القرار الدولي 2254.. هل بات تطبيقه ممكناً بعد سقوط الأسد؟

21 ديسمبر 2024
القرار الدولي 2254.. هل بات تطبيقه ممكناً بعد سقوط الأسد؟


كتب موقع “الحرة”: منذ سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تحولت القضية المتعلقة بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 إلى مثار جدل وأخذ ورد، استنادا للواقع الجديد والمفاجئ الذي فُرض في دمشق، وجعل أحد أركان المعادلة السياسية التي يحددها هذا المسار من الماضي.

القرار كان قد أصدره مجلس الأمن في 2015، ورغم الدعوات التي وجهتها الأمم المتحدة لأكثر من مرة مع أطراف المعارضة السورية، حرص نظام الأسد على عدم الخوض فيه، سواء بشكل فعلي أو حتى على صعيد اللغة الرسمية التي كان يعتمدها.

ومع انتهاء حكم نظام الأسد في البلاد واستلام قيادة جديدة من المعارضة دفة الحكم، ولو بشكل مؤقت، تثار تساؤلات عن السيناريوهات التي تنتظر تطبيق 2254، وما إذا كان هذا القرار سيظل ساريا بجميع المحطات التي يحددها، أو قد يتم اللجوء إلى مسار آخر بحكم الواقع السياسي والعسكري الجديد.

وتؤكد أطراف من المعارضة السورية، بينها “الائتلاف الوطني السوري” و”هيئة التفاوض السورية”، حتى الآن، على فعالية هذا القرار وضرورة الالتزام به.

لكن على الطرف الآخر، تبدو الصورة مغايرة، خاصة من الجهة التي أمسكت زمام الأمور بدمشق، وهي “هيئة تحرير الشام”، المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى، والحكومة المؤقتة التي شكلتها، وقالت إنها ستمارس مهامها حتى مارس المقبل.

وكان قائد “تحرير الشام” أحمد الشرع، الملقب بأبي محمد الجولاني، قد التقى المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، في دمشق قبل 3 أيام. وخلال اجتماعمها، شدد الأول على ضرورة إعادة النظر بـ2254، لأن الواقع في البلاد تغيّر.

وبينما أكد بيدرسون على ضرورة الالتزام بالقرار الأممي، إلا أنه أشار أيضا إلى الواقع الجديد الذي فرض في سوريا بعد الثامن من ديسمبر، في إشارة منه إلى سقوط نظام الأسد، مما يعني أن أحد أركان العملية التي يحددها 2254 أصبح لاغيا.

على ماذا ينص 2254؟
يشمل القرار الأممي 2254، الذي تقدمت به الولايات المتحدة قبل 7 سنوات، 16 مادة، وتنص الرابعة منه على دعم عملية سياسية بقيادة سورية، تيسرها الأمم المتحدة، وتقيم في غضون فترة مستهدفة مدتها 6 أشهر، حكما يتمتع بمصداقية يشمل الجميع و”لا يقوم على الطائفية”.

كما تحدد هذه الفقرة جدولا زمنيا وعملية لصياغة دستور جديد، فيما يعرب مجلس الأمن عن دعمه لانتخابات حرة ونزيهة تجرى عملا بالدستور الجديد، في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة.

ويؤكد القرار على ضرورة تنفيذ بيانات لمجموعة العمل من أجل سوريا (جنيف 2012، فيينا 2015)، كأساس للانتقال السياسي في سوريا، تحت قيادة سورية وبمشاركة الأمم المتحدة.

ويحث القرار على مفاوضات رسمية بين الحكومة السورية والمعارضة للبدء بعملية انتقال سياسي بحلول كانون الثاني 2016، مع دعم دور الفريق الدولي كمنبر رئيسي لتحقيق تسوية سياسية دائمة، وهو ما لم يحدث قبل سقوط نظام الأسد.

