذاتية” في هذا المجلس من عدمها، مع الحديث عن تطبيق القرار 2254.
ويوضح الزعبي أن هذه المسألة ستستغرق وقتا، مضيفا أن الجسم العسكري الجديد سيقوم بناءً على التوافق مع مؤسسات المعارضة إلى جانب تشكيل مجلس مدني قبل التوجه لاحقا لكتابة الدستور وإجراء الانتخابات.
القضية المتعلقة بعدم حل الجيش أكدها بيان أصدرته الفصائل المسلحة، الثلاثاء، إذ طلبت من العساكر الفارين التوجه لمراكز أنشأتها من أجل الحصول على “بطاقة تسوية مؤقتة”، مما يعني أن الجنود السابقين سيظلون ضمن المؤسسة العسكرية.
وصدر بموازاة ذلك قرارات أكدت على ضرورة الحفاظ على كامل الوزارات ومؤسساتها، وشكلها الحالي المتعلق بتسيير أمور الموظفين والمواطنين.
ويرى الزعبي أنه بعد تشكيل المجلس العسكري وإصدار التعهدات بعدم حل الجيش وحزب البعث سيكون هناك حديث عن سلطة مدنية بالإطار العام لقرار مجلس الأمن 2254.
ويتابع أن القرار الأممي المذكور ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالية مكونة من مجلس عسكري ومدني، على أن يتبع ذلك مرحلة كتابة الدستور وإجراء الانتخابات.
وفي حين أظهر الإبقاء على آخر رئيس حكومة لمزاولة مهامه لحين تشكل حكومة جديدة، فإن التوجه لتعيين محمد البشير من حكومة الإنقاذ لرئاسة حكومة جديدة يعكس تخوفا من “تحرير الشام” لمحاولات جهات الاستئثار بهذا النصر أو إقصائها، وفقا للباحث السوري الدسوقي.
ويرى أيضا أن الخطوة الأولى المتعلقة بتعيين البشير تعكس تخوفا من “القيام بثورة مضادة من بقايا منظومة النظام السابق، لكنه في المقابل يخلق تخوفات لدى بقية القوى السورية من إقصاء بحقها في إدارة المرحلة الانتقالية”.
مستقبل سوريا.. بيد الشعب
وفي نص القرار الصادر في 18 كانون الاول 2015 عن مجلس الأمن الدولي، تأكيد على الالتزام بوحدة سوريا وسيادتها واستقلالها وسلامتها الإقليمية، كما يحاول التصدي للإرهاب الذي تنامى في البلاد التي مزقتها الحرب الأهلية منذ 2011.
ويؤكد القرار على ضرورة تنفيذ بيانات لمجموعة العمل من أجل سوريا (جنيف 2012، فيينا 2015)، كأساس للانتقال السياسي في سوريا، تحت قيادة سورية وبمشاركة الأمم المتحدة.
ويحث القرار على مفاوضات رسمية بين الحكومة السورية والمعارضة للبدء بعملية انتقال سياسي بحلول يناير 2016، مع دعم دور الفريق الدولي كمنبر رئيسي لتحقيق تسوية سياسية دائمة، وهو ما لم يحدث.
كما دعا قرار (2254) إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة خلال ستة أشهر، مع صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات نزيهة في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة.
وشدد على ارتباط وقف إطلاق النار بالتقدم في العملية السياسية، مؤكدا دعم وقف شامل لإطلاق النار بمجرد بدء عملية الانتقال السياسي.
إضافة لذلك، طالب القرار الأممي الأمين العام بقيادة جهود تحديد شروط وقف إطلاق النار وإنشاء آلية لرصد الالتزام به، مع تقديم تقرير خلال شهر (من تاريخه) بشأن الخيارات المتاحة، مبيناً أهمية دور الدول الأعضاء في الضغط على الأطراف للتقيّد بوقف إطلاق النار ودعم الجهود الفنية واللوجستية.
وبحسب القرار، يجب اتخاذ تدابير من أجل بناء الثقة، مثل السماح بوصول المساعدات الإنسانية، والإفراج عن المحتجزين تعسفياً، ووقف الهجمات ضد المدنيين، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين وتأهيل المناطق المتضررة.
أيضا يكرر مجلس الأمن الدولي عبر هذا القرار دعوته -لأعضائه- الواردة في قرار آخر من عام 2015 رقمه (2249)، وهي منع وقمع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم داعش وتنظيم القاعدة أو المرتبطين به، و”جبهة النصرة” التي غيرت اسمها لهيئة تحرير الشام وتقود اليوم العملية العسكرية “ردع العدوان” ضد النظام السوري.
وطالب القرار (2254) الأطراف المتصارعة في سوريا، أن توقف “فورا” أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها، بما في ذلك الهجمات ضد المرافق الطبية والعاملين في المجال الطبي، وأي استخدام عشوائي للأسلحة، بما في ذلك من خلال القصف المدفعي والقصف الجوي.