مع تسارع التحركات الدبلوماسية لإنهاء الحرب في غزة، تتزايد المؤشرات على قرب التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار، في ظل تفاؤل حذر من قبل الإدارة الأميركية التي تسعى لتحقيق اختراق قبل انتهاء ولاية جو بايدن في 20 كانون الثاني، وإعلان الفصائل الفلسطينية أن الاتفاق بات “أقرب من أي وقت مضى”.
وأعلنت حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، عقب اجتماعها في القاهرة، أن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة بات “أقرب من أي وقت مضى”، شريطة عدم وضع إسرائيل “شروطا جديدة”.
ويختلف المحللون في قراءة المشهد، إذ يرى المحلل الإسرائيلي، يوآب شتيرن، أن الاتفاق يبدو أقرب هذه المرة، مشيرا إلى التحركات الأميركية الحثيثة لحسم الملف، بينما يعتقد المحلل الفلسطيني، زيد الأيوبي، أن الحديث عن قرب التوصل لاتفاق يبقى مجرد “إبر تخدير” لإطالة أمد الحرب، لافتا إلى تكرّر هذا السيناريو طيلة الأشهر الماضية.
تفاؤل “حماس والفصائل”
وقالت حماس في بيان إنّ وفودا تمثّل الفصائل الفلسطينية الثلاثة اجتمعت في القاهرة، مساء الجمعة، واتفقت على أنّ “إمكانية الوصول إلى اتفاق باتت أقرب من أيّ وقت مضى”، مؤكدة على “حرص الجميع على وقف الحرب على شعبنا”.
وكشف قيادي في حماس لفرانس برس، أنّ “المباحثات قطعت شوطا كبيرا وهامّا وتمّ الاتفاق على معظم النقاط المتعلقة بقضايا وقف النار وتبادل الأسرى، وبقيت بعض النقاط العالقة لكنّها لا تعطّل”.
وجرت، الأسبوع الماضي، مفاوضات غير مباشرة في العاصمة القطرية الدوحة بين حماس وإسرائيل بوساطة مصرية وقطرية، أعلنت بعدها الحركة الفلسطينية المصنفة إرهابية، أنّ التوصل لاتفاق “بات قريبا”.
وفي موقف جديد من الجانب الإسرائيلي، دعا وزير التعاون الإقليمي، دافيد أمسالم، السبت، إلى صفقة شاملة لاستعادة الرهائن مع تغيير نمط القتال في غزة ليماثل العمليات في الضفة الغربية، مع الإصرار فقط على السيطرة على محور فيلادلفيا، وذلك في وقت تواصل فيه أطراف أخرى داخل الحكومة الإسرائيلية رفضها أي اتفاق.
المحلل الإسرائيلي، شتيرن، يتوقع إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة خلال الأيام القادمة، لكنه يحذر من أن يكون “اتفاقاً جزئياً” لن يؤدي إلى وقف شامل للحرب في ظل تعقيدات الموقف الميداني والسياسي.
وأوضح شتيرن في تصريح لموقع الحرة: “قد نشهد تنفيذ المرحلة الأولى فقط من الاتفاق، التي تتضمن تبادلاً محدوداً للأسرى ووقفاً مؤقتاً لإطلاق النار، لكن الأطراف المختلفة قد تسعى لإفشال أي تفاهمات أوسع نطاقاً”.
وتتزايد الضغوط الداخلية مع اتهام عائلات الرهائن لنتانياهو بإدارة حرب سياسية. وأظهر استطلاع حديث للرأي أجرته صحيفة “معاريف الإسرائيلية” أن 74 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون التوصل لاتفاق شامل لاستعادة المختطفين مقابل وقف القتال.
وفي المقابل، جدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير موقفه الرافض لاتفاق الهدنة، داعيا بدلا ن ذلك إلى تشجيع هجرة الفلسطينيين من غزة.
وخلال جولة قرب محور “نيتساريم” الذي يقسم قطاع غزة، طالب باستخدام منع الوقود عن حماس كورقة ضغط لإعادة الرهائن، مؤكدا ضرورة الاستيطان في كل مناطق القطاع، معتبرا أن “تشجيع الهجرة الطوعية” للفلسطينيين خطوة “أخلاقية ومنطقية”.
عن هذا الانقسام في الموقف الإسرائيلي، يوضح شتيرن، أن هناك تيار قوي داخل الائتلاف الحاكم يرفض الالتزام بوقف شامل لإطلاق النار أو إنهاء العمليات العسكرية بشكل نهائي”.
وأوضح أن هذا التيار “يدفع باتجاه إقامة مستوطنات في غزة وتأمين وجود عسكري إسرائيلي دائم في القطاع”.
