تصاعد الاشتباكات في جرمانا: اختبار حقيقي لحكم الشرع

1 مايو 2025
تصاعد الاشتباكات في جرمانا: اختبار حقيقي لحكم الشرع


تشهد مدينة جرمانا في محيط العاصمة دمشق، منذ ايام، اشتباكات يومية متصاعدة بين قوات النظام السوري الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع ومجموعات درزية محلية، في واحدة من أكثر المواجهات حساسية منذ تسلمه الحكم. هذه الاشتباكات التي بدأت قبل يومين بدت في البداية محدودة، لكنها سرعان ما اتخذت طابعاً أعنف وأكثر شمولية، ما يثير تساؤلات عميقة حول قدرة الشارع على فرض سلطته على كامل الجغرافيا السورية.

العامل الأساسي وراء تفجّر الأوضاع يبدو مرتبطاً بفشل الشرع في ضبط الفصائل المسلحة التي يفترض أنها تدين له بالولاء. بعض هذه الفصائل المتفلّتة تعمل بشكل مستقل أو شبه مستقل، ولا تلتزم بشكل كامل بالأوامر المباشرة من الرئاسة، ما يجعل من الصعب السيطرة على تحركاتها. هذه الحالة من الفوضى المحلية تعكس هشاشة الترتيبات الأمنية التي بُني عليها النظام الجديد، كما تفتح الباب أمام صراعات داخلية تهدد بنسف ما تبقى من الاستقرار النسبي في مناطق النفوذ الحكومي.

في المقابل، من غير المستبعد أن يكون الشرع نفسه يرى في هذه الاشتباكات فرصة سياسية. فكون الفصائل المتورطة لا تتبع له رسمياً يمنحه هامشاً للمناورة أمام المجتمع الدولي، إذ يمكنه التنصل من مسؤوليتها عند اللزوم، مع الحفاظ في الوقت ذاته على مكاسب محتملة من هذه المواجهات. أبرز هذه المكاسب هي بسط السيطرة على المناطق القريبة من العاصمة، والتي كانت خارجة عن سيطرة الحكومة، وهو أمر لا يمكن لرئيس دمشق أن يتجاهله في سعيه لتثبيت شرعيته.

من زاوية أخرى، تتيح هذه المواجهات للشرع اختبار الموقف الإسرائيلي تجاه حماية الدروز. فإذا تبين أن إسرائيل غير مستعدة للدخول في مواجهة أو تقديم دعم جدي، فقد يرى النظام السوري أن الفرصة سانحة للتقدم نحو مناطق ذات غالبية درزية، وربما توسيع نفوذه باتجاه محافظة السويداء.

أما من جهة الدروز، فيبدو أنهم عازمون على التمسك بموقف دفاعي قوي، ليس فقط لحماية مناطقهم، بل لتسجيل موقف سياسي يظهر قدرتهم على الصمود وفرض شروطهم في أي تسوية مقبلة. هذا الصمود قد يدفع جهات دولية، خصوصاً إسرائيل، إلى زيادة دعمها لهم، وهو ما يعقد حسابات الشرع أكثر فأكثر.

المخاطر الحقيقية التي يواجهها الشرع لا تتوقف عند جرمانا. فاستمرار الاشتباكات لفترة طويلة قد يشجع قوى أخرى، مثل العلويين الذين لمّحوا من خلال بيان رامي مخلوف إلى إمكانية التحرك لاستعادة نفوذها، بالإضافة إلى الأكراد الذين قد يجدون اللحظة مؤاتية لإعلان قطيعة نهائية مع النظام.

بهذا المعنى، فإن جرمانا ليست مجرد اشتباك محلي، بل نقطة مفصلية في اختبار قدرة أحمد الشرع على الحكم، والسيطرة، والتماسك الوطني، في وقت لا تزال فيه شرعيته هشّة، وخصومه يراقبون عن كثب أي علامة ضعف.