مع احياء الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، طويت صفحة البكاء والدموع والندب والإحباط لأن أهالي الشهداء الضحايا يريدون استجماع قواهم وتوحيد آرائهم أكثر فأكثر وتنظيم أنفسهم لتأتي كلمتهم واحدة، ويصرخون بصوت واحد: ما كان قبل الرابع من آب 2021 ليس كما بعده، وأيام التحركات السلمية ولّت إلى غير رجعة، والمرحلة القادمة هي “مرحلة كسر عظم” بامتياز، خصوصاً بعد أن تأكدوا أن كل الوعود بكشف الحقيقة ورفع الحصانات لم يكن سوى كذبة أخرى من السلطة التي ماطلت في موضوع المرفأ على مدى سنة كاملة.
الأهالي يشعرون بنوع من الرضى وبلسمة الجراح بما شاهدوه في الذكرى، إن كان لناحية أعداد الناس أو لناحية النشاطات التي نظمت إكراماً لأرواح شهدائهم، ويعتبرون أن ما جرى “يكبّر القلب”، لكن مع أملهم أن يبقى الناس بهذا الزخم، “ولا نريد أن يصبح الرابع من آب مجرد ذكرى. نريد حقيقة وعدالة وتغييراً، ولكي يحصل ذلك يجب أن يكون كل يوم 4 آب”، بحسب المتحدث باسم لجنة الأهالي ابراهيم حطيط.
يلاقي المجتمع المدني الذي شارك بفعالية في إحياء الذكرى ضمن مجموعات منظمة، الأهالي في مواقفهم، ويسيرون على الموجة عينها معهم، إذ إنهم هم أيضاً يعتبرون أن ما بعد الرابع من آب ليس كما قبله لناحية التكتيك الذي سيتبع حيث يتم التخطيط للتحرك باتجاه منازل المسؤولين، إن كان بالمشاركة مع الأهالي أو بدونهم، وهم سيلاحقون الشخصيات السياسية الذين كما يقولون هربوا من منازلهم يوم 4 آب، وأنهم يتابعون تحركاتهم ويعرفون مكان تواجد كل واحد منهم.
وتعتبر مختلف التجمعات والهيئات المدنية أن الذكرى الأولى لانفجار المرفأ كانت ناجحة لناحية عدد المشاركين ولناحية النشاطات التي نظمت كما يعتبرونها بمثابة محفز للناس الذين يشعرون بالإحباط واليأس، مع العلم أن هناك الكثير منهم باتوا على قناعة أن التغيير لن يأتي من الشارع.
وعن تقويم هذا اليوم الطويل، استطلع “لبنان الكبير” آراء عدد من الناشطين حيث تحدث رامي زيدان من مجموعة ثوار الارض_ في الجبل عن ذكرى الرابع من آب التي كانت ناجحة بكل المقاييس.
وهذا اليوم فاجأ الكثيرين في الأعداد الكبيرة المشاركة “التي كان من الممكن أن تكون مضاعفة أو أن يكون نصف الشعب على الأرض، إلا أن هناك عدة عوامل وظروف أثرت على الناس ومنعتهم من النزول إلى الشارع مثل الظروف المادية والخوف من المشاكل والكثير من الناس يتأثرون بالعواطف ويدخلونها في الحياة السياسية، إذ إن البعض ضد مشاركة رجال الدين في هكذا مناسبات، كما أن البعض تخوف من المشاكل، حيث إن السلطة تمارس كل أنواع الترهيب، إضافة إلى موضوع كورونا، لكن الواضح أن هناك نقمة شعبية كبيرة على السلطة، والتجمع الكبير أكبر دليل، ونعتقد أن المشاركة ستكون مضاعفة إذا تكرر التحرك في وقت قريب”.
وعما إذا كانت الذكرى بمثابة محفز للناس للعودة إلى الشارع بعد شعورهم بالإحباط واليأس، يقول زيدان: “التجمع كان موفقاً جداً لناحية رد الروح إلى المحبطين من الوضع، والذين يسألون عن اختفاء الثورة، مع العلم أن أعداداً كبيرة من الناس باتت على قناعة أن التغيير لن يأتي من الشارع.
