3 منها في دول عربية.. 4 صراعات بارزة في الـ2025

10 يناير 2025
3 منها في دول عربية.. 4 صراعات بارزة في الـ2025


نشر موقع “الجزيرة نت” تقريراً تحت عنوان “على صفيح ساخن.. صراعات لا يمكن تجاهلها في 2025″، وجاء فيه:

 

منذ مطلع العقد الثاني من القرن الـ21، شهد العالم تصاعدا ملحوظا في وتيرة النزاعات، مُنهيا فترة من الهدوء النسبي امتدت خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة.

فمن الانتفاضات العربية في عام 2011 وتداعياتها، مرورا بأحداث وصراعات بالساحل الأفريقي، وصولا إلى الاضطرابات الناجمة عن الانقلاب العسكري في ميانمار عام 2021، لتشتعل أكثر بالغزو الروسي لأوكرانيا في 2022.

وشهد عام 2023 تفاقما إضافيا للأزمات الإنسانية مع اندلاع القتال في السودان والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، اللذين نتج عنهما ارتفاع غير مسبوق في أعداد الضحايا والنازحين والمحتاجين للمساعدات الإنسانية العاجلة على مستوى عالمي، متجاوزة الأرقام المسجلة خلال العقود الماضية.

وتأتي عودة دونالد ترامب المرتقبة إلى البيت الأبيض، ويدخل العام 2025 وسط اضطرابات متصاعدة وتحولات جيوسياسية عميقة، يرسم مشهدا بالغ التعقيد يصعب التنبؤ بمساراته المستقبلية.

وفي ضوء هذه الظروف المتقلبة، نشر موقع مجموعة الأزمات الدولية تقريرا يسلط الضوء على 4 صراعات رئيسية يرى أنها تستدعي المتابعة الدقيقة، التي من المرجح أن تشكل ملامح المشهد العالمي في هذا العام الجديد.

فلسطين

عقب هجوم حماس في السابع من تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل حملة عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة، مخلفة آثارا كارثية على السكان والبنية التحتية، فوفقا لإحصاءات السلطات المحلية، تجاوزت الخسائر البشرية 45 ألف شهيد وإصابة أكثر من 100 ألف، غالبيتهم من المدنيين والأطفال، كما طال الدمار ما يقارب ثلثي المنشآت والبنى التحتية في القطاع.

وقد أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى تغييرات جيوسياسية ملموسة في القطاع، شملت تعزيز السيطرة على الحدود المصرية وإنشاء ممرات عسكرية إستراتيجية، وفرض حصار شامل على شمال غزة تسبب في نزوح جماعي للسكان، مع توسيع المنطقة العازلة على حدود القطاع، مما قلص المساحة المتاحة للفلسطينيين بشكل كبير.

ورغم الضربات الموجهة لقيادات حركة حماس وقدراتها العسكرية، يقر مسؤولون غربيون وإسرائيليون بصعوبة إدارة غزة دون موافقة الحركة.

وتلوح في الأفق فكرة “الفقاعات الإنسانية”، وهي مناطق محددة يديرها مقاولون أجانب أو سكان محليون مرتبطون بإسرائيل، رغم الشكوك حول جدوى هذا النهج.

وفي الوقت نفسه، هناك معركة أخرى في الضفة الغربية، حيث تتسارع وتيرة الاستيطان، مع تحول تدريجي في إدارة المنطقة من السيطرة العسكرية إلى المدنية، وتكثيف عمليات هدم المنازل الفلسطينية.

وعلى الصعيد الدولي، اعتادت إسرائيل على مواجهة الانتقادات الدولية خلال حروب غزة السابقة، لكنها كانت تتلاشى مع عودة المناطق المحتلة إلى روتينها القاسي.

ولكن هذه المرة، يبدو أن عواقب الحرب أقل وضوحا لأن إسرائيل تخلت حتى عن مظاهر التفاهم السياسي لصالح القمع الصريح، من خلال محاولة سحق ليس فقط حماس، ولكن أيضا آمال الفلسطينيين في تقرير المصير.

ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والقادة السياسيين الإسرائيليين يراهنون على عدة رهانات: إمكانية تحقيق الأمن بالقوة من دون شركاء فلسطينيين، استمرار ضعف المؤسسات الدولية، بقاء داعمي إسرائيل في السلطة في الغرب رغم الفظائع في غزة، واحترام القادة العرب لقوة إسرائيل بغض النظر عن معاملتها للفلسطينيين.

