فيما يستعدّ لبنان للجولة الأولى من انتخاباته البلدية والاختيارية التي تنطلق هذا الأحد من محافظة جبل لبنان، بغياب “ضمانات جدّية” بأنّ أيّ اعتداءات إسرائيلية لن تخرق صفوها، إن لم يكن هذا الأحد، فربما في محطّاتها المقبلة، يبدو أنّ المنطقة برمّتها “تغلي”، وكأنّها موضوعة على “فوهة بركان”، على وقع التطورات الدراماتيكية المتنقلة من غزة إلى سوريا مرورًا بلبنان، والجامع بين كلّ هذه الجبهات ليس سوى إسرائيل بطبيعة الحال.
يقول البعض إنّها “وحدة الساحات” التي لوّح بها محور الممانعة لأشهر طويلة، فطبّقتها إسرائيل ولا تزال، وهي التي تمضي إلى الأمام في كل مخططاتها ومشاريعها، لبلورة ما سُمّي بـ”اليوم التالي”، ليس فقط للعدوان على غزة، بل لحروب المنطقة برمّتها، يوم لا تزال معالمه غير واضحة ولا ناضجة، وإن كانت خطوطه العريضة قد حُدّدت إسرائيليًا بعناوين وشعارات لا تزال عصيّة عن التطبيق، ومنها السلام والتطبيع وإنهاء كلّ أشكال المقاومة.
ولعلّ المنعرج “الأخطر” في كلّ هذا المسار يتمثّل في ما شهدته سوريا في الأيام الأخيرة، من توترات طائفية ومذهبية، لم تتأخّر إسرائيل في الدخول على خطّها، وربما تأجيجها، بل هناك من يقول إنّها ربما “العقل المدبّر” لها، باعتبار أنّ مشاريع التقسيم والفتنة لطالما كانت هدفها الأول على كلّ خطوط الصراع، فإلى أين تتّجه المنطقة عمليًا وسط هذه الصورة “السوداوية”، وأيّ انعكاسات للمشهد “الملبّد” على لبنان الذي لم يقفل بعد صفحة الحرب الأخيرة؟!
ثلاث جبهات.. بقيادة واحدة؟!
قد لا يكون عصيًّا للمتابع للتطورات منذ “طوفان الأقصى”، ولكن بشكل خاص في الأسابيع الأخيرة، بل الأيام القليلة الماضية، أن يدرك أنّ الجبهات مفتوحة على مصراعيها بقيادة “مايسترو واحد”، إن صحّ التعبير، هو إسرائيل التي ترفض الاستسلام لأيّ تهدئة، بدليل ما يحصل في الجبهة اللبنانية، التي كان يفترض أن تهدأ بعد اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أدّى إلى انكفاء “حزب الله”، فإذا بالخروقات والاغتيالات الإسرائيلية لا تتوقف على خطّها.
وفي غزة أيضًا، تستمرّ حرب الإبادة الإسرائيلية التي تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء، وما كان يُصنّف “محظورات” في الماضي القريب، من دون أن تنجح الجهود الدبلوماسية في وضع حدّ لها، وإن شهدت محطات صعود وهبوط، لا تُفهَم معاييرها ومقاييسها، بل على النقيض من ذلك، تلوّح إسرائيل بزيادة وتيرة العمليات العسكرية أكثر، وفق ما قال رئيس الأركان إيال زامير، من دون أن تكترث بكلّ الأصوات الدولية والأممية الداعية لوقف فوري لإطلاق النار.
وفي سوريا، لا أحد يستطيع التنبؤ بالمسار الذي يمكن أن تأخذه الأمور، بعد موجات القتال الطائفي التي تتنقل بين المناطق، فبعد أحداث الساحل، أطلّت أحداث جرمانا برأسها، وما كادت السلطات تتحدّث عن اتفاقات وتفاهمات، حتى انفجرت الأمور في صحنايا بريف دمشق، وهو ما أدّى إلى “غليان درزي” قد لا يكون مسبوقًا على مستوى المنطقة كلّها، لم تتأخّر إسرائيل في “استغلاله” على طريقتها، رافعة شعار “حماية الأقليات”، والدروز في مقدّمتهم.
ماذا بعد؟
قد لا يكون سؤال “ماذا بعد؟” في مكانه الآن، في ضوء هذه التطورات “الدراماتيكية”، لكنّ الأكيد أنّ هناك مخطّطًا إسرائيليًا بدأ في السابع من تشرين الأول 2023، عقب عملية “طوفان الأقصى”، لكنه لن ينتهي على ما يبدو من دون فرض واقع جديد على مستوى المنطقة، على الرغم من التغييرات الجوهرية التي أحدثها في أكثر من مكان، خصوصًا على مستوى حركات المقاومة التي منيت بخسائر لم تكن تتوقعها أو تتحسّب لها.
ولعلّ الحديث عن “نصيب” لبنان من هذه التطورات، وانعكاساتها المحتملة عليه، ينطوي على الكثير من المبالغات، باعتبار أنّ لبنان أساسًا في “صلب” هذه المعركة، وهو الذي لم يخرج بعد من الحرب الإسرائيلية عليه، ولو أبرم اتفاقًا لوقف إطلاق النار، لا يبدو أنّ لدى أحد القدرة على إلزام إسرائيل على الالتزام به، في ظلّ استمرار احتلال جزء من أراضيه، والاعتداءات الإسرائيلية اليومية على سيادته، ربما بانتظار تنفيذ البنود الكبرى، وعلى رأسها نزع السلاح.
وإذا كان لبنان يستعدّ لمواجهة هذا الاستحقاق الكبير على المستوى الداخلي، بانتظار انطلاق الحوار بين رئيس الجمهورية جوزاف عون و”حزب الله” فيما خصّ الاستراتيجية الدفاعية، التي يُراد منها سحب السلاح، فإنّه ليس بمنأى عن تداعيات التوترات الطائفية في سوريا، وقد لعب “الحزب التقدمي الاشتراكي” مثلاً دورًا جوهريًا في محاولة إخماد نيرانها، وهو العارف بخطورة ما يجرى، خصوصًا إذا تطوّر، واستغلّه الإسرائيليون لتحقيق أهدافهم الفتنوية.
من غير الوارد “تسخيف” ما يجري على مستوى المنطقة، أو حصره في خانة قوى بعينها، خصوصًا في محور المقاومة، تريد إسرائيل القضاء عليها، فما يجري أكبر من ذلك بكثير، وهو يتّصل بطبيعة الأنظمة القائمة في المنطقة بشكل مباشر. ولذلك، فإنّ المطلوب التصدّي لكل المخططات التقسيمية والفتنوية، وهو يبقى ممكنًا، إذا ما اتّحدت دول المنطقة، وأدركت أنّ الخطر الذي تواجهه واحد، والمطامع لا تقف عند حدود…