ولدت الحركة الصهيونية رسميا، في عام 1897، وذلك عند انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال في سويسرا، برئاسة ثيودور هرتزل.
والصهيونية، كلمة أخذها المفكر اليهودي “ناثان برنباوم” من كلمة “صهيون” لتدل على الحركة الهادفة إلى تجميع أبناء الطائفة اليهودية في أرض فلسطين.
ويرى الصهيونيون أن جذور الحركة الصهيونية (أو القومية اليهودية كما يطلقون عليها)، تعود إلى الدين اليهودي ذاته.
وقد يكون من الأدق البحث عن الجذور التاريخية الحقيقية للحركة الصهيونية في شرق أوروبا والاتحاد الروسي، وفي النصف الثاني من اللقرن التاسع عشر على وجه التحديد، فمجتمعات هذه المنطقة من العالم، كانت تمر بتحول سريع من الاقطاع إلى الرأسمالية، وصاحبها انفجار سكاني نتج عنه وجود أعداد كبيرة من اليهود لم يكن من الممكن استيعابها بسرعة في الاقتصاد الرأسمالي الصناعي الجديد، الأمر الذي سبب خلق المشكلة المعروفة بإسم “المسألة اليهودية”.
لذلك ظهرت خلال هذه المرحلة ارهاصات صهيونية عدة، إلى أن بدأ هرتزل ينظم الجمعيات الصهيونية المختلفة في العالم داخل إطار واحد، ثم دعا إلى المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال عام 1897.
وقد اكتشف هرتزل منذ بداية تحركاته حقيقة بديهية وهي أنه لابد لتنفيذ الرؤية الصهيونية من الاعتماد على دول إمبريالية كبيرى، تقوم بتوفير الأرض للمستوطنين المهاجرين من بقلع الأرض وبحمايتهم ضد السكان الاصليين وبالدفاع عنهم في المحافل الدولية، لذا توجه هرتزل إلى جميع الدول الكبرى ذات المصالح الامبريالية في الشرق الأوسط ابتداء من الامبراطورية العثمانية، مرورا بفرنسا وألمانيا انتهاء بإنكلترا، وقد توجت هذه التحركات بالحصول على وعد بلفور عام 1917.
وقد طرحت الصهيونية السياسية نفسها كحل للمسألة اليهودية، منطلقة من اعتبار اليهود عنصرا متميزا، مستقلا غير قابل للاندماج، ولا حياة له إلا في أرض مستقلة تجمع يهود العالم حيث تقام “الدولة اليهودية”.
لم تكن فلسطين بالضرورة، فقد كان هرتزل مستعدا لاقامة الدولة اليهودية في أي مكان في العالم، ولم يرفض الارجنتين، وشرق إفريقيا، لكن الفكرة تبلورت بعد وفاته عام 1904 وأصبحت فلسطين وليس سواها الأرض الموعودة. وفي يوميات مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتزل، لا يوجد في البداية أي تحديد للأرض الموعودة.
