اعتبر ماركوس شنايدر، مدير مشروع “السلام والأمن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، في مؤسسة “فريدريش إيبرت” الألمانية العريقة، أنّ هزيمة طهران في سوريا تُماثل سيناريو هزيمة الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان، وهو ما يُمكن أن يُبشّر بنهاية النظام الإيراني وسقوطه، خاصة مع تصاعد قوة المُعارضة الإيرانية في الداخل والخارج.
كارثة عسكرية
وكشف تقرير أورده المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في برلين، أنّ إيران كان لديها لغاية يوم 7 كانون الأول 2024، ما يصل إلى 10 آلاف جندي من الحرس الثوري الإيراني في سوريا، و5 آلاف جندي آخر من الجيش، بالإضافة إلى آلاف أخرى من عناصر الميليشيات المسلحة المدعومة من طهران.
كذلك، امتلكت إيران 55 قاعدة عسكرية في سوريا، بالإضافة إلى 515 نقطة للمسلحين الموالين.
وكان على الأراضي السورية نحو 830 موقعاً عسكرياً أجنبياً، 70% منها كانت تابعة لإيران، أي 570 موقعاً خسرتها طهران اليوم. وحسب عدّة مصادر فقد أنفقت إيران ما يزيد عن 60 مليار دولار لإبقاء النظام السوري السابق في السلطة.
وكانت الجمهورية الإسلامية أول دولة تُرسل “مُستشارين” عسكريين إلى سوريا في عام 2011، لمُساعدة الرئيس السوري السابق ضدّ الفصائل المسلحة المُعارضة.
وحسب القائد السابق في الحرس الثوري المحلل السياسي حسين كناني مقدم، فإنّ “إيران تعرّضت للخيانة من قبل الجيش السوري”، مُشيراً إلى أنّ بلاده هي الخاسر الأكبر من سقوط بشار الأسد. وهو يرى في الإطاحة المُفاجئة بالنظام السوري خسارة حلقة أساسية في “محور المقاومة” طهران-بغداد-دمشق-بيروت، الذي تمّ تجهيزه على مدار 45 عاماً.
هل تعود إيران؟
وذكرت الباحثة في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، بسمه فايد، أنّ البنية التحتية الإيرانية العسكرية الواسعة في سوريا انهارت مع سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وهو ما يُمثّل ضربة قوية لاستراتيجية طهران لفرض قوتها في الشرق الأوسط، وسط تنامي المخاوف الإقليمية والدولية من السُّبل التي قد تتبعها طهران للحفاظ على مصالحها في ظلّ المتغيرات السياسية.
وسحبت إيران كل أفراد الحرس الثوري الإيراني من سوريا، وكذلك مُقاتلي الجماعات المسلحة من الباكستانيين والأفغانيين والعراقيين واللبنانيين والسوريين، وذلك إلى بلدة القائم الحدودية على الجانب العراقي. كما أنّ بعض العناصر الإيرانيين في دمشق رجعوا إلى طهران، بينما عاد مُقاتلو حزب الله برّاً إلى لبنان، حيث أجبروا على ترك كميات كبيرة من المُعدّات العسكرية والأسلحة، والتي دُمّر الكثير منها لاحقاً في غارات جوية إسرائيلية، أو استولى عليها تنظيم هيئة تحرير الشام ومجموعات مسلحة أخرى تمّ حلّها مؤخراً.
وقالت باربرا ليف، المسؤولة الكبيرة في وزارة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، إنّ التضاريس الاستراتيجية في سوريا أصبحت الآن مُعادية للغاية لعودة الإيرانيين عسكرياً، إلا أنّ هذا لا يعني أنّهم لن يُحاولوا إعادة إدخال أنفسهم.
وعلى عكس زعماء إيران، الذين قللوا من حجم الخسارة الاستراتيجية التي تكبّدتها بلادهم في سوريا، يعترف العميد في الجيش الإيراني بهروز أسبتي “تلقينا ضربة قوية للغاية وكان الأمر صعباً جداً”، كاشفاً أنّ علاقات إيران مع النظام السوري السابق كانت متوترة مما أدّى إلى الإطاحة به، حيث رفض طلبات متعددة للجماعات المدعومة من إيران لفتح جبهة ضدّ إسرائيل من سوريا.
ويُحذّر مراقبون من أنّ إيران ستواصل دعم وكلائها في الشرق الأوسط، إلا أنّ هذا لا يُخفي حقيقة مفادها أنّ قُدرات طهران المالية والعسكرية قد تقلّصت بشكل كبير. كما أنّ إيران تخشى من تداعيات داخلية فضلاً عن فقدان نفوذها في سوريا.
عودة الزخم للمُعارضة الإيرانية
وبحسب الباحثة أنييس لوفالوا، من معهد الأبحاث والدراسات حول المتوسط والشرق الأوسط، فإنّ سقوط النظام السوري يُقلق النظام الإيراني الذي يُواجه معارضة داخلية، والذي تمّ إضعافه جراء القصف الإسرائيلي. وهي ترى أنّ “الحرس الثوري صامد حتى الآن، لكنّ ما حدث يُمكن أن يُعيد الزخم إلى حركة الاحتجاج الشعبية في إيران”.
وحذّر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات في برلين، من أنّ إيران لن تتخلّى عن طموحاتها في الهيمنة الإقليمية، ويبدو أنها قد تسعى إلى تعزيز العلاقات مع الجماعات الجهادية التي تعتزم مواصلة الأنشطة الجهادية ضدّ إسرائيل من الأراضي السورية. كما يُمكن الافتراض أن إيران ستسعى إلى استعادة قنوات نفوذها في سوريا من خلال استغلال علاقاتها مع قيادة تنظيم القاعدة.
كذلك، ستسعى إيران لتغيير استراتيجيتها، للحفاظ على نفوذها عبر منع إنشاء نظام جديد ومُستقر في سوريا، حيث دعمت في السابق قوى عمدت إلى زعزعة الاستقرار في العراق وأفغانستان لمواجهة النفوذ الأميركي وفرض قوتها.
وذكرت الباحثة في المركز بسمه فايد، أنّه من غير المُرجّح أن تسمح القيادة السورية الجديدة للحرس الثوري الإيراني بتجديد وجوده العسكري في سوريا في القريب العاجل. ومع بدء تراجع توازن القوى في المنطقة ضدّ مصلحة النظام الإيراني، تتصاعد الدعوات من المُعارضة الإيرانية لفرض أقصى الضغوط على طهران بالاستفادة من شلال سقوط الأسد.
ويأمل مُعارضو نظام طهران أن تُساهم الضغوط الدولية في تسريع سقوطه.
وفي السياق، قالت مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، قبل أيام من باريس، إنّ “القادة الدوليين يجب أن يقفوا إلى جانب الشعب الإيراني، بدلاً من استرضاء الملالي”. (الجزيرة نت)