ذكر موقع “The Conversation” الأسترالي أن “الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أعلن أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية في 14 أيار 2025، أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات عن سوريا. ومثّل هذا التحول انتصارًا كبيرًا لحكومة الرئيس السوري أحمد الشرع في سعيه لتعزيز سلطته بعد قرابة ستة أشهر من الإطاحة المذهلة التي حققتها حركته بنظام بشار الأسد الذي حكم البلاد لعقود. وعند إعلانه عن هذا الخبر، عزا ترامب هذا التغيير إلى حد كبير إلى مضيفيه السعوديين وتركيا. فكلا البلدين خصمان قديمان للأسد، وقد سارعا إلى دعم الشرع، ويضغطان على الولايات المتحدة لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة. إن تركيا، التي تأثرت مواردها وأراضيها بشدة بعدم الاستقرار في سوريا المجاورة، لعبت دورًا محوريًا في دفع ترامب لقبول حكومة ما بعد الأسد، حتى رغم اعتراضات إسرائيل”.
وبحسب الموقع، “إن التطورات في سوريا تشير إلى الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه قوة صغيرة إلى متوسطة مثل تركيا في الشؤون الإقليمية والدولية، وينطبق هذا بشكل خاص على الشرق الأوسط، حيث يُنظر إلى قوى عالمية مثل الولايات المتحدة على نفوذها آخذ بالتراجع، وأحيانًا لا يمكن التنبؤ بما سيصدر عنها. بعد 13 عامًا من الحرب الأهلية المدمرة، تواجه سوريا تحديات جسيمة، منها مهمة بناء الدولة بشكل عاجل. ولا يقتصر الأمر على أن البلاد لا تزال تشهد موجات عنف داخلية مستمرة، بل إن إسرائيل المجاورة هاجمت مواقع في سوريا مرارًا وتكرارًا في محاولة لإضعاف الحكومة الجديدة. بالنسبة للحكومة الإسرائيلية، ستشكل سوريا قوية ومسلحة تهديدًا، لا سيما في ما يتعلق بالحدود غير المستقرة في مرتفعات الجولان. ورغم القضايا التي تواجه الحكومة السورية الجديدة، فقد أظهرت مع ذلك قدرة ملحوظة على اكتساب القبول الدولي، وهي حقيقة جديرة بالملاحظة نظراً لارتباط قيادة الشرع بهيئة تحرير الشام، وهي جماعة مرتبطة سابقاً بتنظيم القاعدة ومدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في الولايات المتحدة منذ عام 2014”.
وتابع الموقع، “في هذا السياق، كان للتدخل التركي أهمية خاصة. فمنذ تولي ترامب منصبه، ضغط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الرئيس الأميركي لرفع العقوبات، وقد نشأت بين الرجلين علاقة قوية خلال إدارة ترامب الأولى، حيث أعلن الرئيس الأميركي أنه “معجب كبير” بالزعيم التركي. ويمكن اعتبار الدبلوماسية التركية الخفية جزءًا من جهودها الأوسع لملء الفراغ الذي خلّفه سقوط الأسد. وهذا لا يعزز مكانة أردوغان كلاعب إقليمي فحسب، بل يُعزز أيضًا أجندته المحلية”.
وأضاف الموقع، “تحركت تركيا بسرعة على جبهات عديدة لرسم مسار مستقبل سوريا من خلال تنفيذ مشاريع اقتصادية وأمنية فيها. وفي المقام الأول، عززت تركيا استثماراتها في سوريا. وكما فعلت في كل من ليبيا والصومال، ساهمت تركيا في تدريب وتجهيز قوات الأمن السورية الجديدة. وفي محافظة إدلب، شمال شرق سوريا، تُموّل تركيا التعليم والرعاية الصحية والكهرباء، والليرة التركية هي العملة السائدة في شمال غرب سوريا. وفي الحقيقة، تكمن جذور هذه التعهدات في اهتمام تركيا بإدارة وضعها الأمني بنفسها. فمنذ عام 1984، تقاتل تركيا الجماعات الانفصالية الكردية، وأبرزها حزب العمال الكردستاني، أو PKK، الذي يتحالف مع ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا، وهي إحدى الجماعات التي قاتلت قوات الأسد خلال الحرب الأهلية السورية”.