وقد أكد الكاتب غازي الصوراني إلى أن “هوية دولة إسرائيل” المرتبطة بمفهوم “الشعب” أو “الأمة اليهودية” ستظل هوية مزيفة، مضطربة غير قادرة على إثبات وجودها بصورة علمية أو موضوعية أو تاريخية كجزء من نسيج المنطقة العربية، وبالتالي لا يمكن تكريس هذه الهوية إلا بدواعي القوة الإكراهية الغاشمة المستندة إلى دعم القوى الإمبريالية، فإسرائيل ستظل “كياناً استعمارياً غاصباً وعنصرياً غريباً مرفوضاً في المنطقة العربية من ناحية وستظل الحركة الصهيونية عاجزة عن الحديث عن “أمة” يهودية بالمعنى الموضوعي أو العلمي، كما هو الحال بالنسبة للحديث عن “امة إسلامية أو مسيحية أو بوذية” من ناحية ثانية، ما يعني أن هذه “الدولة” لا تعدو كونها مجتمع عسكري يضم أجناساً متباينة روسية وبولندية وأوكرانية وأوروبية وآسيوية وعربية وأفريقية، كل منها له ثقافته وتراثه المختلف عن الآخر، وجدوا في الفرصة التي أتاحتها الرأسمالية العالمية لهم بالذهاب إلى فلسطين واستيطانها بذريعة “العودة إلى أرض الميعاد” مخرجاً لهم من أزماتهم أو مدخلاً لتحقيق مصالحهم الطبقية، إذ انه بدون تشجيع ودعم رأس المال الأوروبي عموماً والبريطاني خصوصاً لما كان من الممكن أن تتقدم الحركة الصهيونية خطوة واحدة إلى الأمام، ما يؤكد على أن التقدم الاقتصادي والعسكري الذي أحرزته دولة العدو الإسرائيلي لم يكن ممكناً دون الدعم المتواصل حتى اللحظة من القوى الإمبريالية والبرجوازية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية
فاليهودية ليست ولا يمكن أن تكون قومية بأي مفهوم سياسي سليم كما يعرف كل عالم سياسي، ورغم أن اليهود ليسوا عنصراً جنسياً في أي معنى ، بل “متحف” حي لكل أخلاط الأجناس في العالم كما يدرك كل أنثروبولوجي، فإن فرضهم لأنفسهم كأمة مزعومة مدعية في دولة مصطنعة مقتطعة يجعل منهم ومن الصهيونية حركة عنصرية أساساً هدفها الاغتصاب والقتل وممارسة كل اشكال الارهاب وتلك هي وظيفتها في خدمة المصالح الامبريالية… فالعنصرية الصهيونية – كما يقول البروفيسور اليهودي الأمريكي نورمان فينكل ستاين وهو من أبرز المناهضين للحركة الصهيونية- “إن الفلسفة العنصرية الصهيونية قد غرست في أعماق العقل الباطن الإسرائيلي العنصري كراهية لا ترويها الدماء، فلا فرق لدى العنصري أن كانت الدماء المسفوكة لأطفال أو لنساء حوامل أو كبارا في السن”.
أمام الواقع الذي تمر به المنطقة والاختلاط في المعاني والمفاهيم بالتزامن مع الانتكاسات وسياسة المصالحة والتطبيع العربي مع الحركة الصهيونية، لابد من إعادة تسليط الأضواء على مفهوم الحركة الصهيونية وأهدافها وطبيعتها، وللتذكير أن الصهيونية هي حركة عنصرية تقوم على القتل والعدوان والمصادرة والاحتلال والتمييز البشري، وبالتالي لا يمكن التعايش مع الحركة الصهيونية وكيانها الاحتلالي على أرض فلسطين، فالصهيونية تشكل خطرا على الشعب الفلسطيني والعربي، وتهدد الأمن والسلام العالمي، ولهذا فإن الكيان الصهيوني، على أرض فلسطين، والأراضي العربية المحتلة، هو كيان عنصري لا يؤمن ولا يعمل من أجل تسوية سلمية للصراع، وفي الوقت الذي يتحدث فيه هذا العدو عن “السلام” ويبدي استعداده زيفا للمفاوضات، يعمل في الوقت نفسه على تعزيز قدراته وترسانته العسكرية ويعمل من أجل تصعيد عدوانه ومصادرة الأراضي ويرتكب الجرائم والمجازر ويضرب عرض الحائط كل الاتفاقيات الموقعة والقرارات الدولية، ويطلب من العرب أن يجردوا أنفسهم من السلاح ويتحولوا إلى كيانات هزيلة ضعيفة حرصا على أمنه واستقراره.
وهذا يتطلب مجددا رفع مستوى الوعي العربي عامة والفلسطيني خاصة بطبيعة هذه الحركة الصهيونية وأهدافها، والتأكيد على أن هذا العدو لا يريد السلام، بل هو كيان حربي عدواني استيطاني لا يفهم إلا لغة القتال والمواجهة، ويجعل العمل العربي من أجل السلام معه ضرب من الخيال ومضيعة للوقت، يعمل العدو خلالها على تفكيك إرادة المواجهة وتعميم ثقافة الانقسام والانحاط والاستسلام.