حقائق عمرها 75 عاماً.. حكايا عن معركتين دمرتا غزة!

12 فبراير 2025
حقائق عمرها 75 عاماً.. حكايا عن معركتين دمرتا غزة!


نشر موقع “الجزيرة نت” تقريراً جديداً تحدث فيه عن قصة غزة، سارداً حقائق عن معركتين، الأولى وهي معركة غزة خلال النكبة عام 1948 والثانية خلال حرب طوفان الأقصى عام 2023.

 

 

ويقول التقرير إنه من الأمور اللافتة في تاريخ غزة الحديث أنها واجهت منذ الحرب العالمية الأولى وإلى اليوم كل الأشكال المختلفة للاحتلال والتهجير والإبادة، وأضاف: “مرّ أكثر من 100 عام ولا تزال المدينة صامدة صمودا لافتا رغم التدمير والخراب الواسع الذي قامت به القوات الإسرائيلية في حربها الأخيرة على القطاع، فضلا عن العدد الضخم من القتلى والجرحى، الأمر الذي جعل محكمة العدل الدولية تصف ما وقع بالإبادة الجماعية”.

 

معارك النكبة

 

شكّل قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في أواخر عام 1947م صدمة عميقة في المنطقة، لا سيما أنه جاء بدعم القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، ليكرّس واقعا جديدا ضد تطلعات الفلسطينيين، وليفرض بحكم القوة الجبرية قيام دولة إسرائيل واستمرارها.

 

وقد تزامن هذا القرار مع تصاعد النشاط الصهيوني المسلح من خلال منظمات مثل الإرغون والهاغاناه وغيرها التي نفذت عمليات قتل وتهجير بحق الفلسطينيين وارتكبت العديد من المجازر، أشهرها مذبحة دير ياسين، ولم يكن أمام الفلسطينيين سوى تشكيل مجموعات مقاومة بمشاركة متطوعين من مصر وسوريا والأردن وغيرها للدفاع عن أرضهم.

ومع إعلان بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين في أيار 1948، قررت جيوش 7 دول عربية، هي مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية واليمن، التدخل لدعم الفلسطينيين في معارك النكبة.

في تلك الأثناء شهدت غزة -التي نزح إليها آلاف من أبناء فلسطين الهاربين من بطش العصابات الصهيونية- محاولات مستميتة من هذه العصابات لاحتلالها وتهجير أهلها منها إلى مصر، الأمر الذي اضطر الجيش المصري إلى الدخول لغزة ومحاولة الحفاظ عليها من السقوط في أيدي الصهاينة فضلا عن مناطق قريبة منها مثل بئر سبع والمجدل وغيرها.

كذلك، يرصد المؤرخ المصري عبد الوهاب بكر في كتابه “الجيش المصري وحرب فلسطين”، فإن الجيش المصري كان يعاني في تلك الفترة ضعفا شديدا نتيجة للإهمال الممنهج الذي مارسه الاحتلال البريطاني في مصر على مدى سنوات، إضافة إلى تجاهل الحكومات المتعاقبة لتطويره وتحديث معداته.

ونتيجة لذلك دخلت القوات المصرية معارك فلسطين في 15 أيار 1948 بعتاد محدود وقدرات متواضعة، في ظل غياب أي إمدادات كافية من الداخل أو الخارج لتعويض ما يُستهلك في القتال.

وقد انعكس ذلك بشكل واضح على سير العمليات العسكرية، إذ تقدمت القوات بقيادة اللواء أحمد علي المواوي دون دعم مدرع كافٍ، ووسط غياب خطة إستراتيجية واضحة لإدارة الحرب والمعارك.

مع هذه الهزائم قررت القيادة السياسية والعسكرية في مصر أن تُقيل اللواء المواوي لتعين مكانه اللواء أحمد فؤاد صادق، وهو رجل كان يملك خبرة كبيرة عسكرية في مصر والسودان وأعالي النيل، وكان كارها للاحتلال البريطاني حتى إنه سُجن عامين بسبب تحريضه عليه، وكان مؤمنا بضرورة الاتحاد والتعاون مع المتطوعين وأهالي غزة في مواجهة هجمات العصابات الصهيونية.

عند وصول اللواء صادق إلى غزة، تمكن من ترسيخ الثقة بين القوات المصرية وسكان المدينة، كما عزز علاقته بالمتطوعين من الإخوان المسلمين الذين لعبوا دورا بارزا في القتال تحت قيادة الصاغ محمود لبيب وكامل الشريف وآخرين.

ومع اقتراب نهاية العام، وتحديدًا في 22 كانون الأول 1948، أطلق الصهاينة عملية سموها “حوريب” أي العين، بهدف القضاء نهائيا على الوجود العسكري المصري في فلسطين، مستغلين حالة الجمود التي أصابت باقي الجيوش العربية.

