معلومات عن أخطر قنابل إسرائيلية.. غبية و ذكية ومدمّرة!

28 مارس 2025
معلومات عن أخطر قنابل إسرائيلية.. غبية و ذكية ومدمّرة!

مع نهاية شهر كانون الثاني عام 2025، أفصح موقع “أكسيوس” الأميركي، نقلا عن ثلاثة من كبار المسؤولين الإسرائيليين، عن قرار اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يقضي برفع الحظر الذي كانت قد فرضته إدارة سلفه، جو بايدن، على إمدادات القنابل الثقيلة التي تزن ألفَيْ رطل المخصصة لإسرائيل.

 

 
ووفق ما نُقل، فإن ما يقارب 1800 قنبلة من طراز “مارك 84″، كانت ترقد في مستودعات عسكرية أميركية، قد تقرّر تحميلها على متن سفينة نقل عسكرية، في رحلة موجَّهة إلى السواحل الإسرائيلية.

 

 

وبحلول منتصف شباط، لم يبقَ الأمر سريا، إذ أعلنت وزارة الأمن الإسرائيلية استلام الشحنة بالفعل، فيما خرج وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، ليُعلن أن هذه القنابل تُمثِّل “إضافة إستراتيجية مهمة”.

 

 

“مارك 84”

 

ليست هذه الواقعة إلا حلقة من سلسلة طويلة تتكرر، فبين عامي 2023-2025، وفي ظل الهجمات الجوية الإسرائيلية المكثفة على قطاع غزة، كان السلاح الأميركي حاضرا بوضوح في خلفية المشهد، وكانت قنابل “مارك 84” تتصدر هذا المشهد، حتى غدت الأكثر استخداماً.

 

وبلغ اتساع نطاق استخدامها حدًّا لم يعد يمكن تجاهله، وأضحى شاهدا دامغا على الخروقات الإسرائيلية المتكررة للقانون الإنساني الدولي عبر استهداف المدنيين والبنية التحتية.

 

وفي تشرين الأول عام 2024، أُعلنت نتائج دراسة دقيقة غاصت في تفاصيل تلك الهجمات، لتكشف أن ما بين 7 تشرين الأول و17 تشرين الثاني 2023، أسقط طيران جيش الاحتلال ما لا يقل عن 600 قنبلة من طراز “مارك 84″، كلٌّ منها تزن 2000 رطل (الرِّطْل يساوي 0.453 كيلوغرام)، على مناطق مأهولة وشديدة الحساسية، بما في ذلك المستشفيات. ليست هذه مجرد أرقام، بل هي مشاهد متكررة لأبنية منهارة، وأرواح أُزهقت تحت الركام.

وقد خلص الباحثون إلى أن إسرائيل تبنَّت نمطا ممنهجا في إسقاط هذه القنابل العملاقة قرب المستشفيات، في مسافات مدروسة تكفي لإلحاق أضرار جسيمة ووفيات مقصودة، وأوضحوا أن هذا النوع من التدمير لا يُخلِّف فقط آثارا فورية على النظام الصحي، بل يمتد أثره طويلا على كل مفصل من مفاصل الحياة في غزة.

 

وقنبلة “مارك 84” هي أحد أبناء سلسلة “مارك 80” الأميركية، تلك العائلة من القنابل العامة، التي تتفاوت أوزانها بين 250-2000 رطل. لكنها، دون مبالغة، تُمثِّل الشقيق الأكبر والأشد تدميرا في هذه السلسلة. صُمِّمت لتكون متعددة المهام، قادرة على الانطلاق من طائرات عسكرية مختلفة، واستهداف بنى تحتية، وهياكل أرضية ضخمة.

 

لكن وجهها الأكثر رعبا يظهر في لحظة انفجارها؛ فهي تُحدث انفجارا هائلا قادرا على تسوية أبنية بالأرض، وإحداث فجوات ضخمة في عمق الأرض يصل حتى 11 مترا، وبعرض يصل إلى 20 مترا، بينما تمتد موجات الضغط التي تولِّدها إلى محيط كبير، مهددةً كل ما يقع في نطاقها بالتحطم.