وبحسب الموقع، “أدى سقوط الأسد إلى انسحاب روسيا من سوريا. وفي غضون ذلك، تراجع النفوذ الإيراني أيضًا نتيجةً ليس فقط لرحيل الأسد، بل أيضًا لتراجع الدور العسكري لحزب الله في لبنان المجاور، كما ولم تعد الولايات المتحدة تدعم وحدات حماية الشعب الكردية بنشاط في شمال شرق سوريا. وفي خضم هذا الفراغ من النفوذ الخارجي، سارعت تركيا إلى انتهاز الفرصة لإعادة تشكيل المشهد الأمني. ووافقت أنقرة، التي لا تزال تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال شرق سوريا نتيجة القتال ضد الأسد والجماعات الكردية السورية، على خطة سورية لدمج وحدات حماية الشعب، الجناح المسلح لقوات سوريا الديمقراطية الكردية، في الجيش السوري الجديد. ويسعى حزب العمال الكردستاني الآن إلى تحقيق السلام مع الحكومة التركية، لكن من غير المؤكد ما إذا كانت قوات سوريا الديمقراطية ستُسلّم سلاحها وتُحلّ نفسها في سوريا. لذا، قد يكون وجود حكومة سورية قوية ومستقرة تضم أغلبية كردية في صالح أنقرة”.
وتابع الموقع، “في غضون ذلك، من شأن نجاح الشرع في إعادة إعمار سوريا بعد الحرب الأهلية أن يُساعد تركيا على صعيد آخر، ألا وهو قضية اللاجئين السوريين. وتستضيف تركيا حاليًا حوالي 3.2 مليون لاجئ من سوريا، وهو العدد الأكبر بين دول العالم. وقد أثقل العدد الهائل لهؤلاء النازحين وطول مدة إقامتهم كاهل الاقتصاد التركي وعلاقاته الاجتماعية، مما أدى إلى صدامات بين الأتراك واللاجئين السوريين. وهناك إجماع واسع في تركيا على أن مشكلة اللاجئين السوريين في البلاد لا يمكن حلها إلا من خلال استراتيجية عودة شاملة. وعلى الرغم من أن السوريين المُجنسين في تركيا يُشكلون شريحةً مهمةً من قاعدة ناخبي حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان، إلا أن الحل الوحيد الذي يتبناه الرئيس التركي وحلفاؤه حاليًا هو إعادتهم إلى وطنهم. ولتحقيق ذلك، يُعتبر التطوير السريع والمستقر للبنية التحتية في سوريا أمرًا بالغ الأهمية”.
وبحسب الموقع، “مع ذلك، لا تخلو الفرصة الاستراتيجية لتركيا في سوريا من مخاطر واضحة، وتُبرز توغلات الجيش الإسرائيلي التحدي الذي تواجهه تركيا في تعزيز مصالحها في سوريا. ومن الجدير بالذكر أن إعلان ترامب بشأن العقوبات صدر على ما يبدو دون علم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وضد رغبته. إضافةً إلى ذلك، تسعى تركيا إلى استغلال دورها المتنامي في المنطقة لتعزيز موقفها في النزاع الطويل الأمد في قبرص. ولا تزال التحركات التركية في سوريا محسوسة على نطاق واسع في أماكن أخرى. وتدعم دول عربية، مثل السعودية وقطر، ترتيبات ما بعد الأسد في سوريا، وترى أن مصالحها الخاصة تتماشى مع مصالح تركيا، على الرغم من أن تنافس العالم السني على المحك. سيكون لرفع العقوبات الأميركية آثار سياسية طويلة المدى تتجاوز آثارها الاقتصادية القصيرة المدى. فسوريا لديها تجارة مباشرة محدودة مع الولايات المتحدة، وتقتصر صادراتها على المنتجات الزراعية والتحف، لكن ظهور الشرعية السياسية والاعتراف بها يُعدّ مكسبًا دبلوماسيًا لتركيا، وكذلك لسوريا. فالانفتاح السياسي يحمل معه وعودًا باستثمارات مستقبلية في سوريا”.
وختم الموقع، “يُظهر تعامل تركيا مع سوريا كيف يُمكن للقوى الصغيرة والمتوسطة أن تُسيطر على مجريات الأمور في عالم السياسة بطريقتها الخاصة. ويبدو أن عهد هيمنة القوى العظمى على الشؤون الدولية قد ولّى، كما توقع الكثيرون منذ زمن طويل. وفي سوريا، تُقدم تركيا نموذجًا يُحتذى به لكيفية استغلال القوى الصغيرة والمتوسطة لذلك لصالحها”.