إضافة إلى ذلك، طالب القرار الأممي الأمين العام بقيادة جهود تحديد شروط وقف إطلاق النار وإنشاء آلية لرصد الالتزام به، مع تقديم تقرير خلال شهر (من تاريخه) بشأن الخيارات المتاحة، مبينا أهمية دور الدول الأعضاء في الضغط على الأطراف للتقيّد بوقف إطلاق النار ودعم الجهود الفنية واللوجيستية.

وحسب القرار، يجب اتخاذ تدابير من أجل بناء الثقة، مثل السماح بوصول المساعدات الإنسانية، والإفراج عن المحتجزين تعسفيا، ووقف الهجمات ضد المدنيين، والالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين وتأهيل المناطق المتضررة.

النظام سقط.. ما سيناريوهات التطبيق؟
القرار 2254 كان أطّر بالتكامل مع قرارات أممية أخرى، الخطوات المرجعية المنظمة للانتقال السياسي في سوريا، حسب ما يوضح الباحث السوري في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أيمن الدسوقي.

لكن الدسوقي يشير إلى أنه بعد سقوط الأسد، أصبح محط تجاذب بين تيار يرى ضرورة الالتزام به كمرجعية منظمة للانتقال السياسي، وبين آخر يرى بوجوب تجاوزه بحجة سقوط النظام.

ويعتقد الباحث في حديثه لموقع “الحرة”، أن تجاوز القرار 2254 كليا “يحمل في طياته مخاطر على الوضع القائم في سوريا”.

وتنبع هذه المخاطر من فكرة أن “تجاوز القرار يمكن أن يفرض عزلة سياسية على الإدارة الجديدة في دمشق، ويضعها في مواجهة المجتمعين الدولي والعربي، سيما مع تأكيد الأخير على مبادئ 2254 في بيان العقبة، كإطار لعملية الانتقال السلمي السياسية”.

ورغم “مآخذ” الباحث السوري على “دور الأمم المتحدة في التعامل مع الأزمات، وعجزها الواضح ومحاباتها للحكومات”، فإنه يضيف أن “تجاوز الشرعية الدولية له كلفة، إذ يعني تجاوز القرارات الأممية الأخرى التي تشكل إطارا قانونيا منظما لعدة مسائل، بينها الصراع مع إسرائيل”.

وتذهب المعطيات التي تلت سقوط نظام الأسد إلى أنه ثمة إلحاح دولي على أن تجري العملية الانتقالية في سوريا وفقا للمرجعيات الدولية، خاصة القرار 2254. وما يؤكد على ذلك البيان الختامي الذي صدر بعد اجتماع العقبة بالأردن.

وحضر اجتماع العقبة أطراف إقليمية ودولية، ودعا في بيانه الختامي إلى دعم عملية سياسية شاملة يقودها السوريون أنفسهم، وفقا لما نص عليه 2254، كما شدد على أن سوريا لديها الفرصة في الختام لإنهاء عقود من العزلة.

ويرى الكاتب والناشط السياسي، حسن النيفي، أنه يوجد “اعتراض منطقي” بشأن 2254، يستند على فكرة أنه وبسقوط نظام الأسد “ينتفي ركن أساسي من أركان العملية السياسية التي ينص القرار”.

ويقول النيفي لموقع “الحرة”: “أي لم يعد هناك نظام وإنما انتصرت المعارضة.. وانتصار المعارضة لم يكن بفعل تفاوضي حتى يبقى القرار ساريا وإنما بفعل ثوري، مما يطرح سؤالا:من الطرف المفاوض الآخر طالما أن النظام لم يعد قائما؟”.

“عملية من روح 2254”
أمام الواقع السياسي الجديد في سوريا، يتفق من تحدث إليهم موقع “الحرة” على أن أي عملية انتقالية مقبلة لا يمكن أن تمضي بعيدا عن 2254، فيما يرجحون أن يكون ذلك “دون الالتزام بكل الحذافير”.

