هذا ما تسعى إليه واشنطن في منطقة الشرق الأوسط

20 يونيو 2025
هذا ما تسعى إليه واشنطن في منطقة الشرق الأوسط


في عالم التوازات القائمة على المصالح الاقتصادية في الدرجة الأولى وقبل أي شيء آخر، يمكن ، بحسب أوساط ديبلوماسية، فهم لماذا تسمح الولايات المتحدة الأميركية بأن تهتزّ صورة إسرائيل في حربها المفتوحة مع إيران، وإن كانت تميل إلى عدم تعريضها لخطر وجودي، مع ما تمدّها بما يلزمها من صواريخ غير تلك القادرة على توجيه ضربة قاصمة وفاصلة للمفاعل النووية الإيرانية، التي لا تزال حتى هذه الساعة في منأى عن الصواريخ التقليدية، التي تستخدمها تل أبيب في حرب المواجهة هذه.








فالحسابات الأميركية في ميزان الربح والخسارة لا تُقاس عادة بما سينتج عن الحرب الدائرة رحاها بين إسرائيل وإيران، بل بما يمكّنها من فرض شروطها التفاوضية عندما تقتنع طهران بأنها غير قادرة على تغيير الشيء الكثير في المعادلات القائمة حاليًا، وهي ستجد نفسها مضطّرة في نهاية المطاف للتسليم بما هو مكتوب بالحبر الأميركي، وبالتالي فإن واشنطن تتعاطى مع المعطيات الميدانية، كل يوم بيومه،بما يتوافر لها من تقارير استخباراتية عن قدرة إسرائيل على الاحتمال، وهي التي ستجد نفسها مضطّرة أيضًا للرضوخ لما تسعى إليه الولايات المتحدة الأميركية،وذلك انطلاقًا من الكلام، الذي لا يزال يردّده رئيسها دونالد ترامب عن السلام في العالم، وفق نظرته الخاصة إلى هذا السلام القائم في الأساس على المصالح الأميركية في الدرجة الأولى.

ولكي يتمكّن الرئيس ترامب، ودائمًا، وفق ما تراه الأوساط الديبلوماسية ذاتها، من تحقيق ما يسعى إليه، لا بدّ له من إيجاد الأرضية المشتركة لجلوس تل أبيب على طاولة المفاوضات المفتوحة من دون شروط مسبقة إلاّ بما يتلاءم مع المصلحة العليا لأميركا .

فإذا بقيت إسرائيل مصرّة على القول بأنها “القوة التي لا تُقهر”، فإن إمكانات نجاح التفاوض المستقبلي تبقى ضئيلة. إمّا إذا اهتزّت صورتها، ولو بعض الشيء، من دون أن يعني ذلك هزيمتها، فإن ذلك قد يسهّل على الرئيس الأميركي مهمة إقناعها، كما طهران، بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، التي ستتغيّر ظروفها وطبيعتها بعد هذه الحرب، باعتبار أن كلًا من إسرائيل وإيران قد أصبحتا في خضمّ المعادلات الإقليمية، التي يستحيل على أميركا التوصّل إلى تسوية على “الطريقة اللبنانية”، بحيث لا يموت الذئب الاسرائيلي ولا يفنى الغنم الإيراني” ما لم تشاركا في هذه المفاوضات غير المباشرة بالتأكيد، وبواسطة عُمانية أيضًا، باعتبارها أن سلطنة عُمان هي الدولة المضيفة للمفاوضات السابقة بين واشنطن وطهران، والمرشّحة لأن تلعب أدوارًا توافقية في المرحلة المقبلة.

من هنا، فإن هذه الأوساط تعتقد أن نظرية “إيران المغلولة اليد”، و”إسرائيل المنكسرة الخاطر”، من شأنها أن تسمح لواشنطن بأن يكون لها الكلمة الفصل في إيجاد حل مستدام في منطقة تغلي منذ أكثر من ثلاثة عقود على التوالي، وذلك انطلاقًا من “حلّ الدولتين”، بحيث يكون للفلسطينيين دولتهم المعترف بها دوليًا، والمتطابقة شروط هذا الحلّ مع ما يضمن لإسرائيل ولدول الجوار استقرارًا قائمًا على التسويات الممكنة والمتاحة.

فبدخول إيران في حرب المواجهة مع إسرائيل تكون قد حجزت لها مقعدًا متقدّمًا عندما يحين أوان التسويات الكبرى، وتكون بالتالي قد ضمنت لنفسها بأن تكون من بين الدول الإقليمية المؤثرّة من حيث تقاسم النفوذ مع كل من المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا. ولكن هذا الأمر يفرض عليها التنازل عن طموحاتها في امتلاك قوة نووية ناشطة، وحصر الاستعمال النووي بالقضايا المدنية.

وهذا الأمر قد يسهّل أيضًا على دول الجوار، ومن بينها سوريا ولبنان، عملية الدخول في خطّة متكاملة لسلام هو أشبه بـ “التطبيع” الممنهج غير الفاقع الألوان، خصوصًا أن ما تلقاه سوريا من دعم أميركي على أثر رفع العقوبات عنها يجعلها أقرب إلى هذه المعادلة أكثر من لبنان، الذي يُقال إنه آخر بلد عربي قد يوقّع اتفاقية سلام مع إسرائيل، التي تبقى بالنسبة إلى جميع اللبنانيين العدّو الأوحد، الذي له مطامع بلبنان، والذي عانى منه أبشع أنواع الحروب على مدى سنوات، حتى قبل قيام “حزب الله”.