في ظل التحديات القانونية الدولية المتزايدة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي، اتخذت الحكومة الإسرائيلية سلسلة من الإجراءات المكثفة لضمان حماية جنودها من الملاحقة القانونية في الخارج، خاصة بعد تقديم شكاوى ضدهم في دول مثل جنوب أفريقيا، سريلانكا، بلجيكا، فرنسا، والبرازيل.
وتأتي هذه التحركات في وقت حساس، حيث أصبحت الشكاوى الدولية المتصاعدة تشكل تهديدا للجنود المتورطين في العمليات العسكرية الأخيرة في غزة.
وقد عقد وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، اجتماعا هاما مع كبار المسؤولين في الوزارة لبحث تداعيات هذه الاتهامات ووضع استراتيجيات للتعامل معها.
وأكد الوزير خلال الاجتماع على أهمية الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي قُدمت فيها شكاوى ضد الجنود الإسرائيليين، مثل بلجيكا والبرازيل، مشيرا إلى أن هناك مساعٍ جادة لوقف أي تحقيقات قضائية قبل أن تتحول إلى إجراءات رسمية.
كما أفادت مصادر دبلوماسية أن إسرائيل تجري محادثات مع مسؤولين حكوميين في هذه الدول، موضحة أن الجيش الإسرائيلي ملتزم بالقوانين الدولية، وأن أي اتهامات يجب التعامل معها داخل النظام القانوني الإسرائيلي.
وفي إطار الاستعداد لمواجهة أي تحقيقات قضائية، كثفت إسرائيل تعاونها مع مكاتب محاماة محلية ودولية في الدول المعنية. تم تكليف هذه المكاتب بتقديم المشورة القانونية اللازمة للجنود الإسرائيليين الذين قد يتعرضون للاعتقال أو الاستجواب أثناء سفرهم.
وتشمل المهام توفير استشارات فورية في حال اعتقال الجنود، وتمثيلهم أمام المحاكم، والعمل على إغلاق القضايا قبل تصعيدها.
إضافة إلى ذلك، أُنشئت شبكة قانونية عالمية من المحامين المتخصصين في القانون الدولي، مهمتها مراقبة الوضع القضائي للجنود الإسرائيليين في الدول التي تم تقديم شكاوى فيها وفقا لما أوضحته مصادر في الخارجية الإسرائيلية.
وأشارت مصادر عسكرية إلى أن الجيش الإسرائيلي بدأ في تنفيذ برامج تدريبية للجنود النظاميين والمتطوعين، خاصة أولئك الذين يخططون للسفر إلى الخارج. تهدف هذه البرامج إلى توعية الجنود بالمخاطر القانونية الدولية وكيفية التصرف في حال تعرضهم لأي استجواب أو توقيف.
كما تم تسليط الضوء على مخاطر نشر الصور والمحتويات المتعلقة بالعمليات العسكرية على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويُذكر أن العديد من الجنود نشروا صورا وفيديوهات أثناء عملياتهم في غزة، ما أدى إلى استخدام هذه المواد كأدلة ضدهم من قبل منظمات دولية.
وبالتزامن مع الجهود الدولية، تعمل إسرائيل على تعزيز البنية القانونية المحلية للتعامل مع الاتهامات قبل وصولها إلى المحافل الدولية.
وتم إنشاء مكتب مشترك بين النيابة العسكرية ووزارة الخارجية وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، يُعنى بتحليل المخاطر القانونية المحتملة للجنود ووضع خطط للتعامل مع أي شكاوى تُقدم في الخارج.
ويشمل هذا المكتب أيضا رصد النشاطات المناهضة لإسرائيل على الساحة الدولية، خاصة تلك التي تستهدف جمع الأدلة ضد الجيش الإسرائيلي.
ويعمل المكتب على تقديم توصيات للقيادة السياسية والعسكرية بشأن الإجراءات اللازمة لتجنب الملاحقات القانونية.
وفي إطار “تلميع صورة” الجيش الإسرائيلي، تسعى إسرائيل للتأكيد على أن تحقيقاتها الداخلية تتمتع بالشفافية والمصداقية. وأشارت مصادر في النظام القضائي لوسائل إعلام محلية إلى أن هناك جهودا مستمرة لتوضيح أن إسرائيل تمتلك نظاما قانونيا مستقلا قادرا على التحقيق في أي مخالفات محتملة.
ومع ذلك، حذر خبراء قانونيون من أن التصريحات العلنية لبعض المسؤولين الحكوميين قد تضر بمصداقية هذه الجهود. والتصريحات التي تدعو إلى “تجويع سكان غزة” أو المطالبة بـ”احتلال القطاع” تُستخدم كأدلة ضد إسرائيل في المحافل الدولية، ما يضع الجنود في مواقف قانونية أكثر تعقيدا.
وعلى الرغم من هذه الجهود، تواجه إسرائيل تحديات كبيرة على الساحة الدولية حيث حذرت جهات قانونية من أن استمرار ضعف الثقة بالنظام القضائي الإسرائيلي قد يؤدي إلى تصعيد أكبر في المحاكم الدولية.
وأكد مسؤولون في الجيش الإسرائيلي أن التحقيقات الداخلية الفعالة والشفافة هي الطريقة الوحيدة لحماية الجنود من الملاحقات الخارجية، داعين إلى تعزيز استقلالية النظام القضائي الإسرائيلي وتحسين التعاون بين المؤسسات العسكرية والقضائية والدبلوماسية.
ويشار إلى أن منظمة هند رجب (HRF) تقدم شكاوى جنائية ضد جنود إسرائيليين في الخارج، وهي تحمل اسم الطفلة الفلسطينية التي قتلت في قصف مع أفراد أسرتها في حي تل الهوى جنوب غزة.