بين قناعات ترامب والواقع المناقض.. زلزال اقتصادي أميركي سيغير وجه العالم

24 مارس 2025
بين قناعات ترامب والواقع المناقض.. زلزال اقتصادي أميركي سيغير وجه العالم


كتب موقع “العربية”: فتيل الحرب لم يشتعل بعد، إلا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب توعد بتغيير شكل العالم الذي نعرفه على الأقل خلال العقود الثلاثة الأخيرة.

في الثاني من نيسان المقبل، سيُحدث الرئيس الأميركي انقلاباً في الاقتصاد العالمي. حيث يُطلق عليه دونالد ترامب اسم “يوم التحرير”، في إشارةٍ إلى التحوّل الجذري الذي سيشهده هذا اليوم بفصل اقتصاد أميركا عن اقتصادات العالم.


وعلى الرغم من أن الحدث يأتي بعد “كذبة نيسان” بيوم واحد، فإن ترامب حرص على تحديد هذا الموعد ليؤكد أن الأمر ليس مزحة أو خدعة، بل واقعٌ جديد ستبدأ فيه الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية مرتفعة على العديد من الدول.ستبدأ واشنطن بتطبيق رسوم جمركية على جميع الدول. فوفقاً لقناعاته، لم تحقق الولايات المتحدة مكاسب حقيقية من اتفاقيات التجارة الحرة التي دفعت بها منذ التسعينيات. بل يرى أن الدول الحليفة قبل غيرها، استغلت هذه الاتفاقيات بفرض رسوم مرتفعة على المنتجات الأميركية، مما جعل البضائع الأميركية أغلى في الأسواق العالمية.

ونتيجة لذلك، نقلت شركات أميركية إنتاجها إلى دول أخرى، مما تسبب في فقدان الوظائف وتراجع الصناعة المحلية لصالح الخارج. بينما يسعى ترامب الآن إلى عكس هذا المسار عبر فرض رسوم متبادلة وبالنسبة نفسها على جميع الدول، بهدف إعادة التصنيع والوظائف إلى الداخل الأميركي.

في المقابل، لن تُفرض رسوم على الدول التي لا تفرض رسوماً على المنتجات الأميركية أو التي تحقق معها الولايات المتحدة فائضاً تجارياً. ويقدّر مستشارو ترامب أن هذه السياسة يمكن أن تجمع تريليونات الدولارات خلال 10 سنوات.

ومع ذلك، فإن هذه الخطوة قد تؤدي إلى تصعيد التوترات الدبلوماسية مع حلفاء أميركا، مثل الاتحاد الأوروبي وكندا واليابان وكوريا الجنوبية والمكسيك والهند، والذين وصفهم ترامب بـ”الدول المسيئة تجارياً”، وفقاً لتقرير بلومبرغ.

حرب ترامب خلال رئاسته الأولى
في عامي 2018 و2019، فرض ترامب تعريفات جمركية تتراوح بين 7.5% إلى 25% على حوالي نصف الواردات الصينية، أو ما قيمته حوالي 360 مليار دولار من المنتجات.

وردت الصين بفرض تعريفات جمركية على الواردات من الولايات المتحدة، مستهدفة المنتجات الزراعية مثل لحم الخنزير وفول الصويا والقطن. كما توقفت الصين عن شراء بعض المنتجات الأميركية تماماً، مما تسبب في خسائر سنوية للقطاع الزراعي الأميركي بالمليارات. وللمساعدة في تعويض ذلك، أنشأ ترامب صندوق إنقاذ للمزارعين المتضررين من الحرب التجارية.

نتائج كارثية على الاقتصاد الأميركي
وجدت دراسة، أجراها الاقتصاديون ديفيد أوتور، وآن بيك، وديفيد دورن، وجوردون هانسون، في فبراير من العام الماضي، أن التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصين أضرت بالاقتصاد الأميركي أكثر من نفعها.

ففيما تقلصت الفجوة التجارية مع الصين من مستوى قياسي بلغ 418 مليار دولار في عام 2018، إلى 295 مليار دولار في 2024، استمر العجز التجاري الأميركي الإجمالي في الارتفاع منذ ذلك الحين، لأن الشركات نقلت الإنتاج إلى مواقع أخرى منخفضة التكلفة مثل المكسيك وفيتنام.

ونتيجة لذلك، تضاعف العجز مع المكسيك لأكثر من الضعف منذ عام 2018، من 78 مليار دولار إلى مستوى قياسي بلغ 172 مليار دولار في عام 2024، وفقاً لإحصاءات الحكومة.

في غضون ذلك، ارتفع العجز مع فيتنام إلى 123 مليار دولار من أقل من 40 مليار دولار في عام 2018.

هل استفاد التصنيع الأميركي؟
ولمعرفة ما إذا كانت تعريفات ترامب قد عززت الإنتاج أو التوظيف الأميركي، قام تحليل أوتور بعزل المناطق والقطاعات، مثل التصنيع في الغرب الأوسط، والتي كان ينبغي أن تستفيد من تعريفات ترامب. وهو ما لم يحدث. وخلصت الدراسة إلى 3 استنتاجات: أولا، لم تنتج تعريفات ترامب أي زيادة في العمالة في قطاع التصنيع. ثانيا، تسببت التعريفات الانتقامية التي فرضتها الصين في خفض العمالة الزراعية في الولايات المتحدة. ثالثا، ساعدت خطة إنقاذ ترامب الزراعية في تعويض بعض، ولكن ليس كل، فقدان الوظائف في قطاع الزراعة.

والطريقة البسيطة لتصور هذه النتيجة، هي ببساطة النظر إلى تشغيل العمالة في قطاع التصنيع خلال رئاسة ترامب. لقد ارتفعت بشكل جيد خلال أول عامين له في منصبه، لكنها استقرت ثم انخفضت في عام 2019، عندما دخلت القوة الكاملة لتعريفات ترامب حيز التنفيذ. لقد حدث ذلك قبل وقت طويل من وصول جائحة كوفيد-19 في عام 2020 وتسبب في ركود قصير ولكن عميق.

وقد توصلت العديد من الدراسات الأخرى إلى استنتاجات مماثلة.

على سبيل المثال، وجدت مؤسسة الضرائب أن تعريفات ترامب أدت إلى خفض العمالة في الولايات المتحدة بمقدار 166 ألف وظيفة في الولايات المتحدة، مع مقتل 29 ألف وظيفة أخرى بسبب التعريفات الانتقامية. وفي الوقت نفسه، تبلغ الضرائب المرتفعة التي يدفعها المستوردون 74 مليار دولار من الإيرادات الحكومية المتزايدة على مدى عقد من الزمن. ولكن على النقيض من إصرار ترامب، فإن الصين ليست هي التي تدفع تلك الضرائب المرتفعة. فالشركات الأميركية هي التي تستورد المنتجات وتدفع الضرائب وتمرر التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين.

فهل سيكون 2 نيسان 2025 يوم تحرير اقتصادي لأميركا، أم بداية مأساة ستعاني منها لسنوات؟