
الانتفاضة، هي أبرز مراحل النضال الوطني من أجل دحر الاحتلال، واستعادة الحقوق الوطنية والمطلبية، وهي وسيلة مشروعة من وسائل النضال الشعبي في مواجهة الاحتلال والرد على العدوان الخارجي أو مواجهة فساد الطبقات الحاكمة.
ويمكن للانتفاضة أن تحقق أهدافها عندما تتوفر لها قوى سياسية تعبر عن مصالح الشعب، وتمارس الكفاح المسلح في مواجهة الاحتلال أو حين تلجأ الطبقات الحاكمة إلى استعمال القوة والقتل والتدمير للمحافظة على سلطتها.
وبالتالي، فإن الانتفاضة المسلحة ونضال الشعب حتمية أمام عدو يحتل الأرض ويمارس كل أنواع القتل والتدمير والعدوان، ويرتكب المجازر ويصادر الأراضي ويطرد السكان الأصليين، لذلك فإن التهرب من المواجهة والانتفاضة المسلحة “يعني بكل بساطة نكران الصراع من اساسه” .
على أرض فلسطين اليوم، إنتفاضة حقيقية في وجه الاحتلال الاسرائيلي، وهي حلقة من حلقات النضال الفلسطيني العام والانتفاضات التي شهدتها الأراضي الفلسطينية خلال العقود الماضية، بهدف دحر الاحتلال وتحرير الأرض واستعادة الحقوق، وشكلت الانتفاضات الشعبية التي ترافقت مع الكفاح المسلح، شكلت روافد للثورة الفلسطينية بعد أن أكد هذا العدو من خلال سياسته وممارساته العدوانية أنه لا يريد السلام، وليس على استعداد لإعادة الحقوق لأصحابها، بل أكد أنه عدو استيطاني يمارس القتل والعدوان والمجازر والتدمير من اجل استمرار وجوده، وهذا يعني أن ليس هناك مكان للتسويات ولا مجال لاستعادة الحقوق، إلا بالثورة والانتفاضة الشعبية المسلحة.
أولا: لأن كل مشاريع التسوية ومفاوضات السلام وصلت إلى حائط مسدود، وفشلت في تحقيق السلام ووقف العدوان واستعادة الحقوق ولم تتمكن من وقف المجازر.
ثانيا: لأن طبيعة هذا الكيان قائمة على العدوان والاغتصاب والقتل والتدمير .
ثالثا: لأن العرب بشكل عام والجانب الفلسطيني بشكل خاص، اتخذوا من السلام خيارا استراتيجيا، دفعوا في مسيرة السلام مع الاحتلال أكثر مما دفعوه أيام الحرب، والذين هربوا من ميادين القتال خوفا من تكاليفها الباهظة، فشلوا في تحقيق الوحدة الداخلية، والتنمية والتطور والاستقلال الوطني .
لهذا كله، الشعب الفلسطيني جدد انتفاضته في إطار نضاله الوطني العام، وواصل ثورته ليس دفاعا عن الأقصى وحي الشيخ جراح وغزة فحسب، بل من أجل وضع حد للعدوان ودحلا الاحتلال وتحرير الأرض واستعادة الحقوق.
وهذا ما يحتم على جميع قطاعات الشعب الفلسطيني وفصائله وأطره السياسية والشعبية، داخل الوطن الانخراط في ميادين الانتفاضة دون تردد وتصعيد مسارها بروح هجومية، فلا خيار أما هذا الشعب إلا بتحويل هذه الانتفاضة إلى انتفاضة مسلحة بلا خوف ولا تردد، وبالتالي على الجميع القيام بأكبر عملية تحريض ممكنة دعما للانتفاضة المسلحة دون تخفي، هذه مسألة تحت أية “درجة تحضيرية” ودون أن نلقي عليها أي غطاء، ذلك لأن تضليل الشعب بإخفاء ضرورة العنف الثوري لا يعني سوى العجز والخوف وخداع النفوس والهزيمة.
ولكي تتكلل الانتفاضة بالانتصار وتحقيق الأهداف، لابد لها أن تستند إلى عمقها العربي، ولا بد من التنظيم والاعداد سياسيا وشعبيا وعسكريا، ذلك لأن عدم توفر كل تلك الشروط هو خيانة للانتفاضة، فالانتفاضة في الأراضي الفلسطينية ليست عملا منعزلا عن باقي قضايا الشعب الفلسطيني، وليس عملا منعزلا عما يجري في المنطقة وعلى امتداد الأمة، لذلك هناك ضرورة للبحث والتقييم والنقاش وتنظيم أوسع حلقات البحث عن سبل دعم الانتفاضة في فلسطين، وتحديد المسؤوليات باعتبار ما يجري على أرض فلسطين يعني كل عربي، لذلك هناك ضرورة للاستعداد الجدي ووضع ما يجري في سياق النضال الوطني العام وفي سياق فتح آفاق الصراع مع الاحتلال في كل الميادين.
ورغم أهمية التنظيم وتحديد مسار نضالات الانتفاضة، إلا أن اندفاع الشعب نحو الانتفاضة بشكل عفوي غير منظم لا يعني أبدا إدانة للانتفاضة أو التشكيك ببطولاتها، بل هناك ضرورة للتقييم وتصحيح المسارات والبحث ومعرفة الثغرات وأسباب الفشل في حال تعرضت الانتفاضة لأية انتكاسة أو تراجعت قليلا بسبب تآمر الدول ووضعها على طاولة المساومات.
وليس من الوطنية بشيء إدانة نضال الشعب وانتفاضته لأنه تعرض لانتكاسة أو لم يصل دفعة واحدة لجميع أهدافه المطلوبة.
ففي عز الانتفاضة والثورة، هناك دسائس ومؤمرات تكاك في الغرف المعتمة، والعدو بمختلف أطرافه لديه من قوة التدمير والقتل والمناورة والاحتيال ما يمكنه في بعض الجولات إلى تحقيق بعض أهدافه، لكن ذلك ليس نهاية الزمن ولن يكون دافعا لليأس والاحباط، بل إن الاصرار على الانتفاضة والثورة في السياق النضال الوطني العام سيعبد الطريق نحو التحرير ودحر الاحتلال .. هذا ما تحدثت عنه تجارب الشعوب، وهذا هو الشعب الفلسطيني العظيم الذي لا يرى أمامه إلا طريق الثورة لاستعادة حقوقه.