لا شكّ أنّ الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية شكّل ما يصحّ وصفه بـ”نقطة التحوّل” على خط الحرب التي بدأتها إسرائيل ضدّ طهران، بمعزل عن نتائجه التي لم تُعرَف بدقّة بعد، في ضوء الشكوك التي يبديها البعض بكلام الرئيس دونالد ترامب عن “نجاح باهر” في تدمير البرنامج النووي الإيراني، أقلّه على المستوى الاستراتيجي، وفي غياب أيّ معلومات مؤكّدة أو مثبّتة من الجانب الإيراني على الأقلّ بهذا الخصوص.
وخير دليل على أنّ الهجوم شكّل “نقطة تحول” يكمن في التسريبات الصحفية التي أعقبته مباشرةً حول الاستعداد الإسرائيلي لإنهاء الحرب فورًا، ليأتي الردّ “سلبيًا” من الجانب الإيراني، وفقًا للتسريبات نفسها، باعتبار أنّ ما بعد العدوان الأميركي على منشآتها النووية ليس كما قبله، وأنّ الردّ عليه هو “واجب”، وليس مجرّد “خيار”، وهو ما ترجمته طهران مساء الإثنين، بالهجوم على قاعدة العديد الجوية في دولة قطر.
لكن بخلاف الهجوم الأميركي الذي بقيت نتائجه “غامضة”، بدت نتائج الردّ الإيراني واضحة، فالدفاعات الجوية القطرية تصدّت لمعظم الصواريخ الإيرانية، فيما سقط صاروخ واحد في أرضٍ فارغة، لكنّ أهميته تبقى في رأي كثيرين في “رمزيّته”، في الشكل والمضمون، وإن أدّى إلى مخاوف من أن يُدخِل المنطقة برمّتها في فوهة البركان، لكنها مخاوف سرعان ما تبدّدت، مع تكشّف معالم “صفقة” لوقف إطلاق النار، دخلت حيّز التنفيذ سريعًا!
ردّ “رمزيّ”
في قراءة أولية للرد الإيراني على الهجوم الأميركي، يقول العارفون إنّ “رمزيّته” تكمن أولاً في رسالة أرادت إيران إيصالها للجميع، بأنّ أيّ اعتداء عليها لا يمكن أن يمرّ من دون ردّ، بمعزل عن مدى “التناسب” بين الهجوم والردّ، باعتبار أنّ الهجوم على قاعدة أميركية كانت قد أخليت من موظّفيها تحسّبًا لهجوم محتمل، لا يُقارَن بهجوم على المنشآت النووية يهدف عمليًا إلى تدميرها ومحوها بالكامل، وفق ما صرّح الرئيس دونالد ترامب.
ولعلّ هذه الرسالة تجلّت بوضوح في التسريبات الصحفية التي تكاثرت في اليومين الماضيين، بعد الهجوم الأميركي على المنشآت النووية الإيرانية، عن وساطات ودعوات لوقف إطلاق النار، لإنهاء سفك الدماء، إلا أنّ إيران رفضت التجاوب معها، قبل أن تردّ على الهجوم الأميركي الذي استهدفها، علمًا أن المفارقة أنّ إيران تقول إنّها لم تكن ترغب بالحرب، وأنّها فُرِضت عليها، في حين أنّ الذي فرضها هو الذي يسعى لإنهائها اليوم.
وإذا كان طبيعيًا أن تسارع دولة قطر إلى إدانة الاعتداء على القاعدة الأميركية الواقعة في نطاقها، وتحتفظ لنفسها بحق الردّ عليه بالسبل القانونية، وكذلك الحال بالنسبة لمختلف الدول العربية، فإنّ اللافت كان أنّ إيران تعمّدت أن تؤكد في بياناتها الرسمية أنّ الهجوم لا يستهدف دولة قطر التي وصفتها بالشقيقة، وشعبها الكريم، بل إنّ هناك من أشار إلى أنّ الإيرانيين أبلغوا القطريين مسبقًا عن الهجوم بطريقة ما، ما يفسّر وقف قطر لحركة الملاحة بشكل مفاجئ.
“خطورة” الاستهداف
بعيدًا عن “رمزية” الهجوم الإيراني ودلالاته، ثمّة من قرأ فيه في الشكل قبل المضمون، “خطورة” قد لا تكون مسبوقة، فاستهداف دولة قطر بالتحديد، بغضّ النظر عن النوايا، لا يبدو أمرًا عاديًا، علمًا أنّ الهجمات الإيرانية ضدّ القواعد الأميركية كانت تحصل في معظم الأحيان على العراق، وتحديدًا على قاعدة عين الأسد، لكن لماذا اختيار قطر بالتحديد، وهي التي لطالما شكّلت “قناة حوار” بين الإيرانيّين والأميركيين وغيرهم؟
هنا، سارع البعض إلى نسج العديد من السيناريوهات، فهناك من اعتبر أنّ ما جرى يمكن أن يكون مؤشرًا على أنّ الحرب ستتصاعد، وأنّ دول الإقليم أصبحت جزءًا منها بشكل أو بآخر، علمًا أنّ الأنباء عن هجوم على قاعدة العديد في قطر، ترافقت مع استنفار واسع على خط العراق والكويت والبحرين، وسط خشية من هجوم يستهدف مجموعة دول دفعة واحدة، بما يحقّق فرضية “الحرب الشاملة” التي كان كثيرون يخشون منها منذ اليوم الأول.
لكن، سرعان ما تبدّدت هذه الفرضية، مقابل السيناريو الأكثر واقعيّة، وهو أن يكون الردّ الإيراني “الرمزيّ” بمثابة “توطئة” لوقف إطلاق النار، وهو ما عزّزه الموقف الفوري للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي وصفه بالضعيف جدًا، حتى إنّه شكر إيران على “الإشعار المبكر”، ودعاها إلى الاتجاه نحو السلام والوئام في المنطقة، وقال إنه سيشجّع إسرائيل على أن تفعل الشيء نفسه، وهو أقرن القول بالفعل، ليعلن بعد ذلك عن اتفاق لوقف لإطلاق النار.
هل انتهت فعليًا الحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران، مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، أم أنّ جولة أخرى بالانتظار؟ هل تعود مختلف الأطراف إلى طاولة المفاوضات، أم أنّ الحوار بات بلا قيمة ؟ أسئلة كثيرة يُعتقَد أنها ستُطرَح في الساعات المقبلة في محاولة لتقييم عشرة أيام من الحرب والقتال، لكنّها لن تحجب السؤال “الأكبر” الذي أضحى “لغزًا”: ما الذي حلّ بالبرنامج النووي الإيراني، وهل دُمّر فعلاً؟!