الطريق الوعرة الى سوريا الجديدة

12 ديسمبر 2024
الطريق الوعرة الى سوريا الجديدة


كتب جورج شاهين في” الجمهورية: اللافت كان انّ الأسد اكتفى بما تحقق ولم يعط اي أهمية للمستجدات الناجمة عن مجموعة التفاهمات التي ولدت من خلاصات مؤتمرات مصالحة ومصارحة في بروكسل وفيينا وسوتشي وتُوّجت بما سُمّي تفاهمات “استانا” فتجاوزها جميعها ولم يعترف بأي منها. وقد يكون ارتكب خطأ كبيراً عندما تجاهل الدعوات لقبول الدستور السوري الجديد الذي جنّدت له موسكو قدرات روسية ودولية قبل ان تطرح عليه أكثر من صيغة للعودة إلى “الحضن العربي” في قمّة الرياض ومكافحة تجارة الكبتاغون إلى أن تُوجّت كلها بالسعي إلى فك تعاونه مع إيران وإقفال المعابر البرية أمام السلاح الذي يمكن ان يصل إلى “حزب الله” في لبنان.








عند هذه المحطة نُفّذت الأفكار السياسية والديبلوماسية وتعقّدت الحلول إلى ان اصبحت مستحيلة، وتقدّمت الخيارات العسكرية التي كانت التحضيرات في شأنها قد أُنجزت لتكون بديلاً من الحل السياسي والديبلوماسي، وتطورت الأمور بسرعة. وعلى رغم من التحذيرات التي تلقّاها الأسد من مخاطر العرقلة من دون أن يعيرها اي أهمية، سواء لرفضه مضمونها او عدم قدرته على تلبيتها، ومنها ابتعاده عن المحور الإيراني ووقف نقل الاسلحة إلى “حزب الله”. والأخطر انّه لم يتفهّم ما جرى في غزة بعد القضاء على قدرات “حماس” ولا في لبنان لجهة تدمير قدرات الحزب واغتيال قادته عدا عن التفاهم على نزع سلاحه وجمعه من الأراضي اللبنانية ومصادرة مخازنه وتدمير مصانعها.

على هذه الخفيات وما ترمز إليه من مستجدات، انطلقت عملية “ردّ العدوان” التي افتعلت أسباباً لم تكن لتدفع إلى اي عمل حربي. وأُسقطت المدن السورية والعاصمة في أقل من 12 يوماً وكان ما كان أن انتقل الأسد إلى موسكو تاركاً معاونيه وكبار المسؤولين، الذين اضطروا إلى القيام بعملية التسليم والتسلّم بين ما تبقّى من قدرات الدولة ومؤسساتها، وما وضعت الثورة يدها عليه من تركيبة الدولة وآلت إلى القيادة الجديدة الموقتة بخطى متسارعة لمنع ما سُمّي الفوضى وإطلاق العملية السياسية في الداخل السوري بعد سلسلة من التدابير لطمأنة المكونات السورية الداخلية على تعددها، ودول الجوار السوري تجاه أي مخاطر يمكن ان تؤثر على لبنان او العراق، فكانت الرسائل التي وجّهها قائد مجموعات المعارضة المسلحة احمد الشرع (المعروف بأبي محمد الجولاني) الذي غيّر من شكله ولباسه ومظهره وخطابه بلغة إيجابية.

عند هذه المؤشرات بدأت مظاهر “سوريا الجديدة” تظهر بالحفاظ على المؤسسات في عهدة الحكومة التي وضعت إمكاناتها، على لسان رئيسها، بتصرّف القوى التي سيطرت على المشهد السوري من مختلف وجوهه، إلى أن انتهى اللقاء الثلاثي بين الشرع ورئيس الوزراء في النظام المنحل محمد الجلالي، ومن سمّي رئيس حكومة الإنقاذ محمد البشير، إيذاناً بتشكيل الحكومة الجديدة التي ستتولّى السلطة في المرحلة الإنتقالية المقبلة.

عند هذه المحطات وفي انتظار فهم الهجمة الإسرائيلية التدميرية لقدرات الدولة السورية العسكرية السابقة، يبدأ العدّ العكسي لمجموعة من السيناريوهات المتوقعة التي على الجميع انتظارها لمعرفة ما سيُرسم لسوريا الجديدة وسط اعتقاد كثر بأنّ سوريا اليوم لربما استعادت وحدتها إن ضمّت أراضي الثورة إلى الدولة الجديدة، وهو أمر لا يمكن الحكم عليه مهما كانت الآمال المعقودة على المسار الجديد.