بين “نارين”، يقف “حزب الله” برأي كثيرين في ملف تشكيل الحكومة، فهو سمّى الرئيس نجيب ميقاتي لتأليفها، خلافًا لـ”رغبة” حليفه الوزير السابق جبران باسيل، وهو يريد وفق ما يقول قياديّوه أن ينجح الرئيس المكلّف في مهمّته، ويؤلّف حكومة جديدة في أسرع وقت ممكن، ولو أنّه في الوقت نفسه يريد “مراعاة” حليفه، منعًا لـ”استضعافه”، كما يقول البعض.
لعلّ نائب الأمين العام لـ”حزب الله” اختصر هذا الموقف بشكل أو بآخر في تصريحه الأخير، حين دعا إلى تشكيل حكومة “تستطيع أن تنقلنا إلى الأفضل”، قائلًا: “فلتكن الحكومة بأقل الشروط ومهما كانت التعقيدات تساعد بعض القوى”. وذهب أبعد من ذلك، بالتأكيد على أنّ “وجود حكومة أفضل من عدم وجودها”، متهمًا في المقابل أميركا ومن معها بأنّها “لا يريدون حكومة”.
لكنّ أسئلة بالجملة تُطرَح حول موقف “حزب الله” استنادًا إلى كلام الشيخ قاسم، فأين يقف من الخلاف بين الرئيس المكلّف والوزير باسيل مثلاً؟ وهل يغمز من قناة “الشروط” التي يحاول باسيل فرضها، والتي قد تحمل بعض “الرسائل” للحزب قبل غيره؟ وكيف يستقيم اتهام “أميركا ومن معها” إذا كان من يصنّفهم الحزب في هذه الخانة تموضعوا سلفًا في المعارضة؟!
“حزب الله” على الحياد
يقول بعض العارفين إنّ “حزب الله” يقف “على الحياد”، أقلّه في الظاهر، من الخلاف بين رئيس الحكومة المكلف ورئيس “التيار الوطني الحر”، وهو لا يريد “توسيع الهوة” كثيرًا مع الأخير، بعدما تمسّك بتسمية الرئيس المكلّف، بعدما أثبت قدرته على “العبور بين الألغام”، وإيجاد “التوازن” المطلوب في هذه المرحلة، وهو ما تسبّب بـ”امتعاض” باسيل، الذي أعلنها “معركة” في وجه الرئيس ميقاتي منذ ما قبل الاستشارات النيابية الملزمة.
لا يعني وقوف الحزب على “الحياد”، وفق ما يقوله العارفون، أنّه لم يكوّن “رأيًا وازنًا” بالتعقيدات الحكوميّة، ولكن بكل بساطة، أنّه “ينأى بنفسه” عن هذا الخلاف، تفاديًا ربما لأيّ “تداعيات” قد تطاله، فهو لا يزال “مقتنعًا” بأنّ الرئيس نجيب ميقاتي قادر أكثر من أيّ شخصية أخرى على تشكيل حكومة في الظرف الراهن، وهو لا “يمانع” على الإطلاق الاستناد إلى “تركيبة” حكومة تصريف الأعمال، كسبًا للوقت بالحدّ الأدنى.
ومع أنّ الحزب لم “يهضم” بعد، وفق ما يقول بعض المتابعين، تلويح “التيار الوطني الحر” بتسمية السفير نواف سلام في الاستشارات، لو كانت لدى الأخير “فرصة حقيقية” للفوز على حساب الرئيس ميقاتي، فإنّه يريد في الوقت نفسه “تحصين” علاقته بالوزير السابق جبران باسيل، تفاديًا لتكرار فصول “التباعد” بينهما التي وصلت إلى ذروتها مطلع العام، وهو لذلك يرفض أيّ استهداف له، أو حتى استضعاف على مقربة من نهاية العهد.
هل يوافق على مطالب باسيل؟
لا يعني رفض “حزب الله” لما يسميّه “العونيّون” بـ”استضعافهم واستهدافهم” موافقته على كلّ ما يطرحه الوزير السابق جبران باسيل، ولا سيّما في ضوء بعض النقاط “الجدلية” التي أثارها في كلمته أمس بعد اجتماع تكتل “لبنان القوي”، بل ثمّة من يعتبر أنّ حديث الشيخ قاسم عن الذهاب إلى حكومة “بأقلّ الشروط” رسالة موجّهة إلى “التيار” بشكل خاص، باعتبار أنّ “المصلحة” تقضي بتشكيل حكومة.
وقد يندرج في هذا السياق حديث الشيخ قاسم عن أنّ “الربح من الحكومة أفضل من الربح ببقاء حكومة تصريف الأعمال”، وهو ما “يناقض” التسريبات التي تتحدّث عن أنّ “التيار” قد يجد “مصلحة” في الإبقاء على الحكومة الحالية، بما أنّ له حصّة وازنة فيها، كما أنّ حقيبة الطاقة التي يتمسّك بها بين يديه، ولذلك فهو ربما يدعو إلى خفض “سقف الشروط” للتوصل إلى تشكيلة حكومية تكون مرضية بالحدّ الأدنى، لأنها تبقى أفضل من “الفراغ”.
لكنّ الأكيد، وفق ما يقول العارفون، أنّ الحزب لا يوافق على “مطالب” باسيل بكليتها، ففي بعضها “استفزاز مباشر” له، بحسب تعبيرهم، فهو حين يطالب بـ”المداورة” مثلاً، لا يغمز سوى من قناة حقيبة “المال”، التي يتمسّك بها رئيس مجلس النواب نبيه بري، بـ”مباركة” الحزب، استنادًا إلى نظرية “التوقيع الثالث. ولعلّ “النقزة الأكبر” جاءت من كلام باسيل عن ملف التحقيق بتفجير المرفأ، ضمن “أولويات” الحكومة، وهو المعلَّق أساسًا بقرار من “الثنائي”.
يقول البعض إنّ “حزب الله” قادر، إن أراد، أن “يمون” على حلفائه بالحدّ الأدنى لخفض شروطهم، عبر ترجمة الأقوال بالأفعال، فيما يقول البعض الآخر إنّ الحزب، إن نأى بنفسه، فذلك مردّه بالدرجة الأولى رغبته بـ”تحصين” العلاقة مع “التيار”، لحاجته “البديهية” إليه في هذه المرحلة. وبين هذا وذاك، يبدو أن أزمة “التأليف” تراوح مكانه، لتبدو الحكومة “ضحية أخرى” لتجاذبات سياسية لا تنتهي!