 

ومع كل هذه القدرات التدميرية، تبقى “مارك 84” قنبلة “غبية”، أي إنها لا تحتوي على أنظمة توجيه ذكية، بل تعتمد على السقوط الحر، فبمجرد أن تُلقى من الطائرة، تتبع مسارا قوسيا بفعل الجاذبية، وهو ما يجعلها أقل دقة، خاصة عندما تُلقى من ارتفاعات شاهقة.

 

من مفارقات هذه القنبلة أيضا أن بساطة تصميمها وقلة تكلفتها مقارنة بالذخائر الذكية الموجهة تجعلها خيارا مفضلا للدول التي تسعى لتقليل نفقات الحرب، حتى لو كان الثمن حياة المدنيين.

 

والواقع أن أحد التقارير الاستخباراتية الأميركية كشف أن نصف القنابل التي أسقطتها إسرائيل فوق غزة كانت من هذا النوع غير الموجَّه، رغم الكثافة السكانية الهائلة في القطاع، في مؤشر على نية متعمَّدة للإضرار بالمدنيين.

وتتكون “مارك 84” من هيكل فولاذي انسيابي، يخبئ في داخله نحو 429 كيلوغراما من مادة “تريتونال” شديدة الانفجار، وهي مزيج من ثلاثي نترو التولوين (TNT) ومسحوق الألمنيوم، يضاعف قدرة القنبلة على توليد الحرارة والانفجار.

 

 

وتتفجر هذه القنبلة عند ارتطامها بالهدف، أو بعده بلحظات، لتخترق الخرسانة أو طبقات الأرض، قبل أن تُطلق جحيمها.

لكن استخدامها في غزة، وهي منطقة مكتظة بالبشر، لا يتماشى مع ما صُنعت له، إذ صُمِّمت هذه القنابل بالأساس لتُستخدم في ساحات قتال مفتوحة، ضد أهداف عسكرية كبيرة، وليس فوق أحياء سكنية أو بالقرب من المستشفيات.

ولمزيد من فهم الآثار التدميرية لهذا النمط من استخدام القنابل، دعنا نقارن بين احتمالات سقوط قنبلة غير موجَّهة على منطقة ما، وأخرى موجَّهة. وفي الحالة الأولى يمكن أن تدمر القنبلة أي مكان تقع عليه ضمن منطقة مساحتها تصل إلى 125 ألف متر مربع، بما يساوي مساحة نحو 18 ملعب كرة قدم، بينما تنخفض تلك المساحة مع القنابل الذكية لتصل إلى 314 متراً مربعاً.

ذخيرة الهجوم المباشر

 

وإلى جانب القنابل “الغبية” التي ترميها المقاتلات الإسرائيلية على قطاع غزة، هناك نوع آخر لا يقل خطراً، بل يتفوق عليها دقة وفعالية، يُعرف باسم “ذخيرة الهجوم المباشر المشترك” (JDAM)، وهي من إنتاج أميركي، لكنّها ليست قنبلة بحد ذاتها، بل عقل إلكتروني يُضاف إلى جسد قنبلة تقليدية ليحوِّلها إلى أداة قتل ذكية ومدمرة.

 

هذه المنظومة التقنية لا تُميّز بين قنبلة صغيرة تزن 250 رطلا، أو أخرى ثقيلة مثل “مارك 84” بوزن ألفَيْ رطل، فبمجرد أن تُزوَّد القنبلة بجهاز التوجيه هذا، تتحول إلى قنبلة ذكية، فمثلا إن وضعت تلك الأجهزة على “مارك 84” تتحول إلى قنبلة سُميت “بي إل يو 109” (BLU-109/MK 84K) قادرة على إصابة أهدافها بدقة عالية، حتى في الظلام، أو في الطقس العاصف.