وتابع أن: “الانسحاب الكامل من غزة يمثل خطاً أحمر بالنسبة لهذه الأطراف، إذ يعني التخلي عن استراتيجيتها الأمنية والسياسية في القطاع”.
وختم شتيرن تصريحه، بالتأكيد أنه، رغم وجود مؤشرات إيجابية على استعداد الطرفين لتقديم تنازلات محدودة، إلا أن هذا لا يضمن نجاحاً كاملاً للمفاوضات في ظل تعارض الرؤى والأهداف النهائية”.
تفاصيل عن “الاتفاق الوشيك”
ووفقا لمسؤول فلسطيني مشارك في المفاوضات فقد اكتملت المحادثات حول صفقة التهدئة وتبادل الأسرى بنسبة 90 بالمئة، لكن لا تزال هناك قضايا عالقة تتعلق بمحور فيلادلفيا على الحدود المصرية وإنشاء منطقة عازلة على حدود غزة مع إسرائيل.
وأشار المسؤول في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، إلى إمكانية بدء وقف إطلاق النار خلال أيام فور حل هذه القضايا.
وتتضمن المرحلة الأولى من الصفقة إطلاق سراح 20 سجينا فلسطينيا مقابل كل جندية إسرائيلية أسيرة، دون تحديد أسماء السجناء أو توضيح مصير الرهائن الذكور والأطفال والنساء المدنيات.
كما سيُسمح للمدنيين بالعودة إلى شمال غزة تحت إشراف مصري-قطري، مع دخول 500 شاحنة مساعدات إنسانية يوميا.
وستشهد المرحلة الثالثة نهاية الحرب، حيث ستتولى إدارة غزة لجنة من التكنوقراط المستقلين سياسياً والمدعومين من جميع الفصائل الفلسطينية.
وقال مسؤول مطلع، مساء السبت، إن الوفد الإسرائيلي لا يزال في الدوحة، مشيرا إلى إنه لا تزال هناك فجوات بين الأطراف حول العديد من القضايا.
وبحسب هيئة البث (كان 11)، فإن الأمر يحتاج لمزيد من الوقت لتحقيق انفراج يسمح بالتوصل لتسوية تكون مقبولة لجميع الأطراف.
وقالت مصادر لهيئة البث، إن إسرائيل طالبت خلال المحادثات بحق النقض على إطلاق سراح 65 سجيناً أمنياً فلسطينياً، مشيرة إلى أن القيادي الفلسطيني، مرون البرغوثي، لن يتم إطلاق سراحه حتى في حال تم التوصل إلى اتفاق نهائي.
المحلل السياسي الفلسطيني، زيد الأيوبي، لا يتفاءل بقرب التوصل إلى هدنة في غزة، معتبرا أن التسريبات الإعلامية بشأن التفاهمات ما هي إلا “إبر تخدير” تهدف إلى إطالة أمد الحرب، لافتا إلى فشل جميع مبادرات الوساطة والتوصل لاتفاق منذ نوفمبر الماضي.
وقال الأيوبي في تصريح لموقع “الحرة”، إن “إسرائيل لا تستطيع وقف الحرب في هذه المرحلة، لأن ذلك سيعني سحب الذرائع عن مشروعها الإقليمي في سوريا واليمن والعراق ولبنان”.
وأضاف أن “قدوم ترامب إلى الإدارة الأميركية سيدعم حكومة نتانياهو، لذا يجب أن تستمر الحرب على الأقل حتى يتسلم زمام الأمور في يناير المقبل”.
في المقابل، يرى المحلل السياسي الإسرائيلي، أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تمثل ضغطاً على نتانياهو وليس العكس، لافتا إلى أن “ترامب قالها بوضوح أنه يتوقع وقف الحروب، بما في ذلك في غزة، قبل دخوله البيت الأبيض”.
وأضاف شتيرن أن “هامش المناورة الذي يتمتع به نتانياهو ربما يتقلص مع اقتراب عودة ترامب لتولي زمام السلطة في واشنطن”.
وفي قراءته للتطورات الأخيرة بالمنطقة، يرى الأيوبي، أنه “يجري العمل على إعادة هندسة الشرق الأوسط وتقسيمه بشكل مختلف، وقد بدأت معالم هذه الخريطة تظهر مع تراجع ما يسمى بمحور إيران في المنطقة”.
ويشير إلى مؤشرات هذا التراجع، تتمثل “انهيار النظام السوري، وتراجع حزب الله، وتدمير قدرات حماس العسكرية، إضافة إلى تصريحات النظام الإيراني برغبته في تطبيع علاقاته مع الغرب ودول المنطقة”.