سوريا المقسّمة.. أقرب من أي وقت مضى

13 مارس 2025
سوريا المقسّمة.. أقرب من أي وقت مضى


منذ سنوات، يتكرر الحديث عن احتمال تقسيم سوريا، متأثرًا بالظروف السياسية والعسكرية التي تعيشها البلاد. وعلى الرغم من أن سوريا مرت بأزمات سياسية وأمنية عديدة خلال العقود الماضية، إلا أن فكرة تقسيمها لم تكن مطروحة بهذا الشكل الحاد كما هي اليوم. فمع كل أزمة سابقة، كان السوريون يتجاوزون المحن ويعيدون ترميم وحدتهم الوطنية، ولكن اليوم، تزايدت التهديدات الخارجية والداخلية التي تجعل من سيناريو التقسيم أكثر حضورًا في الأروقة السياسية والإعلامية.








لا يمكن اختزال الحديث عن تقسيم سوريا في الصراع الداخلي فقط، إذ تلعب العوامل الخارجية دورًا محوريًا في تغذية هذا الطرح. فمنذ اندلاع الأزمة السورية، برزت قوى إقليمية ودولية سعت إلى تشكيل خرائط جديدة للمنطقة بما يخدم مصالحها. التقاطعات الجيوسياسية وتضارب المصالح بين القوى الكبرى أدى إلى تكريس مناطق نفوذ داخل سوريا، وهو ما فتح الباب أمام الحديث عن احتمالات التقسيم وفق أسس طائفية وعرقية. على المستوى الداخلي، أدت الحرب المستمرة وتعدد الفصائل المسلحة والميليشيات المحلية والدولية إلى فرض واقع الحكم الجديد، إذ برز تراجع سلطة الدولة في بعض المناطق، مما أوجد بيئة مناسبة لفرض سلطات محلية شبه مستقلة، وهو ما يعزز مخاوف التقسيم. وعلى عكس ما يمكن أن يظهر إعلاميا، فإنّ مصادر ميدانية تواصل معها “لبنان24” أكّدت أنّ سلطة الادارة الجديدة لا تقتصر إلا على مناطق معينة فعليًا، أما الكلمة الأبرز، فهي تعود إلى الفصائل المسلحة التي لا تعتبر منشقة عن الادارة الجديدة، إنّما ليس للأخيرة القدرة على السيطرة على أفعال هذه المجموعات التي تعمل وفق منطق انتقامي محض، لا علاقة له أبدًا بالسياسة التي تسعى الإدارة الجديدة إلى اتباعها.

هذه الافعال، التي عزّزها مشهد القتال في الساحل السوري، والذي وُصف بالإبادة الواضحة المعالم، عزّز مسألة الانفصال أو الإنشقاق عن سوريا، خاصة على صعيد الأقليات التي رأت مشاهد المذابح التي حصلت في حقّ العلويين، وعلى رأسهم الدروز، الذين وقعوا بين الفك الإسرائيلي الذي يلعب على الوتر الاقتصادي قبل الطائفي، وبين الواقع الجديد، بالاضافة إلى الاكراد، والعلويين، وغيرهم من الاقليات، التي ترى أنّ الإدارة الجديدة لا قدرة لديها على كبح جماح “المنتقمين” العائدين إلى سوريا الجديدة.
وعليه، تبرز حسب المصادر مجددًا خطة الحلم الفرنسي القديمة، التي تعود إلى عام 1920، الحلم الذي كان يراود الاستعمار الفرنسي لتقسيم سوريا، إذ بعد معركة ميسلون الشهيرة التي انتهت باحتلال فرنسا لسوريا، أرادت فرنسا تقسيم سوريا إلى عدة كيانات طائفية بهدف السيطرة عليها ومنع تكوين دولة سورية موحدة وقوية. فكان المشروع يهدف إلى تقسيم سوريا إلى: دولة حلب، دولة دمشق، دولة الدروز، ودولة العلويين.. وعلى الرغم من أنّ هذا الهدف لم يتحقق آنذاك بفضل النضال السوري، إلا أنّه لم يتم محوه من أجندة الدول الساعية إلى تدمير سوريا، وعلى رأسها إسرائيل، التي أنهت المساكنة العسكرية الثلاثية المتمثلة بالنظام السوري الذي كان يسيطر على 70% من سوريا قبل الانهيار الكبير، بالاضافة إلى دويلة إدلب، والتي كان يسيطر عليها المسلحون ودويلة الاكراد في الشمال المدعومة من أميركا.. هذه المساكنة التي تم فكّها مرشحة للارتفاع اليوم من ثلاثية إلى رباعية وخماسية، مع عودة خطاب التقسيم الذي بدأ من إسرائيل، ومن خاصرة الجنوب السوري، التي تسعى إسرائيل إلى السيطرة عليها عسكريا لضمان المنطقة العازلة على حساب ضمّ الدروز إليها، وحمايتهم من اي انقلاب مفاجئ في إدارة الشرع، ذلك بالاضافة إلى فرض رقابة صارمة على الحدود مع لبنان، ما سيترجم فعليا بالضغط على “المقاومة”.

وعليه، أوضح مصدر متابع لـ”لبنان24″ أنّ الداخل السوري والمجتمع الإقليمي يواجه مخاوف متزايدة بشأن مستقبل البلاد، في ظل ضعف الحكومة المركزية وتعاظم النفوذ الإسلامي داخل دمشق. هذا الواقع يدفع دول الجوار، بما فيها إسرائيل، إلى تبني استراتيجيات وقائية تهدف إلى ضمان أمنها القومي. ووفقًا للمصدر، فإن إسرائيل ترى أن ضمان الاستقرار في جنوب سوريا يعتمد على إقامة منطقة خالية من السلاح، تمنع وجود الجيش السوري أو أي فصائل أخرى، بما يحقق لها بيئة آمنة دون الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر. وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تسعى إلى التوسع الجغرافي، فإنها تعمل على إعادة تشكيل المشهد السياسي السوري بطريقة تضمن عدم تهديد أمنها مستقبلاً.
وترى إسرائيل، وفقًا للمصدر ذاته، أن النموذج الفيدرالي قد يكون الحل الأمثل لاستقرار سوريا، حيث يتم توزيع السلطات على مناطق ذات إدارة ذاتية، مما يقلل من نفوذ أي جهة، ويخلق واقعًا أمنيًا يخدم مصالحها الإقليمية.

 


المصدر:
لبنان24