حين أعلن النائب آلان عون عودة الأمور إلى “المربع الأول” بين “التيار الوطني الحر” وقوى المعارضة، مع “طيّ” صفحة ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور، باعتبار أنّ الأخير لا يريد أصلاً أن يكون مرشح “مواجهة”، فجّر ما وُصِفت بـ”القنبلة” عندما “نعى” أيّ إمكانية للتقاطع على اسم لا يكون “مستفزًا” لـ”حزب الله”، إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون عضوًا في تكتّل “لبنان القوي” الذي يرأسه الوزير السابق جبران باسيل.
وإذا كان عون أعاد بكلامه هذا النقاش داخل “التيار” عن الفكرة التي لطالما أثارت الانقسام بين “جناح” باسيل وأولئك غير الدائرين بالضرورة في فلكه، ولا سيما أنّ الوزير السابق لا “يرحّب” بمثل هذا الخيار منذ اليوم الأول، فإنّه لم يُقابَل بترحيب داخل قوى المعارضة، التي خرج منها من يعتبر أنّه “طرح غير واقعيّ”، ومن يرى فيه “مناورة جديدة”، فيما لم يتردّد آخرون في الحديث عن “توزيع أدوار” بداعي “الانقلاب” على التفاهمات.
لكن، أبعد من هذه الآراء التي قد يكون بعضها “متسرّعًا”، هل يمكن اعتبار ما أدلى به آلان عون “مبادرة” بكلّ ما للكلمة من معنى، كما أوحى بعض المتابعين للكواليس السياسية؟ وإذا كان ذلك صحيحًا، فأيّ “حظوظ” فعليّة لها، وعلى أرض الواقع؟ هل يمكن لمرشح من تكتل “لبنان القوي” أن يحصد ما لم يحصده غيره من المرشحين، بدءاً من رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وصولاً إلى المرشح الذي كاد يكون “توافقيًا”، جهاد أزعور؟
مرشح من “لبنان القوي”
ليست المرّة الأولى التي تُطرح فيها فكرة ترشيح أحد أعضاء تكتل “لبنان القوي” إلى رئاسة الجمهورية، حيث إنّ “جناحًا” داخل “التيار الوطني الحر” يسوّق لها منذ الأيام الأولى، انطلاقًا من قاعدة أنّ رئيس “التيار” جبران باسيل هو الأحقّ بالترشيح، لكن طالما أنّه يعزف عن ذلك، نتيجة “انعدام” حظوظه، فإنّ “الأقربين أوْلى بالمعروف”، ما يعني أنّ أعضاء التكتل قد يستحقّون أن يجرّبوا حظّهم، قبل البحث عن أشخاص بالمواصفات نفسها من الخارج.
وإذا كانت هذه الفكرة “ترجمت” لاحقًا مع تضمين ما قيل إنّها “لائحة” بكركي للأسماء المؤهّلة لرئاسة الجمهورية، اسم أحد أعضاء التكتل ضمن قائمة المرشحين المحتملين، فإنّ المتحمّسين لها داخل “التيار الوطني الحر” يقولون إنّ فرصها ارتفعت، في ضوء تعذّر الاتفاق مع المعارضة على اسم مرشح يراعي المعايير التي وضعها باسيل نفسه، وعلى رأسها ألا يكون “مستفزًا” لـ”حزب الله”، وبالحدّ الأدنى أن يوحي له بالطمأنينة والثقة.
انطلاقًا من ذلك، جاء كلام النائب آلان عون ليفتح “أفقًا جديدًا” في مسار النقاش، حيث يعتبر هذا المعسكر أنّ ثمّة بعض الأسماء داخل التكتل التي يمكن أن تشكّل “نقطة وصل” بين مختلف القوى السياسية، إذ لا يسري عليها ما يسري على باسيل مثلاً بالنسبة إلى المعارضة، التي لدى بعضها قنوات تواصل معها، وفي الوقت نفسه قد لا تستفزّ “حزب الله”، باعتبار أنّها جزء من “التيار”، وتلتزم بالتالي بمندرجات ورقة التفاهم معه.
هل الفكرة واقعية؟
لكن، بعيدًا عن الأسباب “الموجبة” التي يطرحها المتحمّسون للفكرة، ثمّة علامات استفهام تُطرَح عن مدى “واقعية” الفكرة، خصوصًا أنّ هناك من يكاد “يجزم” بأنّ “العائق الأول” أمامها قد يكون التكتل نفسه، فباسيل لا يمكن أن “يستسيغ” الفكرة، وهو عبّر عن “امتعاضه” من الطرح أكثر من مرّة في السابق، حتى إنّه يعتبر الحديث عن ترشيح أحد غيره من التكتل “نكتة سمجة”، باعتبار أنّه إذا كان هناك مجال لتمثيل التكتل، فلا أحد غيره يستحقّ، باعتباره الرئيس.
لكن، حتى لو وافق باسيل، ثمّة من يؤكد أنّ الأمر لن يكون سهلاً، فقوى المعارضة مثلاً التي تتقاطع مع “التيار” على رفض ترشيح فرنجية، وتحاول التفاهم معه على اسم “بديل”، لا ترى “مصلحة” في أن يكون هذا “البديل” من داخل تكتل “لبنان القوي”، لأنّ ذلك سيُظهِرها بمظهر “المغلوب والمنكسر”، في حين أنّها هي التي تطالب “التيار” بالنزول من الشجرة، وملاقاتها في منتصف الطريق، بل كانت حتى الأمس القريب تدعوه لـ”تبنّي” مرشحها.
أكثر من ذلك، يرى بعض العارفين أنّ موافقة المعارضة على مثل هذا الطرح قد لا يعبّد الطريق أمام أيّ من أعضاء تكتل “لبنان القوي”، لأنّ الفكرة لا تزال غير واردة بالنسبة للثنائي الشيعي، وتحديدًا “حزب الله”، المتمسّك برئيس تيار “المردة” حتى النهاية، ما لم يعلن الأخير انسحابه، وهو لا يمكن أن يختار مرشحًا من التكتل مكانه، بما يعيد “سيناريو” عام 2016، علمًا أنّ هناك من يشير إلى أنّ بعض الأسماء المطروحة “لا توحي للحزب” بالثقة بالضرورة.
يقول المتحمّسون لفكرة النائب آلان عون إنّها قد تكون “ضربة معلم”، باعتبار أنّ المطلوب اليوم “التفكير خارج الصندوق”، مشيرين إلى أنّه بذلك يضرب أكثر من عصفور بحجر، قد يصيب أحدهم رئيس “التيار” جبران باسيل نفسه. لكنّ الوقائع على الأرض لا توحي بحظوظ “عملية” لما سُمّيت “مبادرة”، ولو أنّ هناك من يعتقد أنّ “أهدافها” تحقّقت سلفًا، من خلال “الرسائل” التي انطوت عليها، وهنا بيت القصيد!