ومع عودة دونالد ترامب للرئاسة الأميركية، يكتنف الغموض مستقبل الصراع الذي لم تثمر جهود الوساطة حتى الآن عن وقف دائم لإطلاق النار، بينما يستمر الوضع الراهن في غزة.

وأفادت التقارير بأن ترامب طلب من نتنياهو إنهاء الحرب قبل توليه الرئاسة دون تحديد شروط واضحة، كما أن خياراته الوزارية تشير إلى احتمال منح رئيس الوزراء الإسرائيلي حرية أكبر في اتخاذ القرارات.

ووفقا لموقع الأزمات الدولية فإن الولايات المتحدة فشلت إلى الآن في وقف حملة إسرائيل على غزة، رغم أنها تزود الجزء الأكبر من المساعدات العسكرية التي تعتمد عليها، وأيضا في استخلاص خطة ليوم ما بعد الحرب من نتنياهو، وتركت اليمين الإسرائيلي المتطرف والمنطق العسكري لتحديد مستقبل القطاع، وأنه من المحتمل جدا أن يحدث الشيء نفسه بالنسبة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بشكل عام.

سوريا

بعد عقود من الحكم الديكتاتوري، سقط نظام بشار الأسد في سوريا في أواخر عام 2024، ويمكن للبلد الآن أن تقف على قدميها من جديد بعد واحدة من أكثر الحروب دموية في التاريخ الحديث، ولكن هناك الكثير مما يمكن أن يسوء.

وقد جاء هذا التحول بعد سنوات من الجمود في الصراع السوري، حيث كان هناك تقسيم غير رسمي للبلاد بين هيئة تحرير الشام في إدلب، وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الشمال الشرقي، ونظام الأسد في بقية البلاد.

وفي 27 تشرين الثاني 2024، شنت هيئة تحرير الشام هجوما متقدمة من إدلب واستولت على حلب -ثاني أكبر مدينة في البلاد- دون مقاومة تُذكر، ومن هناك اتجهت جنوبا ودخلت دمشق في الثامن من ديسمبر/كانون الأول، وبهذا انهار نظام الأسد الذي استمر لمدة 54 عاما.

هذا الانهيار السريع للنظام كشف عن ضعف كان يتراكم منذ سنوات، فجيش الأسد -الذي أنهكته سنوات الحرب- كان يعتمد بشكل متزايد على مجندين قليلي الخبرة ومليشيات غير منضبطة.

وفي الوقت نفسه، كان حلفاء الأسد الخارجيون منشغلين بمشاكلهم الخاصة: حزب الله كان يقاتل إسرائيل، إيران كانت تعاني من ضربات إسرائيلية، وروسيا كانت غارقة في حربها مع أوكرانيا.

وبرز أحمد الشرع، رئيس هيئة تحرير الشام، كقائد فعلي لسوريا الجديدة، لكن سرعان ما كشف عن تحديات هائلة في الحكم، وظهرت مخاوف من أعمال انتقامية طائفية وقلق بين الأقليات والفصائل السياسية حول مستقبلهم.

وبينما نجحت قوات هيئة تحرير الشام في تأمين المدن الكبرى، ظهر خطر مباشر وهو الفوضى خاصة في الريف السوري الشمالي والغربي، وظهرت تقارير مقلقة عن أعمال انتقام طائفية، خاصة ضد العلويين، لكن القلق موجود أيضا بين الأقليات الأخرى، والفصائل السياسية التي لا تزال غير متأكدة من دورها المستقبلي.

وفي خضم هذه التحولات الداخلية، كانت التهديدات الخارجية تلوح في الأفق، إذ قامت إسرائيل بشن غارات على مواقع عسكرية سورية وعززت وجودها في الجولان، مبررة ذلك بأنه إجراء دفاعي مؤقت، ورغم انتقاد الشرع للقصف والهجوم، تعهد بالالتزام بالاتفاقيات القائمة مع إسرائيل.

وفي الشمال الشرقي، اشتد الصراع بين الجيش السوري الحر المدعوم من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، مما أدى إلى نزوح الآلاف، وهم الآن يهددون مدينة عين العرب قرب الحدود التركية، وترى أنقرة أن قوات سوريا الديمقراطية جزء من حزب العمال الكردستاني (بي كي كي)، الذي حاربته في تركيا وشمال العراق لعقود.

