في مشهد لم يكن يتوقعه كثيرون، صعد إيلون ماسك إلى خشبة المسرح في السادس من تشرين الأول 2024 إلى جانب دونالد ترامب، المرشح الرئاسي الجمهوري حينها، وسط تصفيق حار من أنصاره. وصفه ترامب بأنه “رجل رائع حقاً”، بينما اعتبر ماسك أن تلك الانتخابات هي “الأهم في حياتنا”. لم يكن ذلك مجرد تصريح عابر، بل بداية لتحالف سياسي واقتصادي غير مسبوق بين أغنى رجل في العالم والرئيس الأميركي الأكثر إثارةً للجدل في العصر الحديث.
تحول ماسك من رمز للكفاءة إلى خاسر للرهان، فبعدما كانت تطلعاته تشير إلى دور بارز في إدارة الولاية الثانية لترامب، ووعد بخفض الإنفاق الحكومي بحوالي تريليوني دولارجاءت الخسارة على مستويين؛ الأول فشله في الوفاء بوعوده بشأن خفض الإنفاق وتعزيز كفاءة الحكومة وإنتاجيتها، والثاني تراجع أسهم “تسلا”، جوهرة تاج شركاته، قبل أن تستعيد جزءاً من خسائرها. كما شهدت شركات أخرى مثل “سبيس إكس” تراجعاً في الأداء، وصولاً إلى الأزمة التقنية التي واجهتها منصة “إكس”، وكانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر ماسك وجعلته يدرك حجم الخسائر التي تكبدها بعد توجيه تركيزه إلى السياسة.
حلاوة البدايات: من دعم مالي إلى دور سياسي
قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض مجدداً، بدأ ماسك بالتغلغل في قلب المشهد السياسي عبر أدوات نفوذه الهائلة. ففي 20 تشرين الاول، أعلن عن إطلاق مبادرة عبر “لجنة العمل السياسي الأميركية” لتوزيع مليون دولار يومياً على ناخبين في الولايات المتأرجحة، في محاولة مبتكرة لتحفيز الإقبال الانتخابي المؤيد لترمب. كما ضخ ماسك أكثر من 75 مليون دولار لدعم الجمهوريين، مستغلاً منصته “إكس” كأداة ترويجية ضخمة.
لكن طموحه لم يقف عند حد التمويل؛ ففي تصريحات تزامنت مع إعلان أرباح “تسلا” في 24 تشرين الاول، قال ماسك صراحة إنه يسعى للحصول على منصب حكومي يسمح له بتغيير القوانين التنظيمية للسيارات ذاتية القيادة. وكان ذلك بمثابة إعلان نوايا واضح لما هو قادم.
تعيين مثير للجدل
في 13 تشرين الثاني، أعلن الرئيس ترامب عن تعيين ماسك إلى جانب رجل الأعمال فيفيك راماسوامي على رأس وزارة جديدة تحمل اسم “وزارة الكفاءة الحكومية”. مهمتها، بحسب ترمب، كانت “تفكيك البيروقراطية وتقليص الإنفاق”، لكن خلف هذا العنوان البراق، اختبأت تعقيدات وصدامات لم تتأخر في الظهور.
وعد ماسك بخفض تريليوني دولار من الميزانية الفيدرالية، في وقت لم تتجاوز فيه ميزانية معظم الوكالات هذا الرقم مجتمعة. وطالت مقترحاته برامج حساسة كالرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، ما فجر عاصفة سياسية، وبدأت وسائل الإعلام بوصفه بـ”قيصر الكفاءة” تارة، و”مخرب النظام الاجتماعي” تارة أخرى.
كما شهدت ثروة ماسك تقلبات حادة خلال فترة ارتباطه بحكومة ترمب، حيث بلغت عشية الانتخابات الأميركية في 1 تشرين الثاني 2024 نحو 285 مليار دولار. وبعد فوز ترمب وصعود أسهم “تسلا” و”xAI”، قفزت ثروته إلى 347.8 مليار دولار بحلول 23 تشرين الثاني. وفي 11 كانون الاول من العام نفسه، وصلت ثروته إلى ذروتها متجاوزة حاجز الـ400 مليار دولار، مسجلة أعلى مستوى لها على الإطلاق.
ومع نهاية فترته في الحكومة، تبلغ ثروته الآن 368 مليار دولار وفقاً لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات، ويعود الفضل في هذا الصعود إلى تعافي أسهم “تسلا” مؤخراً وبلوغها قيمة سوقية تناهز 1.15 تريليون دولار أميركي.
منذ الأيام الأولى لتوليه المنصب، اصطدم ماسك بعدد من الوزراء والمسؤولين، خصوصاً داخل البنتاغون ووزارة الصحة. فرفضهم لتدخلاته في مجالات لا يمتلك خبرة تقنية فيها، زاد التوتر، ووصلت الخلافات إلى وسائل الإعلام. كما فشل في تمرير خطة إصلاحية شاملة تتضمن تحويل آلاف الموظفين الفيدراليين إلى عقود مؤقتة، ما أثار غضب النقابات.
