كشفت صحيفة “التايمز” البريطانية في تقرير مطول تفاصيل جديدة عن حياة أحمد الشرع، قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا وزعيم “هيئة تحرير الشام”، المعروف بـ”أبو محمد الجولاني”.
تناول التقرير نشأة الشرع وشخصيته، مستعرضاً طفولته في حي المزة بدمشق، الذي زاره مؤخراً بعد التطورات المفاجئة التي شهدتها البلاد. وذكرت الصحيفة أن الزيارة شملت شقة عائلته القديمة، وهو مكان ارتبط بذكريات نشأته قبل انتقاله إلى ساحات القتال في العراق ومن ثم العودة إلى سوريا.
وأشارت “التايمز” إلى أن الشرع، الذي كان حتى أيام قليلة يُعتبر العدو الأول للنظام السوري، عاد إلى دمشق في حدث وصفته الصحيفة بالاستثنائي، وسط تغيرات كبيرة شهدتها البلاد خلال ساعات قليلة يوم الأحد الماضي.
وفي استعراضها لحياة الشرع، نقلت الصحيفة وصفاً لشخصيته في شبابه، حيث عُرف بهدوئه وخجله، وندر أن يظهر عليه الفرح، وفقاً لشهادات أشخاص عاشوا بالقرب منه. كما وُصف بالانطوائية، بدءاً من حلاقه الذي تابعه خلال سنوات دراسته، إلى جارة كان شقيقها يشاركه ألعاب الفيديو في طفولته.
يتذكر الحلاق الذي طلب أن يعرّف فقط باسم محمد، كيف كان يتجاذب أطراف الحديث مع أحمد أثناء حلاقة شعره، وقال: “كانت آخر مرة ربما قبل 15 سنة.. كان خجولا جدا ومهذبا جدا.. وفي يوم من الأيام اختفى وقد صدمنا عندما شاهدناه على شاشة التلفاز بعد بضع سنوات باسم أبو محمد الجولاني”.
ونقلت الصحيفة عن رجل أعمال من سكان المزة سابقا وهو يعيش حاليا في الخارج وكان يعمل في الحي الذي تقع فيه بقالة عائلة الشرع وكان أحمد يوصل له المشتريات: “كنا نجلس في كثير من الأحيان ونتحدث.. لقد أحببته، حيث كان هادئا وخجولا، وكان رصينا”.
وأضاف رجل الأعمال أن أحمد كانت تبدو عليه علامات أيضا علامات الحزن، وكأنه “غاضب من العالم بأسره”.
عائلة الشرع
كان والد أحمد الشرع وهو مهندس نفط، متدينا كما يتذكر رواد المسجد الأموي، وكان يتلو القرآن عن ظهر قلب.
وتقول الصحيفة البريطانية إن والد أحمد الشرع أجبر على مغادرة منزل العائلة في هضبة الجولان قبل ولادة ابنه عندما استولت إسرائيل على المنطقة في حرب الأيام الستة سنة 1967.
ووضحت في السياق أن والد أحمد الشرع كان في علاقة غير مستقرة مع النظام في دمشق قبل أن يغادر إلى السعودية حيث ولد فيها أحمد سنة 1982.
وبعد انتهاء فترة العمل بالخارج، انتقلت العائلة إلى المزة حيث افتتحت متجرا صغيرا ووكالة عقارية وقد استولى النظام على المتجر خلال المراحل الأولى من الحرب ولا تزال الوكالة تحمل اسم “الشرع للعقارات” رغم أنها أغلقت هي الأخرى.
الانتفاضة الفلسطينية
وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن الجولاني حدد الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت سنة 2000 باعتبارها اللحظة التي جعلته مصمما على القيام بدور نشط في السياسة، وبعد هجمات 11 أيلول سنة 2001 انتقل إلى العراق حيث وصل قبل الغزو الذي قادته أمريكا وبريطانيا في 2003.
ويوضح المصدر أن تلك الفترة اتسمتبمواقف غريبة من النظام السوري حيث كان نظاما علمانيا من الناحية النظرية ومعاديا لنظام صدام حسين، لكن مع مرور السنوات شجعت مخابرات النظام الشباب السوري على الذهاب للقتال ضد الأميركيين في العراق ربما بهدف ضرب عصفورين بحجر واحد، وهما التخلص من الإسلاميين في سوريا وإشغال القوات الأمريكية وثنيها عن تغيير نظامه.
وتبين الصحيفة أن ذلك القرار أتى بنتائج عكسية، فقد برز الجولاني في صفوف الفرع العراقي من “تنظيم القاعدة” والذي كان معروفً بأساليبه المتطرفة، وفي إحدى المواجهات اعتقله الأميركيون واحتجزوه في معسكر بوكا وهو السجن العراقي الذي ضم عددا كبيرا من الجهاديين الذين أصبحوا لاحقا شخصيات بارزة، ومنهم أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم “داعش” فيما بعد.
وتقول “التايمز” إن البغدادي هو من أرسل الجولاني في 2011 إلى سوريا لتأسيس “جبهة النصرة” كفصيل جديد مناهض للأسد لكنهما اختلفا في عدة مسائل من بينها الأساليب المتطرفة التي كان يفضلها البغدادي مثل القتل الجماعي وقطع الرؤوس.
وفي ربيع 2013 كان الانفصال واضحا تماما وفي السنوات التالية عزل الجولاني نفسه عن تنظيم القاعدة أيضا ودمج قواته مع جماعات إسلامية أخرى أقل تطرفا، وقال الجولاني حينذاك إنه يركز فقط تحرير سوريا بمسحة إسلامية.