وكان هناك خطر إضافي يتمثل في احتمال فرار آلاف من مقاتلي تنظيم الدولة المحتجزين لدى قوات سوريا الديمقراطية، وهو ما قد يؤدي إلى تعزيز بقايا التنظيم الذي يعيد ترتيب صفوفه في الصحراء. وإن انسحابا مفاجئا للقوات الأميركية من سوريا -كما صرح ترامب- قد يزعزع الأمور بشكل أكبر.

ومع تطور الأحداث، بدا واضحا أن تحقيق الاستقرار في سوريا سيتطلب جهودا دبلوماسية معقدة، إذ قد يستوجب على تركيا أن تسمح للسلطات السورية الجديدة بالتفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية لإيجاد حل يرضي جميع الأطراف في الشمال الشرقي.

وفي الوقت نفسه، هناك حاجة ملحة لتخفيف العقوبات الغربية والأممية لتسهيل وصول المساعدات والاستثمارات الضرورية لإعادة بناء البلاد المدمرة، ويجب على العواصم الغربية إصدار تراخيص عامة بسرعة تمكن من تدفق المزيد من المساعدات والنشاط الاقتصادي فورا، بينما تعمل مع العواصم الإقليمية للتوضيح لدمشق ما يجب أن يحدث لتخفيف تلك العقوبات.

السودان

في قلب أفريقيا، يعد السودان ساحة لإحدى أكثر الحروب دموية في العالم، إذ فرّ 12 مليون سوداني -أي أكثر من ثلث سكان البلاد- من منازلهم، ليجدوا أنفسهم في مخيمات مكتظة أو في دول مجاورة، ويواجه نصفهم نقصا حادا في الغذاء. في حين يلوح شبح المجاعة في دارفور، بينما تصف الأمم المتحدة معدلات العنف الجنسي بأنها “صاعقة”.

تعود جذور الصراع إلى عام 2019، عندما أطيح بالرئيس عمر البشير، وانهار عقبها التحالف الهش بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وسرعان ما تحول إلى صراع مرير على السلطة، مما أدى إلى اندلاع حرب شاملة اجتاحت البلاد.

وعلى أرض المعركة، تباينت إستراتيجيات الطرفين المتحاربين، إذ اعتمد الجيش السوداني على قوته الجوية، مستخدما طائرات مسيرة  لقصف مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، كما لجأ إلى تحالفات مع متمردين سابقين من دارفور.

وفي المقابل، اعتمدت قوات الدعم السريع على أسلوب قتال سريع ومتحرك، محققة نجاحات في المناطق الغربية من البلاد، لكنها واجهت صعوبات في الاحتفاظ بالأراضي خارج معاقلها.

وساعد المتمردون السابقون في دارفور في صد هجمات قوات الدعم السريع على عاصمة شمال دارفور (الفاشر)، في حين تكافح قوات الدعم السريع للتمسك بالأراضي خارج معاقلها الغربية.

تشكّل الحرب أيضا خطرا على الدول المجاورة، فقد هبطت إيرادات النفط في جنوب السودان، التي تمول ميزانيته ، بعد إغلاق خط الأنابيب الرئيسي عبر السودان.

وأدى تدفق ما يقرب من مليون لاجئ في شرق تشاد إلى زعزعة السياسة بين المكونات المختلفة، في حين أثار تدفق الأسلحة الخارجية إلى قوات حميدتي الغضب داخل قبيلة الزغاوة القوية التي ينتمي إليها الرئيس التشادي محمد إدريس دبي.

ورغم الجهود الدبلوماسية المبذولة، بما في ذلك محادثات جدة التي استضافتها المملكة العربية السعودية، وتعيين الولايات المتحدة مبعوثا خاصا للسودان -وهي خطوة مرحب بها- ظل السلام بعيد المنال. فحميدتي، رغم إبدائه استعدادا للتفاوض، وافق على دمج قواته في الجيش بشكل يضمن دورا قياديا لأنصاره، وهو ما قوبل برفض شديد من قبل القادة العسكريين والمتمردين السابقين في دارفور.

وفي خضم هذه الأزمة المعقدة، يبدو أن الحل يكمن في جهود دبلوماسية مكثفة، فعلى القوى الإقليمية العمل على إحياء المفاوضات وطرح رؤية لتقاسم السلطة.

وفي النهاية، تبقى الولايات المتحدة، رغم اهتمام رئيسها المنتخب دونالد ترامب الضئيل بالقضية السودانية، في موقع فريد للضغط على الأطراف الرئيسية للتوصل إلى اتفاق، فمستقبل السودان، وربما استقرار المنطقة بأكملها، يعتمد على قدرة المجتمع الدولي على إنهاء هذه الحرب المدمرة قبل أن تتحول إلى كارثة إقليمية لا يمكن احتواؤها.