وخطّط الصهاينة لتطويق القوات المصرية من الشرق إلى الغرب وصولا إلى ساحل البحر بين رفح والعريش، بهدف عزلها عن غزة وتقسيمها إلى مجموعات صغيرة يسهل القضاء عليها؛ فقد نفذوا هجوما مخادعا على دير البلح والتبة 86، وهي نقطة إستراتيجية تُشرف على الطرق بين غزة وخان يونس والعريش، مما دفع القوات المصرية بقيادة اللواء صادق إلى الدفاع المستميت عنها.

وبلغت القوات المهاجمة للتبة 86 في غزة نحو 3 آلاف جندي بقيادة ضابط روسي مخضرم، لكن المصريين والمتطوعين بقيادة كامل الشريف تمكنوا من إحباط الهجوم وإيقاع خسائر فادحة بالصهاينة، وفقا لخطة اللواء صادق.

ورغم ذلك يرى المؤرخ عبد الوهاب بكر أن الهجوم على التبة 86 كان مجرد خدعة لإشغال المصريين، بينما وقع الهجوم الحقيقي في ليلة 25-26 ديسمبر/كانون الأول 1948 عبر حركة تطويق واسعة باتجاه العسلوج والعوجة قرب بئر سبع.

 

وقد انهارت الدفاعات المصرية في هذه المعركة، وسيطر اليهود على كامل أراضي النقب، مما فتح الطريق إلى سيناء. ووفقا للمؤرخ الفلسطيني عارف العارف في كتابه “تاريخ غزة”، فقد أباد الصهاينة الحاميات المصرية وأسروا من تبقى، بينما فرّت بعض القوات في الصحراء تحت نيران الطائرات الصهيونية.

في تلك الأثناء تلقى اللواء صادق أوامر من وزير الحربية المصري حيدر باشا بالانسحاب من غزة قبل بدء الهجوم الصهيوني على التبة 86 في 23 كانون الأول.

كذلك، يعترف اللواء صادق لمؤرخ فلسطين عارف العارف في لقاء جمعهما معا عقب الحرب، فإنه رفض تلك الأوامر وأرسل إليه قائلا: “ازاي (كيف) أنسحب وأسيب (أترك) ربع مليون من إخواني أهل غزة كالفراخ (الدجاج) يذبحهم اليهود وينتهكون أعراضهم؟ أتريدني أن آخذهم معي إلى العريش؟ أم أدافع عن رفح؟ كلا لن أنسحب مهما كانت النتيجة”.

وكان لهذا الصمود من القائد المصري والمقاومة الباسلة للمتطوعين المصريين والفلسطينيين الدور الكبير في منع سقوط قطاع غزة طوال سنوات حتى العدوان الثلاثي عام 1956 ثم النكسة والاحتلال الإسرائيلي للقطاع، قبل أن يضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون إلى الانسحاب من غزة في عام 2005.

طوفان الأقصى والصمود الكبير

 

شهد القطاع منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا 7 حروب إسرائيلية 5 منها كانت بأمر رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو.

وقد أدت معركة طوفان الأقصى في أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى إعلان نتنياهو وقادته عن عملية السيوف الحديدية بهدف تدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وأخيرا تحقيق مشروع التهجير مع التدمير الواسع الذي شهده القطاع طوال 15 شهرا كاملا.

وقد تحول الهجوم الإسرائيلي إلى واحدة من أكثر حملات القصف دموية وتدميرا في التاريخ الحديث، ففي أثناء الغزو نفذت القوات الإسرائيلية مجموعة حملات عسكرية، أبرزها هجوم رفح منذ مايو/أيار 2024، و3 معارك حول خان يونس، وحصار شمال غزة المستمر منذ تشرين الأول 2024.

وأسفرت الهجمات الإسرائيلية عن مقتل ما لا يقل عن 47 ألف فلسطيني، أغلبهم من النساء والأطفال، وتدمير واسع في القطاع.

ورغم ذلك صمدت المقاومة في غزة ولعبت دورا كبيرا في تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة، فوفقا لتقرير نشرته الجزيرة نت وبثته القناة 12 الإسرائيلية نقلت فيه تصريحات اللواء إيال زامير رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد بأن 5942 عائلة إسرائيلية جديدة انضمت إلى قائمة الأسر الثكلى خلال عام 2024، بينما تم استيعاب أكثر من 15 ألف مصاب في نظام إعادة التأهيل.

تلك أبرز محطات غزة طوال أكثر من قرن وصمودها أمام المحتل البريطاني ثم الإسرائيلي، وهو قرن طويل عانت فيه غزة من الحروب تلو الأخرى، ورغم ذلك صمد الغزّيون على مرّ أجيالهم المختلفة أمام مخططات التهجير والاحتلال والإبادة، بكل أشكال المقاومة رغم قلّتها وضعفها مقارنة بالعدد والعتاد الذي امتلكه الخصوم. (الجزيرة نت)