ذكر موقع “سكاي نيوز عربية” أنه في أعقاب الضربات العسكرية الأميركية والإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، يبدو أن مرحلة ما بعد الهدنة لم تحمل مؤشرات واضحة على التهدئة أو العودة السريعة للمفاوضات، بل كشفت عن تصعيد من نوع آخر.. حرب استخباراتية سرّية تخاض تحت سطح الأحداث العلنية، وسط ضباب كثيف من الشكوك والانكشافات الأمنية، والصراع المستمر على كسب الحرب دون إعلانها.
وفي خضم هذا المشهد المعقد، جاء تصريح مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، ليؤكد أن الوضع لم يعد قابلا للمراوغة أو التجاهل، قائلا: “علينا العودة للتعاون.. لكن لنفعل ذلك بكرامة”.
رسالة غروسي حملت نبرة تصالحية، لكنها في الوقت ذاته، أشارت ضمناً إلى خطورة المرحلة التي تلت الضربات الجوية. فالمفتشون لم يعودوا قادرين على تقييم آثار العدوان دون ضمانات ميدانية، وإيران، من جهتها، أعلنت أنها اتخذت “إجراءات وقائية” دون الإفصاح عن طبيعتها.
هذا الغموض، بحسب غروسي، يزيد من أهمية الحوار ويجعل من العودة إلى طاولة المفاوضات ضرورة حتمية، لا خياراً سياسياً.
من طهران، أكد الباحث السياسي صالح القزويني أن الثقة بين إيران وواشنطن “معدومة أكثر من أي وقت مضى”، خصوصاً بعد الضربات الأخيرة.
ورغم أنه لم يغلق الباب أمام التفاوض، إلا أنه أوضح أن طهران لن تعود إلى الطاولة بذات المنطق السابق، بل “ستضع شروطها هذه المرة”، وعلى رأسها رفع العقوبات والاعتراف بحق إيران في برنامجها النووي.
ورأى القزويني أن واشنطن، بعد فشلها في وقف البرنامج عبر المفاوضات، لجأت للخيار العسكري دون أن تحقق هدفها. وهو ما يطرح، وفقًا له، سؤالاً جوهرياً: إذا كان البرنامج قد دُمر كما تدعي واشنطن وتل أبيب، فلماذا الإصرار على العودة للتفاوض؟ ولماذا استمرار العمل الاستخباراتي المكثف؟ الأسئلة التي تُبقي البرنامج الإيراني في دائرة الشك والغموض.
وفي تصعيد لافت، أشار القزويني إلى قرار البرلمان الإيراني بوقف التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معتبراً أن ذلك يعكس مدى استياء طهران من الدور الذي لعبته الوكالة.
فبحسب القزويني، إيران لا تنظر إلى غروسي ولا إلى الترويكا الأوروبية كـ”وسطاء نزيهين”، بل كأطراف “مهدت للعدوان الإسرائيلي الأميركي”، وهو ما زاد من تعقيد المشهد الدبلوماسي.
من واشنطن، اعتبر الباحث السياسي إيهاب عباس أن تصريحات ترامب المتفائلة بشأن التفاوض تشبه “خطاب رجل الأعمال الذي يحاول بيع صفقة غير مكتملة”. ورأى أن الرئيس الأميركي لا يسعى لاتفاق نووي فحسب، بل يستخدم فكرة التفاوض كغطاء لجمع معلومات استخباراتية.
فمن وجهة نظر عباس، المرحلة المقبلة ستكون “مفاوضات استخباراتية” تهدف إلى معرفة ما تبقى فعلاً من قدرات إيران النووية، وما تم تدميره وما لم يُمس. وذهب أبعد من ذلك حين قال: “دخلنا فعلياً في حرب جواسيس.. هذه ليست مبالغة بل واقع استراتيجي جديد”.
في ظل التناقض بين التصريحات الأميركية والإسرائيلية بشأن حجم الضرر الذي لحق بالمنشآت النووية الإيرانية، يبرز العامل الاستخباراتي كأداة مركزية في تقييم الوضع. يقول عباس: “إيران تحاول تنظيف الداخل من الجواسيس، بينما الموساد ووكالات الاستخبارات الأميركية سيشنون حملة ضخمة داخل إيران”.
يرى عباس أن الحرب الأخيرة كانت “بروفة استخباراتية عسكرية” لما هو مقبل. إيران اختبرت قدرتها الصاروخية، وإسرائيل جربت مدى كفاءة اختراقها الأمني. النتيجة: لا انتصار حاسم، بل استعداد لمواجهة مقبلة قد تكون أكثر شراسة وتعقيدا.
وأضاف: “إسرائيل ستواصل الضغط، وإيران ستواصل الصمود، والغرب سيبقى عالقا بين الإثنين يبحث عن تسوية لا تلوح في الأفق”.
ربما انتهت الجولة العسكرية مؤقتا، لكن الساحة مفتوحة الآن على جبهة مختلفة.. جبهة الجواسيس والعمل الاستخباراتي. في هذه الحرب، لا تلمع الصواريخ في السماء، بل تُزرع أجهزة التنصت في الجدران، وتُدار المعارك خلف الحواسيب وشبكات الإنترنت.