شهدت المنطقة في الأيام القليلة الماضية تصعيدًا متسارعًا وتحولات مفصلية، تعكس تداخلًا معقدًا بين الأطراف الإقليمية والدولية، وخصوصًا بين الولايات المتحدة، إسرائيل، واليمن.
أبرز ما ميّز هذه المرحلة هو ما يمكن وصفه انخراط اسرائيل بالقصف المباشر على اليمن، بعد دخول اليمن كلاعب مباشر في التوازنات الإقليمية من بوابة التهديد بإغلاق المجال الجوي والبحري الإسـرائيلي.
ففي تطور غير مسبوق، قصفت إسرائيل مطار صنعاء، في إشارة إلى تصعيدها تجاه الحوثيين، ما استدعى ردًا قويًا من صنعاء التي هددت بإغلاق الأجواء أمام الطيران الإسـرائيلي، في ما يمكن اعتباره تطورًا خطيرًا قد يجر المنطقة إلى مستوى جديد من التصعيد غير المسبوق. التهديد اليمني جاء هذه المرة مدعومًا بثقة عالية، ويعكس قراءة يمنية بأن إســرائيل باتت في موقع دفاعي في بعض الجبهات.
في موازاة هذا التصعيد، جاءت خطوة مفاجئة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر وقف الضربات الأميركية على اليمن من دون أي تنسيق ظاهر مع إســرائيل. هذه الخطوة، التي وُصفت بأنها “ترامبية” بامتياز، شكّلت مؤشراً واضحاً على تراجع أميركي في الملف اليمني، وربما تعبيراً عن رغبة أميركية في تهدئة الساحة لتمرير مفاوضات مرتقبة مع إيران.
الضربة “الترامبية” – إن صح التعبير – أربكت المشهد، وأظهرت بعض التباين بين واشنطن وتل أبيب، خاصة أن التصعيد الإسـرائيلي لم يتوقف، بل استمر في اتجاه لبنان وغزة، عبر استهداف مناطق في البقاع وجنوب البلاد خلال اليومين الماضيين، في رسالة مفادها أن تل أبيب مستعدة للذهاب بعيدًا، وربما تستعمل الورقة اللبنانية لعرقلة أي تفاهم اميركي- إيراني.
بحسب مصادر مطلعة، فإن عُمان، التي تلعب دور الوسيط التقليدي، ستعلن قريبًا موعد الجلسة الجديدة من المفاوضات بين طهران وواشنطن التي ستكون الاسبوع المقبل، ما يؤشر إلى عودة الايجابية للمسار التفاوضي. غير أن تصعيد نتنياهو المتفلت من بعض التوجهات الأميركية، قد يدفع واشنطن إلى إعادة النظر في طريقة إدارتها للملف، خصوصًا إذا ما استمرت إسـرائيل في استخدام التصعيد كورقة ضغط ميدانية.
تمر المنطقة في حظة دقيقة قد تُفتح فيها نافذة مفاوضات أميركية إيرانية، ولكن على وقع تهديدات جوية من اليمن وتصعيد عسكري من إســرائيل، ما يضع المنطقة كلها أمام مفترق خطير.