وتقوم الفكرة على تزويد القنبلة بجهاز ملاحة متطور يعتمد على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وملاحة بالقصور الذاتي (INS)، وتُضاف زعانف توجيهية في الذيل لتُصحح مسار القنبلة أثناء سقوطها.

سبايس

 

وتستخدم إسرائيل مجموعة أخرى من أطقم القنابل دقيقة التوجيه التي طورتها شركة “رافائيل” لأنظمة الدفاع المتقدمة، تسمى “سبايس”، ومثل ذخيرة الهجوم المباشر المشترك، فهي طقم توجيه إضافي يمكن ربطه بالقنابل “البسيطة” العادية مثل فئة “مارك” (84 و83 و82)، مما يحولها إلى قنابل ذكية عالية الدقة، تبدأ أسعارها من 50 إلى 150 ألف دولار.

في مقدمة القنبلة، تُثبَّت كاميرا كهروضوئية تُغذَّى سلفا بصور مفصلة للهدف، أشبه ما تكون بذاكرة قاتلة. وبفضل دمجها بين نظام تحديد الموقع العالمي (GPS) ونظام الملاحة بالقصور الذاتي (INS)، تستطيع هذه القنابل أن تُصيب أهدافها حتى في غياب إشارات الأقمار الصناعية، أو في أجواء مشوشة.

ويُقاس نجاح القنابل الموجَّهة بما يُعرف بـ”احتمال الخطأ الدائري”، أي المسافة بين النقطة المقصودة ونقطة السقوط، وهنا، تتفاخر “سبايس” بدقة تُقاس بأقل من 3 أمتار.

وفي صباح الثالث عشر من تموز 2024، في منطقة مواصي خان يونس، حيث خُيّل للنازحين أنها “منطقة آمنة”، انقضّ صاروخ من طراز “سبايس 2000″، يزن طنين من الحُمم، على خيام المدنيين.

وبحسب شهادات ثلاثة خبراء تحدثوا إلى صحيفة “نيويورك تايمز”، واستنادا إلى نمط الشظايا وعمق الحفر، تأكد أن القنبلة التي استُخدمت في تلك المجزرة كانت من هذا الطراز، وبلغ عدد الشهداء ما لا يقل عن 90 فلسطينيا، بينما امتلأت المستشفيات بمئات المصابين، حسب وزارة الصحة في غزة.

ورغم أن القنبلة مُصمَّمة لتكون دقيقة، فإن استخدامها في مناطق مكتظة بالسكان يفقدها أي قيمة أخلاقية أو قانونية، فحتى لو أصابت هدفها المحدد، فإن محيطها يمتلئ بالبشر الآمنين، ولم يتردد جيش الاحتلال في استخدامها بكثافة، حتى في المناطق التي طلبت من سكانها مسبقا النزوح إليها بحجة أنها “مناطق إنسانية”.

 

سبايس-2000

 

القنبلة نفسها، “سبايس 2000″، شُوهدت مجددا في سماء بيروت، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، أُبلغ عن غارة إسرائيلية استهدفت مبنى في حي الطيونة، أسفرت عن تسوية مبنى مكوّن من عشرة طوابق بالأرض.
ورغم أن شركة “رافائيل” هي الجهة المنتجة لـ”سبايس”، فإن الحرب تتطلب نهما لا تُشبعه المخازن المحلية. لذلك، في وقت مبكر من العدوان على غزة، وتحديداً في تشرين الأول 2023، أرسلت الولايات المتحدة إلى إسرائيل شحنات ضخمة من هذه القنابل، عُرفت بـ”مجموعات قنابل طائرة شراعية من طراز سبايس فاميلي”، بقيمة 320 مليون دولار، بحسب ما أفادت “نيويورك تايمز”.

وتبدأ تكلفة القنبلة الواحدة من 50 ألف دولار، وقد تصل إلى 150 ألفاً، حسب نوع الهدف والمهمة، لكنها تظل، في رأي البعض، أرخص من إطالة أمد الحرب أو فشل المهمة العسكرية.