إيران

في النصف الأول من عام 2024، كانت إيران تعتبر محور المقاومة -الذي يضم نظام الأسد في سوريا، وحزب الله في لبنان، وحركات مسلحة في العراق وسوريا، والحوثيين في اليمن، وحماس والجهاد الإسلامي في غزة- مصدرا للحماية والنفوذ الإقليمي.

لكن ما حدث خلال الأشهر القليلة التالية غيّر هذا الوضع بشكل كبير، ففي تموز الماضي اغتالت إسرائيل قائد حركة حماس إسماعيل هنية أثناء زيارته إلى طهران، واستهدفت البنية القيادية لحزب الله -أهم حلفائها في المنطقة- في أيلول الماضي.

وشنت إسرائيل هجوما شاملا أسفر عن اغتيال أمين عام حزب الله الشهيد السيد حسن نصر الله وتدمير القدرات العسكرية لحزب الله في تشرين الأول، كما وجهت ضربات لإيران استهدفت دفاعاتها الجوية ومستودعاتها الصاروخية.

ومع سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول 2024، فقدت إيران حليفا أنفقت المليارات لدعمه وكذلك الطرق الجوية والبرية التي كانت تستخدمها لإمداد حزب الله.

ورغم هذه الخسائر، لا تزال طهران تمتلك آلاف الصواريخ الباليستية (وفي تشرين الأول اخترق حوالي 30 صاروخا من أصل 180 الدفاعات الإسرائيلية)، بالإضافة إلى المليشيات الحليفة في العراق والحوثيين الذين يواصلون إطلاق النار على إسرائيل من اليمن.

وقد يتمكن حزب الله من إعادة تنظيم صفوفه، ولكن حول محيط إسرائيل أصبح محور المقاومة الذي كانت تراه إيران كوسيلة للردع ضد الهجمات الإسرائيلية أو الأميركية منهارا. ومن منظور طهران فإن قدرة وكالات الاستخبارات الإسرائيلية والمخاطر التي أصبحت مستعدة لتحملها مقلقة أيضا.

وعلى الصعيد النووي، لم تُظهر طهران تغييرا جوهريا في إستراتيجيتها، رغم تزايد الدعوات الداخلية لامتلاك السلاح النووي. فالتقدم التقني الذي أحرزته إيران منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 قلص “وقت الاختراق” بشكل كبير.

ومع ذلك، يبدو أن المرشد الأعلى علي خامنئي لا يزال يرى أن تقديم التنازلات النووية قد يكون سبيلا لرفع العقوبات وإعادة تنشيط الاقتصاد المتعثر، وقد يقلقه أيضا احتمال أن تكتشف وكالات الاستخبارات الإسرائيلية أو الأميركية أي محاولة للاندفاع نحو التسلح النووي.

وفي واشنطن، تتباين الآراء حول كيفية التعامل مع الوضع الجديد، فبينما يرى البعض في ضعف إيران الحالي فرصة لتوجيه ضربة حاسمة لبرنامجها النووي أو حتى نظامها السياسي، يحذر آخرون من مخاطر مثل هذا النهج، فمحاولة الإطاحة بالنظام قد تؤدي إلى فوضى شبيهة بما حدث في العراق بعد 2003، أو تدفع النظام الإيراني للرد بكل ما يملك من قوة، مما قد يجر المنطقة إلى صراع واسع النطاق.

وقد يبدو إعادة تطبيق سياسة “الضغط القصوى” -من خلال تشديد العقوبات والإجراءات العسكرية- أقل خطورة، لكنها لا تزال محفوفة بالمخاطر.

في ضوء هذه التعقيدات، يبرز خيار الدبلوماسية مثل المحادثات المدعومة بالضغط كأفضل مسار محتمل، فرغم صعوبة وضع حدود صارمة للبرنامج النووي الإيراني في الوقت الراهن، فإن ضمان وصول المفتشين الدوليين وتقليص مخزونات اليورانيوم عالي التخصيب قد يشكل نقطة انطلاق واعدة، وقد تكون الأحكام الأخرى أسهل.

ومع تراجع نفوذها الإقليمي، قد تكون إيران مستعدة لتقديم تنازلات أكبر، بما في ذلك وقف إمدادات الأسلحة لروسيا أو تقليص دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة، مقابل تعهد الولايات المتحدة بعدم مهاجمة طهران أو حتى اتفاق عدم اعتداء غير رسمي مع إسرائيل. (الجزيرة نت)