نشر موقع “العربي الجديد” تقريراً جديداً تحت عنوان “إصلاح المصارف في لبنان يصطدم بتضارب المصالح في الدولة العميقة”، وجاء فيه:
تزداد الضغوط الدولية والمحلية على السلطات اللبنانية لاتخاذ خطوات إصلاحية ملموسة تعيد الحد الأدنى من الثقة إلى النظام المالي، وتفتح المجال أمام أي دعم خارجي محتمل، وفي مقدمته الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وفي هذا السياق، تطفو إلى الواجهة قضيّتان أساسيتان تعتبران من ركائز الإصلاح: تعديل قانون السرية المصرفية المُعتمد منذ عام 1956، وإقرار قانون “إصلاح وضع المصارف وإعادة تنظيمها”، بهدف إعادة هيكلة القطاع المصرفي المتعثر ووضع إطار قانوني لإدارته بشكل فعّال.
هذه الخطوات، التي تُقدَّم استجابةً لمطالب صندوق النقد الدولي، تواجه عقبات سياسية وقانونية تعكس عمق الصراعات الداخلية وتشابك المصالح بين مختلف الأطراف.
وبينما يُنظر إلى تعديل قانون السرية المصرفية بوصفه مدخلاً أساسياً لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، أثارت صياغته الحالية جدلاً واسعاً حول محدودية مفعوله وصلاحيات الجهات الرقابية. أما مشروع قانون إعادة تنظيم القطاع المصرفي، فرغم أهميته، تعرقل مساره نتيجة الخلاف على نسخة جديدة طُرحت فجأة من دون توافق مسبق، ما يزيد من الغموض حول مدى جدية الإصلاحات المنتظرة قبيل الاجتماعات الحاسمة مع صندوق النقد في واشنطن.
في السياق، صرّح الباحث في المعهد اللبناني لدراسات السوق، خالد أبو شقرا، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن صندوق النقد الدولي والمبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس يطالبان، منذ انتخاب رئيس الجمهورية جوزاف عون، بإقرار قانون السرية المصرفية، وإعادة هيكلة القطاع العام، بالإضافة إلى تنفيذ التعهدات السابقة من قبل وزير المالية، مشيراً إلى أن لبنان يتحضر لاجتماعات صندوق النقد الدولي في واشنطن في 21 من الشهر الحالي، وهو أمر بالغ الأهمية.
وأضاف أبو شقرا أن لبنان قد عدّل قانون السرية المصرفية في تشرين الثاني 2023، إلا أن التعديل لم يرضِ صندوق النقد الدولي حينها، ما دفعه إلى المطالبة مجدداً بتعديل الفقرتين (هـ) و(و) من المادة السابعة، والتي تنص على السماح لهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف، والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع، برفع السرية المصرفية ضمن إطار عمليات إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
وقدّمت الحكومة اللبنانية مشروع قانون جديداً بهذا الخصوص، ويُعدّ هذا القانون مرتبطاً بشكل كبير بمكافحة الفساد في لبنان، ولا سيما في ظل عملية إعادة الهيكلة، التي تتطلّب الاطلاع على الحسابات والتدقيق بها من دون تعقيدات.
وفي السابق، كان الوصول إلى المعلومات المصرفية ورفع السرية يتطلّب قراراً قضائياً بعد موافقة مصرف لبنان، وحتى بعد الموافقة، لم تكن المعلومات تُفشى بشكل كافٍ، كما حصل خلال عملية التدقيق الجنائي والمشكلات التي ظهرت خلال ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة.
السرية المصرفية سبب في تدفق الرساميل إلى لبنان
وعن تأثير تعديل قانون السرية المصرفية على مناخ الاستثمار في لبنان، أوضح أبو شقرا أن هناك تخوفاً لدى البعض، لأن السرية المصرفية كانت سبباً في تدفق الرساميل إلى لبنان، خصوصاً من دول الجوار. غير أن تطوّر القوانين المالية والرقابية عالمياً، وتراجع جاذبية القطاع المصرفي اللبناني، جعلا من الصعب جذب هذه الرساميل من جديد.
وأضاف: “القطاع المصرفي اللبناني، أو السرية المصرفية التي ساعدت في فترات سابقة على جذب الأموال، تحوّلت اليوم إلى عبء يُغذّي الفساد، وبالتالي فإن إلغاء هذه السرية قد تكون له نتائج إيجابية أكبر من بقائها، لأنها لم تعد تملك الفعالية نفسها، خاصة في ظل فقدان الثقة بالداخل”.
أما عن التأثير الحقيقي على حجم القطاع المصرفي، فأوضح أبو شقرا أنه سيكون نتيجة إعادة الهيكلة وتوزيع الخسائر، حيث يُتوقع أن تخرج العديد من المصارف من السوق لعجزها عن تلبية متطلبات إعادة الهيكلة، ورفع سيولتها، وجذب الرساميل.
تهريب أموال وعمليات مصرفية غير شرعية
وحول تهريب الأموال والعمليات المصرفية غير الشرعية، اعتبر الخبير المصرفي بهيج الخطيب أن الدولة اللبنانية مطالبة بإظهار جدية في تعديل القانون، لكن التدخلات مما وصفه بـ”الدولة العميقة” قد تعيق هذه العملية، مضيفاً أن “لبنان يعاني منذ ست سنوات من أزمة خانقة، تأخّر في معالجتها بسبب فساد الطبقة السياسية، التي لم تتوافق بعد على حلّ عادل يحمي أموال المودعين، بل تركز جهودها على إعادة هيكلة القطاع المصرفي، متجاهلة الحاجة إلى استعادة السيولة والثقة”.
وأشار إلى أن الأموال الموظفة في مصرف لبنان تُعدّ التزامات على الدولة، ولا يجوز اعتبارها خسائر تُطفأ، لأن ما يُسمى بـ”الفجوة المالية” هو في الواقع نتيجة سوء توظيف في الديون السيادية، وليس انعداماً للأموال، لافتاً إلى أن المؤسسات كالبنوك المركزية تعتمد في مقاربتها على أصول قانونية واقتصادية واضحة.
وعن خطط إعادة الهيكلة، شدّد على أهمية التمييز بين تقييم موجودات المصارف والسؤال الجوهري: هل هذه الأصول لا تزال موجودة؟ أم أن جزءاً كبيراً منها تبخّر؟ واقترح إعطاء المصارف الوقت الكافي لإعادة تكوين هذه الأصول، على أن تُحال على التصفية إذا عجزت عن ذلك.
وتابع قائلاً: “الموجودات ليست ديوناً معدومة، بل هي أموال قائمة، لكن الدولة تمتنع حتى اليوم عن إقرار مشاريع إصلاحية وخطط تعافٍ تُنتج فوائض في المستقبل تُستخدم لسداد ديون مصرف لبنان وحملة اليوروبوندز وضخ السيولة في الاقتصاد”. وأكد أن ذلك سيساهم في إعادة الثقة بالمصارف إذا ترافق مع تعهد رسمي من الدولة بدفع ودائع المصارف التي خضعت للتصفية أو الاندماج.
وحذّر الخطيب من تداعيات فشل لبنان في تنفيذ هذه الإصلاحات، قائلاً إن المصارف قد تعلن حينها إفلاسها، ما سينعكس سلباً على الودائع وسمعة لبنان مكاناً آمناً للمدخرات. ودعا إلى المضي بخطط إصلاحية متوازية تبدأ بإقرار قوانين إصلاح الاقتصاد، واستقلالية القضاء، وجدولة الدين العام، وإعادة رسملة المصارف.