إيلون ماسك، الذي دعم حملة ترمب الانتخابية بأكثر من 130 مليون دولار، كان صاحب الخسارة الأكبر في ثروته منذ التنصيب وحتى 10 آذار الماضي بواقع 148 مليار دولار، لتصل ثروته إلى 301 مليار دولار. لكنه منذ ذلك الحين عوّض حوالي نصف خسائره بفضل تعافي أسهم “تسلا” لتبلغ ثروته اليوم 368 مليار دولار.
إيلون ماسك، الذي دعم حملة ترامب الانتخابية بأكثر من 130 مليون دولار، كان صاحب الخسارة الأكبر في ثروته منذ التنصيب وحتى 10 آذار الماضي بواقع 148 مليار دولار، لتصل ثروته إلى 301 مليار دولار. لكنه منذ ذلك الحين عوّض حوالي نصف خسائره بفضل تعافي أسهم “تسلا” لتبلغ ثروته اليوم 368 مليار دولار.
في المقابل، أصر على تسريع تشريعات تدعم سيارات “تسلا” ذاتية القيادة، بل وعرض إصدار قانون يتيح سيرها على الطرق العامة دون عجلة قيادة أو دواسات. هذا القانون قوبل برفض واسع من المشرعين والمنظمات الأمنية، وانتهى إلى طعن دستوري ضده أمام المحاكم.
خسائر تجارية واتهامات تضارب مصالح
رغم الارتفاع الكبير في قيمة أسهم “تسلا” بعد فوز ترمب، فإن الرياح لم تسر دائماً بما تشتهي سفن ماسك. فقد أثار دوره الحكومي تساؤلات قانونية حول تضارب المصالح، خاصة بعد تقارير أفادت بأن وزارة “الكفاءة الحكومية” منحت تسهيلات ضريبية لشركاته.
في تشرين الثاني، بدأت سلسلة من الدعاوى القضائية تتهمه باستخدام منصبه للتأثير على قرارات تتعلق بشركتي “تسلا” و”سبيس إكس”. كما ظهرت تقارير عن تعطل مشاريع البنية التحتية بسبب قرارات اتخذها دون الرجوع إلى الخبراء الفنيين، وهو ما أدى إلى تأخرات وخسائر تُقدر بمئات الملايين.
أكثر ما أثار الجدل كان منح عقود اتصالات حكومية إلى “ستارلينك”، رغم توافر بدائل تقنية من شركات أخرى. وتنظر المحاكم حالياً فيما إذا كان ذلك يمثل خرقاً لقوانين المنافسة.
مشهد النهاية.. الانسحاب الصامت
في 28 أيار، أعلن ماسك أن فترة عمله كمستشار رسمي للرئيس دونالد ترامب تقترب من نهايتها، مثيراً تساؤلات حول مستقبل “إدارة الكفاءة الحكومية” (DOGE) التي قادها.
وكتب ماسك على منصته الاجتماعية “إكس”: “مع اقتراب نهاية مدتي المجدولة كموظف حكومي خاص، أود أن أشكر الرئيس ترامب على الفرصة التي منحني إياها لتقليص الإنفاق غير الضروري”، مضيفاً: “ستزداد قوة مهمة إدارة الكفاءة الحكومية مع الوقت لتصبح أسلوب حياة داخل الحكومة”.
وقبلها بيوم، انتقد ماسك ترامب علناً لأول مرة منذ تحالفهما السياسي بسبب مشروع قانون الضرائب الضخم الذي اقترحه الرئيس دونالد ترمب، وتمكّن مجلس النواب الأميركي من تمريره بصعوبة.
المنصب الحكومي طار وربع الثروة تبخر.. ماسك يخسر 113 مليار دولار في 100 يوم
واليوم يُسدل الستار على رحلة ماسك في الحكومة لتنتهي كما بدأت: مثيرة، مفاجئة، ومثقلة بالأسئلة.
رحلة ماسك داخل حكومة ترمب:
-تشرين الاول 2024: ماسك يظهر لأول مرة على المسرح مع ترامب ويعلن دعمه له في الانتخابات.
24 تشرين الاول 2024: ماسك يعلن نيته الدفع نحو تنظيم وطني للسيارات ذاتية القيادة في حال توليه منصباً حكومياً.
5 تشرين الثاني 2024: فوز ترمب في الانتخابات الأميركية وارتفاع أسهم تسلا بنسبة 15%.
13 تشرين الثاني 2024: ترمب يعلن تعيين ماسك وزيراً للكفاءة الحكومية إلى جانب فيفيك راماسوامي.
29 تشرين الثاني 2024: انطلاق موجة غضب جماهيري واسعة من تحالف ترمب وماسك بسبب تضارب المصالح.
30 أيار 2025: إسدال الستار على فترة عمل ماسك في حكومة ترامب. (بلومبرغ)