وفي حال جرت العملية الانتقالية تحت إشراف أممي، سيقوم بيدرسون برفع تقرير للأمم المتحدة ويحيل الأمر بعد ذلك للتصويت عبر مجلس الأمن، وهنا “سيكون مستقبل السوريين تحت رحمة الفيتو الروسي والصيني والتعطيل الذي ارتبط بكلا الدولتين سابقا”، وفقا للنيفي.

لكن في المقابل، يضيف الناشط أن مؤيدي القرار، على رأسهم “الائتلاف” و”هيئة التفاوض” و”اللجنة الدستورية”، لديهم مبرر وحيد ومهم بشأن الدفاع عن القرار الأممي، “يرتبط بمخاوفهم من أي عملية إقصاء قد يواجهونها من جانب القيادة التي يرأسها الجولاني”.

ويتابع: “هم يريدون أن يتمسكوا بالقرار الأممي، لكي يبقوا داخل اللعبة السياسية وليس خارجها”.

ويعتقد الدسوقي أن هناك مبادئ ضمن القرار 2254 مهمة لاستقرار البلاد كالانتخابات والدستور.

أما القضايا الخلافية كهيئة حكم انتقالية، فيرى الباحث أن “طرح رؤى أحادية وحرفية يجعلها إشكالية، ومن هنا تنبع ضرورة عقد حوار سوري سوري للنقاش بخصوص طبيعة الشكل الأنسب والأكثر واقعية لتطبيق هذه المبادئ”، على حد قول الباحث.

ويطرح مثالا على ما سبق، قائلا: “نص القرار 2254 على تأسيس حكم ذي مصداقية يشمل الجميع ولا يقوم على الطائفية، وهذا يمكن أن يأخذ عدة أشكال، إذ قد تكون هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وقد تكون مجلسا رئاسيا انتقاليا بصلاحيات تنفيذية وتشريعية مؤقتة، أو التوافق على تشكيل برلمان بغرفتين كإطار موسع لتمثيل السوريين”.

وفي حين يعتبر الدسوقي أنه توجد فرصة للسوريين لطرح مقاربات جديدة لكيفية تطبيق القرار 2254، يعبّر عن خشيته “في حال تعثر ذلك”، مما يضع السوريين أمام خيارات صعبة وسيناريوهات مفتوحة.

هل توجد احتمالات أكثر ترجيحا؟
من المقرر أن تشهد العاصمة السورية دمشق في الأيام المقبلة، انعقاد مؤتمر للحوار الوطني، لكن حتى الآن لم يتحدد موعده ولم يكشف عن طبيعة الشخصيات والأطراف التي ستشارك فيه.

ولم تتوجه أطراف المعارضة السورية الرئيسية إلى دمشق حتى الآن، وعلى رأسها “الائتلاف السوري” و”هيئة التفاوض السورية”.

وكان الجولاني قد علّق على هذه القضية في تصريح سابق له، مبديا ترحيبه بدخول المعارضين في الخارج كأفراد.

ويرجح الناشط السياسي النيفي أن يلجأ المجتمع الدولي لتعديل قرار 2254، على أن يأخذ منه “فقط العبارات التي تدل على إنشاء هيئة حكم انتقالي من كافة الأطياف”.

وتنص إحدى فقرات القرار الصادر في 2015، على إنشاء حكم ذي مصداقية غير طائفي، وهذه العبارة يمكن أن تكون ترجمة حقيقية لتبديد هواجس الدول بشأن الحفاظ على حقوق الأقليات، وضرورة إشراك جميع مكونات الشعب السوري”، على حد تعبير النيفي.

ويضيف: “أعتقد أن ما سيتم أخذه من القرار هو التشديد على أن تكون الحكومة الانتقالية من كافة الأطياف، مع إشراك كافة الأقليات.. توجد عدة إشارات على ذلك. القرار لم يُرفض بالمطلق لكن لن يُؤخذ إلا بعد التعديل”.