الصين في مواجهة العاصفة.. سنة صعبة في انتظارها

24 ديسمبر 2024
الصين في مواجهة العاصفة.. سنة صعبة في انتظارها


تحتضن الصين في كانون الأول من كل عام تجمعاً رسمياً شهيراً تحت مسمى “مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي”، إذ يراجع الحكام ومسؤولو السلطة في البلاد الوضع الاقتصادي في العام الماضي، إضافة إلى وضع التقديرات المحتملة في العام الجديد.

ولم يكن الجو العام في مؤتمر هذه السنة جيداً في الاتجاهين، وفقاً لتقرير نشرته مجلة “إيكونوميست” في عددها الأخير، إذ أشارت إلى أن ثاني أكبر اقتصاد في العالم أنهى تقريباً عام 2024 في وضع صعب، في ظل توقعات أن يواجه تحديات أكبر في العام المقبل 2025.

وأوضحت المجلة الاقتصادية، أنه على سبيل المثال، ارتفعت مبيعات التجزئة في الصين خلال تشرين الثاني الماضي ثلاثة في المئة بمعدل سنوي، وهي نسبة أقل بكثير من التوقعات، من دون أخذ معدلات التضخم في الاعتبار، كذلك، ارتفعت أسعار المستهلكين 0.2 في المئة فحسب في الفترة ذاتها.

وأشارت “إيكونوميست” إلى أن تلك المؤشرات تعكس مدى الحذر والتردد المزمن للأسر الصينية، إذ يبدو أن ثقة المستهلكين لم تتعاف من الانهيار الذي شهدته خلال أزمة وباء كورونا، ولفتت إلى أنه إذا كان الاستثمار في التصنيع والتصدير ساعد على نمو الاقتصاد ولو بمعدل أبطأ خلال عام 2024، فإن ذلك معرض لتبعات حرب تجارية واسعة مع أميركا العام المقبل، بعدما صرح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أخيراً، بأنه سيفرض رسوماً وتعرفة جمركية على الصين 10 في المئة، إذا لم تتوقف عن إدخال مخدر “الفنتانيل” إلى بلاده، وهو ما اعتقده كثر أن تلك النسبة هي البديل عن الرسوم الهائلة التي وعد بفرضها على الصين في وقت سابق بنسبة 60 في المئة وأكثر على صادراتها إلى أميركا، لكن ترمب أكد أن العقوبة على “الفنتانيل” فحسب تضاف على الرسوم السابق إعلانها وليست بديلاً لها.

في غضون ذلك، قدر بنك “سيتي غروب” الاستثماري الأميركي أن فرض الرسوم والتعرفة الجمركية التي تعهد بها ترمب على الصادرات الصينية قد تخفض معدل نمو الاقتصاد 2.4 في المئة، ما لم تتخذ السلطات الصينية إجراءات كافية لتلافي تبعات فرض تلك الرسوم. وبحسب تحليل “إيكونوميست” فإن كل تلك التحديات الكبرى تعني أن أمام مؤتمر “العمل الاقتصادي المركزي” كثيراً من الجهد، إذ يتعين على السلطات الصينية إنعاش الإنفاق المحلي ما قبل الحرب التجارية حتى لا يتضرر الطلب في الاقتصاد بشدة مع فرض الرسوم والتعرفة الجمركية على الصادرات.

وهناك سوابق تاريخية يمكن للصين بالطبع الاستفادة منها، فخلال الأزمة المالية العالمية عام 2008 انهار سوق الصادرات الصينية في الغرب، لكن الاقتصاد الصيني واصل النمو بمعدلات قوية نتيجة ما اتخذته السلطات هناك من إجراءات تحفيز وتنشيط للطلب المحلي، إذ طلبت بكين من البنوك الحكومية زيادة الإقراض ومن الشركات الحكومية زيادة الإنفاق، أيضاً أسهم فوران القطاع العقاري آنذاك في تشجيع النمو السريع.

أما الآن، فالوضع مختلف، إذ إن القطاع العقاري الصيني يعاني بشدة في الأعوام الأخيرة ويمثل ضغطاً هبوطياً على معدلات النمو، إضافة إلى أن إجراءات التحفيز التي طرحتها بكين هذا العام لم تكن كافية ولم تؤثر كثيراً، فعلى رغم أن السلطات الصينية خفضت أسعار الفائدة بانتظام وقللت كلفة القروض العقارية وخفضت متطلبات احتياط البنوك، فإن الطلب على الائتمان ظل ضعيفاً.

ومن الأسباب التي جعلت إجراءات التحفيز هذا العام غير مؤثرة، السياسة التي اعتمدها الرئيس الصيني تشي جينبينغ منذ توليه السلطة عام 2012، وهي عدم تكرار أخطاء الرواج والانتعاش المصطنع في أعقاب الأزمة المالية العالمية، لذا حين بدأ الاقتصاد في التباطؤ عام 2015 وضع الرئيس الصيني هدفاً محدداً هو “الإصلاح الهيكلي لجانب العرض في الاقتصاد”.

من ثم تضمن ذلك تقليل سعة الإنتاج الصناعي وخفض عدد الوحدات العقارية المطروحة مع خفض ديون الشركات، بما فيها المؤسسات المرتبطة بالحكومة والإدارات المحلية، هذا “الانضباط” جعل مهمة إنعاش الاقتصاد بحزم تحفيز خلال 2024 صعبة جداً، وعلى رغم أن الحكومة المركزية زادت من وتيرة الاقتراض، فإنها ظلت تطبق الانضباط المالي على حكومات الأقاليم والإدارات المحلية.

ولمواجهة تحديات العام المقبل، سيكون على السلطات الصينية تشجيع الطلب ولو على حساب سياسات الانضباط التي يتبناها الرئيس تشي، وهناك مؤشرات إلى أن بكين بدأت تسير في ذلك الاتجاه بالفعل، إذ أعلنت وزارة المالية الشهر الماضي، أنها ستسمح لحكومات الأقاليم بإصدار سندات دين تحل محل 10 تريليونات يوان (1.37 تريليون دولار) من “الديون المخفية”، مما يعني توفير ما يصل إلى 1.2 تريليون يوان (164.5 مليار دولار) كانت الحكومات المحلية خصصتها لخدمة تلك الديون. (اندبندنت عربية)