الذكرى كانت محفزاً للناس كي تعود إلى الشارع”، لافتاً إلى الصرامة التي تعاملت بها القوى الأمنية عندما بدأت المناوشات “بسبب تخوفهم من عودة 17 تشرين والعودة إلى نصب الخيم”، كاشفاً أن “التحركات ستكون في المستقبل موجهة أكثر نحو منازل المسؤولين إن كان بمشاركة أهالي شهداء المرفأ أو بدونهم.
هناك تغيير في تكتيك التحرك، ونحن كما الأهالي نقول إن ما قبل 4 آب ليس كما بعده. كنا نريد ملاحقة بعض الشخصيات يوم الذكرى لكنهم هربوا من منازلهم ونحن نتابعهم ونعرف كل واحد منهم إلى أين هرب.
فليتحضروا للآتي لأن المنظومة انتهت وهي تعيش آخر أيامها، ومن يراهن على الانشقاقات داخل الثورة، فليتوقف عن الرهان، لأنه مهما انشقت الثورة لن يستطيعوا الاتفاق علينا من جديد، ونحن منتصرون ونهايتهم باتت قريبة”.
ويوافق الناشط عبدالله تابت على أن التحرك في الرابع من آب كان ناجحاً “بالرغم من الأزمات والظروف الصعبة، نزل الناس وعبروا عن رأيهم، وهذا دليل على أنهم باتوا حاسمين خياراتهم”، معتبراً أن “التحركات الشعبية بشكل دائم ومستنزف لا تنفع، إنما المهم التحركات المدروسة والهادفة.
وهناك كثير من الوسائل لإيصال الصوت غير الشارع إذ التغيير يمكن أن يحصل من خلال النقابات والبلديات والإدارات والانتخابات النيابية”.
ولتابت كما لعدد من الناشطين، رأي محايد من فكرة التوجه إلى منازل المسؤولين “إذ إنه يجب الاخذ بالاعتبار ميزان القوى.
أنا لست مع الفكرة ولست ضدها لكن حسب ما أرى انها بعيدة المنال، وما حصل من عنف ليلة أول من امس غير مقبول، إذ أن القوى الأمنية تستعمل السلاح الحي والثوار عزل، رغم ذلك يواجهون، لكن هناك حدود للمواجهة.
استخدام القوة والعنف مع المشاركين في الذكرى مؤسف جداً بعد كل ما يعيشه الناس من إذلال وجوع وحرمان”.
ويرى الناشط في رابطة المودعين فؤاد دبس أن “الذكرى في الرابع من آب كانت ناجحة، المشاركة كانت بأعداد هائلة، لكن كان يجب أن نبني على الخطوة ونكمل في تحركاتنا، لكن الأمورتتطلب وعياً سياسياً أكبر”، معتبراً أن “السلطة بحسب ممارساتها لا يمكن إلا أن نتعامل معها بالقوة، ونحن نخطط للتحرك باتجاه منازل المسؤولين”.
أما الناشطة في تنظيم “لحقي” مايا الشل التي ترى أن التحركات في الشارع هي عنصر من عناصر الضغط على المنظومة الفاسدة، معتبرة أن “ذكرى الرابع من آب كانت تليق بالحدث الكبير وبأرواح الشهداء حيث تعددت النشاطات، وشارك المجتمع المدني بشكل فعال وبوفود منظمة، ولم نكن نعول على هذا اليوم في تغيير أي شيء خصوصاً وأنه مخصص بشكل كبير للصلاة عن أرواح الشهداء”.
وعن آلية عمل وخيارات المجتمع المدني لتغيير الطبقة الفاسدة التي يتحدثون عن ضرورة تغييرها، تشير الشل إلى “أننا نحاول تعريف الناس على الخيارات المطروحة كبدائل في العمل السياسي خصوصاً وأن هناك الكثير من الناس الذين خرجوا من الأحزاب ولا يعرفون موقعهم المستقبلي، فنساعدهم على الانخراط السياسي مع التنظيمات الجديدة النظيفة الكف”، معتبرة أن “الذكرى كانت بمثابة يوم حج إلى المرفأ، ونحن احترمنا خصوصية أهالي الضحايا”.