حزب الله والرهاب من رفيق الحريري

18 أبريل 2020
حزب الله والرهاب من رفيق الحريري
زياد عيتاني
زياد عيتاني

يشكّل الشهيد رفيق الحريري، حالة مَرَضية بالنسبة لحزب الله وقيادته. فرضت نفسها وما زالت على قرارات الحزب، ومباشرته قضايا الداخل اللبناني، والعلاقة ما بين الحزب ومكوّنات الوطن، وتحديداً السُنّة.

إنه “الرهاب”، إن أردنا تشخيص المرض المذكور في محاولة لعلاجه، أو أقله التعاطي بوضوح معه.

“الرهاب”، هو تعريف لعبارة “phobia”. يستعملها علماء الطب النفسي، لبناء الكلمات التي تصف حالة من الخوف غير العقلاني، وغير الطبيعي، وغير المبرّر. كما تستخدم في علم الكيمياء، لوصف انحرافات كيمائية. وفي علم الأحياء لوصف الكائنات التي تكره بعض الظروف.

يعاني حزب الله ماضياً وحاضراً، من “رهاب” رفيق الحريري، وما يمثّله هذا الرجل من صفات فردية وجماعية، وقدرة على التواصل وخلق المبادرات.

لم يمنح حزب الله الثقة، لأيّ من حكومات الرئيس الشهيد. كان حجبها، سابقاً لمناقشة بياناتها. هو ردّ فعل مبرّر طبياً، في حالة “الرهاب”. وبنى الحزب سياسته الداخلية على هذه الوضعية، فكلّ مشروع يتحدث عنه الشهيد، هو مشروع مشبوه. على قاعدة الانطلاق من سوء النيّة لا من حسنها. فكانت المعارضة لتوسعة المطار وللأوتوستراد الدائري عند مدخل بيروت الجنوبي، وغيرهما الكثير من المشاريع.

لقد جهد الرئيس الشهيد في كسر هذه الحالة المَرَضية. من الجهود الجبارة التي قام بها للوصول إلى تفاهم نيسان عام 1996، وانتهاء بجلسات الحوار، مع أمين عام الحزب السيّد حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية في عامي 2004 و 2005، وما بينهما ألف مبادرة ومبادرة، ولعلها الأكثر عاطفية، حرص الرئيس الشهيد على تسمية أوتوستراد جديد لا قديم في الضاحية باسم نجل السيّد نصر الله “هادي” بعد استشهاده بمواجهة العدو الاسرائيلي وذلك لتكريس التسمية في عقول الناس. جهود الرئيس الحريري في هذا السياق، انتهت إلى اغتياله بِطُنٍّ من المتفجرات.

بعد خمسة عشر عاماً وبضعة أشهر على الاغتيال، وتمكّن حزب الله من القبض على مفاصل السلطة عبر إمساكه بالرئاسات الثلاث وآخرها رئاسة الحكومة، أضف إليها تمكّنه من تطويع وتحويل أجهزة الدولة الأمني منها وغير الأمني إلى أدوات تنفيذية لتوجيهات الأمين العام. ما زال رفيق الحريري داخل ضريحه يُشكّل حالة رهاب للحزب وقيادته في مباشرتها لكلّ القضايا والمسائل اللبنانية. ليس لشخص رفيق الحريري كفرد، ذاك الرجل الصيداوي الذي هاجر إلى المملكة العربية السعودية وجنى بعصاميته ثروة رويداً رويداً حوّلها إلى إمبراطورية مالية، بل لتمكّن رفيق الحريري باستثنائية فريدة من تجسيد فكر الأمة بسلوكه وعلاقاته الدولية.


معالجة أيّ مرض بدايته هو القرار بالعلاج ومن ثَمّ صحة تشخيص الداء فمصارحة المريض بداية كي يقتنع بتناول الدواء. وأيّ محاولة خارج هذا السياق لن تنتج شفاء


لقد جهد حزب الله منذ بدايات انطلاقاته عندما كان الراحل السيّد محمد حسين فضل الله مرشداً روحياً للحزب، إلى احتواء الواقع السنّي اللبناني، بداية عبر فصله عن امتداده الطبيعي مع الأمة، ومن ثَمّ عبر صناعة قيادات تفرض عليه بالتي هي أحسن..! فكان تجمّع العلماء المسلمين، فسرايا المقاومة، فاللقاء التشاوري في أحدث الاصدارات. لم يكن هذا كافياً، ولم تنجح رمزية المقاومة في الإطاحة برمزية الإعمار. فبدأ البحث عن رموز سياسية سنية وعن شخصيات بديلة تضارع شخصية الحريري دون جدوى.

لقد سعى الحزب إلى ادخال الثلاجة بالزجاجة فيما المنطق يقول إدخال الزجاجة بالثلاجة وعندما فشل الحزب في معاندة المنطق، سعى لتحطيم الثلاجة ليسهل على نفسه إدخال أجزائها في الزجاجة، وفي ذلك أيضاً استحالة فأجزاء الثلاجة لا تسعها الزجاجة..!

معالجة أيّ مرض بدايته هو القرار بالعلاج ومن ثَمّ صحة تشخيص الداء، فمصارحة المريض بداية كي يقتنع بتناول الدواء. وأيّ محاولة خارج هذا السياق لن تنتج شفاء.

اليوم، يحاول حزب الله مجدداً إدخال الثلاجة في الزجاجة، ما زال يصارع “الرهاب” بوصفات شعبية، تارة باختراع شخصيات وتارة أخرى بإطلاق التهديدات وكثيراً كثيراً بالقفز فوق الحقائق والاستحقاقات، فيما العلاج سهل وبسيط. هو فقط أن يعترف الحزب أنّ الزجاجة زجاجة وأنّ الثلاجة ثلاجة.