غطّ وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر الصّباح في بيروت، فجأة، وطار مخلّفاً وراءه أسئلة معقدة في بلد بأمس الحاجة الى أجوبة حيوية مصيرية، تفرضها متوالية الأزمات التي يعيشها منذ فترة.
الوزير الكويتي كان مبعوثاً خليجياً بإمتياز. حمل معه شروطاً ومهلة أخيرة للتنفيذ لا تتجاوز الأيام.
الغريب أنّ البعض اعتبر الزيارة تعويماً لنجيب ميقاتي في رئاسة حكومة يعرف الجميع أن سقفها منخفض جدا، ومحكوم باعتبارات نهاية عهد سيء السمعة أوصل الجميع الى إفلاس ويأس عظيمين.
الشروط العشرة التي حملها الشيخ الكويتي، المبعوث الخليجي – العربي بظل غربي، هي النقيض تماما للفذلكة السياسية التي أنجبت حكومة ميقاتي، وبالتالي فإن اللغم المتوقع انفجاره بعد إنقضاء المهلة سيكون أشد من العقوبة الحليجية التي تمثّلت بسحب السفراء بعد خطيئة قرداحي في تشرين الأول الماضي.
يكفي الاطلاع على بعض الشروط – البنود الخليجية لإدراك أن ما حمله الشيخ الكويتي هو في الحقيقة “مذكرة إتهام” للبنان الرسمي في العهد العوني، تسرد في واقعة واحدة ما يُقال في أوقات وأماكن متفرقة.
مثلاً، إعتماد سياسة النأي بالنفس وإعادة إحيائها بعد تعرضها لشوائب وتجاوزات كثيرة.
مثلاً، احترام سيادة الدول العربية والخليجية ووقف التدخل السياسي والإعلامي والعسكري في أي من هذه الدول.
مثلاً، احترام قرارات الجامعة العربية والالتزام بالشرعية العربية.
ومثلاً، الالتزام بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، ولا سيما القراران 1559 و1701. مع ما يعنيه ذلك من ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
هذه “الأمثال” يشكو منها قسم كبير من اللبنانيين، ربما أكثر من الخليجيين، لأنها تأكيد الواقع الموجع بأن بلدهم بات محكوماً من دويلة وكيل ولاية الفقيه، ساحة مفتوحة لتسجيل انتصارات ميدانية لمصلحة ايران.
وهذه “الأمثال” هي بالضبط ما يشكو منها الرئيس سعد الحريري في شرح مبررات قراره التاريخي “الاستقالة” من الانتخابات، وهو الذي دفع الغالي جداً لتكريس “لبنان أولاً” فخانه حلفاء وكاد له الخصوم، وأدرك بعد “انتصارات انتخابية” لا سابق لها في تاريخنا البرلماني، أن البندقية والصاروخ أقوى من أي “تفويض شعبي”.
كأن المذكرة التي حملها الشيخ الكويتي هي في توقيتها “مانيفيستو خليجي” لمصلحة مبررات الحريري “العزوف” بوجهيه: السني – العربي.