“اللبنانيون في معاناة على أبواب الشتاء قد تدفع بالكثيرين منهم إلى تحمل البرد لعدم قدرتهم على تحمل نفقات التدفئة الباهظة”، هذا ما أورده تقرير “الدولية للمعلومات” بعدما اتضح أنّ كلفة التدفئة للوحدة السكنية خلال أشهر البرد تصل إلى 70 مليون ليرة لبنانية.
مع بداية شهر أيلول بدأ فصل الصيف ينقضي شيئاً فشيئاً وتنحسر موجات الحر التي فتكت فتكاً شديداً بالناس في جميع أنحاء العالم، واستطاع البعض الصمود في وجهها وخصوصاً في لبنان المعتاد على مثل هذا الارتفاع في درجات الحرارة. فمع غياب الكهرباء والغلاء الفاحش للمازوت وتكلفة الاشتراك المرتفعة عاش اللبنانيون الويلات، فلا مراوح أو مكيفات أو أي شيء يخفف الحر الشديد ويبرّد الأجواء.
ولكن مع بداية فصل الشتاء، قد يكون الأمر أكثر سوءاً للسبب نفسه، وبالتالي سيكون قاسياً على اللبنانيين خصوصاً على سكان الجبال حيث تصل الحرارة إلى أدنى مستوياتها، وقد بدأ منذ الآن يتشكل الضباب ويصبح الهواء أكثر برودة.
لا كهرباء للمكيفات ولا للمدافئ، والمازوت يتأرجح سعره وقد سجّل مؤخراً 777 ألف ليرة، كما أنّ قارورة الغاز وصلت الى 341 ألفاً، فيما المواطن سيكون عاجزاً عن الحصول على التدفئة بمختلف أنواعها وبشتى الطرق.
لا كهرباء في البيوت ولا في المدارس، تستيقظ الأم في السادسة صباحاً لتهيئ لأطفالها كل ما يلزم للذهاب الى مدرستهم، وهم سيعانون من النهوض من فراشهم الذي أصبح دافئاً خلال النوم بعد معاناة طويلة في ظل غياب التدفئة، التي ستغيب أيضاً عن صفوفهم.
وحسب تقرير “الدولية للمعلومات” فإنّ “المازوت هو الوسيلة التي تعتمدها أكثرية اللبنانيين لكن كلفتها مرتفعة، فإذا ما اعتبرنا أن سعر الصفيحة هو 700 ألف ليرة (كان السعر في العام الماضي 100 ألف ليرة) والحاجة هي الى نحو 100 صفيحة للوحدة السكنية في موسم الشتاء (وهذه الكمية تختلف تبعاً للظروف المناخية) تكون الكلفة هي 70 مليون ليرة في موسم الشتاء.
ماذا عن الحطب؟ قد تصل الحاجة إلى الحطب إلى نحو 6 أطنان منه وذلك تبعاً للظروف المناخية، إذ تصل كلفة الطن الواحد إلى 6 ملايين ليرة أيّ نحو 36 مليون ليرة في الموسم.
وفي الأساس لتجميع الحطب تداعيات بيئية خطيرة إذ ستزيد من قطع الأشجار وافتعال الحرائق لتحويل الأحراج إلى غابات سود تسمح بقطع الأشجار”.
هذا الوضع ليس جديداً، فقد دفع الكثيرين سابقاً إلى تدفئة أنفسهم بواسطة الفحم لعدم قدرتهم على تأمين القليل من المازوت أو الغاز، وبالطبع من لا يستطيع تأمينهما لن يتمكن من تأمين الحطب، وهذا ما أدى الى عدد من الوفيات في الشتاء الماضي نتيجة الاختناق بسبب استخدام الفحم وتنشقه لفترة طويلة في غرف مغلقة.
ومع ذلك الدولة اللبنانية لم تتحرك ولا تزال تسعى الى رفع الدعم عن المحروقات وكل سبل العيش في هذا البلد.
عدا عن التدفئة، أصبحت تكاليف المازوت باهظة للمولدات، خصوصاً مع سياسة رفع الدعم التدريجي التي يفرضها مصرف لبنان، إذ ارتفعت نسبة المازوت غير المدعوم إلى 80% و20% “صيرفة”.
وهنا يمكن الحديث عن كلفة إشتراك المولدات التي باتت تزيد عن الـ100-150دولاراً حسب عدد الأمبيرات، الذي يعتمده في الأساس أصحاب المولدات على دولار السوق السوداء منذ بداية الأزمة. وبعد المولدات تأتي المواصلات المكلفة، إذ وصلت صفيحة البنزين الـ95 أوكتان إلى 628 ألف ليرة والـ98 أوكتان إلى 643 ألفاً، وهذه التكاليف ليست عبئاً على من يمتلك سيارة وحسب، بل على الأهالي أيضاً في دفع تكاليف حافلات المدرسة إلى جانب سيارات الأجرة.
هذا ليس كافياً بالنسبة الى الدولة اللبنانية، فهل تعلم أن صفيحة واحدة من المازوت التي تكفي ليومين أو ثلاثة في ظل البرد القارس قد توازي راتب موظف؟ وأنّ طن الحطب في الأساس لا يمكن تأمينه كونه يكلف 6 ملايين ليرة؟ كل هذا ليس كافياً، فالمشكلة ليست في أسعار وسائل التدفئة وحسب، بل في كل طرق المعيشة في لبنان من دواء واستشفاء وغذاء ومواصلات واتصالات وتصليحات وغيرها الكثير.
فإذا بدأنا بتعداد التكاليف التي يجب أن يتحملها اللبناني حتى يؤمن أدنى ما يمكن، فإنّها لا تعد ولا تحصى ويحتاج المواطن أضعاف راتبه بـ10 مرات.
يبدو أنّ اللبناني عاش فعلاً في الجحيم هذا الصيف نتيجة عوامل الطقس وغياب كل سبل التبريد، وفي الشتاء سيعيش أسوأ من الجحيم… لأنه سيعيش الواقع!