كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: لن يكون اجتماع مجلس الوزراء حدثاً معزولاً في مسار العلاقات بين المكوّنات اللبنانية. انكشاف الحقائق المخفية في البيانات والردود المتبادلة يضع القوى المسيحية أمام مقاربة جديدة للعلاقات الداخلية.
ترمي القوى المسيحية، على اختلافها، المشكلات الحالية التي تعاني منها خصوصاً كما لبنان عموماً على القوى الأخرى، تارة على القوى السنية كما كان يحصل مع الرئيس رفيق الحريري، أو على الثنائي الشيعي كما يحصل اليوم. وبغض النظر عن أخطاء الطرفين ومسؤوليتهما، فإن القوى المسيحية، معارضة وموالاة، تتصرف حالياً وكأنها معفية من الأخطاء التي ترتكب منذ سنوات قليلة. وليس التيار الوطني الحر وحده من يتصرف اليوم على هذا الأساس. فرغم حجم التطورات الأخيرة وما حملته من رسائل تمسّ جوهر العلاقة بين المكونات اللبنانية وترجمتها على الأرض، تتصرف القوى المسيحية وكأنها غير معنية بأساس المشكلة بل بنتائجها فحسب. ومع ذلك، فإن أولى خلاصات الأيام الأخيرة كان يفترض أن يضع هذه القوى والأحزاب أمام معادلة حتمية بضرورة إجراء حوار داخلي يتعدى اللحظة الآنية. فعدا عن التلاقي والاتفاق على قانوني الانتخاب واستعادة الجنسية كمحطتين مفصليتين، مارست هذه القوى السياسة في لحظات مصيرية «على القطعة» من دون رسم استراتيجية مستقبلية تجاه قضايا مصيرية. صحيح أن الاختلافات جذرية لدى هذه القوى في تحديد خصومها أو في التعامل مع حلفائها، إلا أن المشكلة الأساسية تكمن أولاً وآخراً، عدا عن اللاثقة المتبادلة في عدم التصرف حيال القضايا الجوهرية على أنها جوهرية، وتحتاج تالياً إلى معالجتها وفق رؤية موحدة بالحد الأدنى. وليس على طريقة تفاهم معراب الذي جمع أكبر قوتين مسيحيتين وكان يفترض أن يدفن أحقاداً وصراعاً تاريخياً بينهما، إلا أنه أسفر في نهاية المطاف عن تقاسم حصص في الدولة ومكاسب ظرفية.وإذا كانت ثمة إيجابية بأن القيادات المسيحية لا تختزل بشخص أو قيادة واحدة، يمكن التعامل معها على طريقة البلوك المضمون قلباً وقالباً، إلا أنها في مرحلة دقيقة لا تجد نفسها معنية بالجلوس سوياً إلى حوار داخلي قبل التفكير بحوار أشمل، بغض النظر عن أي انتماء إلى محور داخلي أو إقليمي، لمواجهة مشكلاتها الداخلية والخروج منها بالحد المقبول من التفاهمات حولها وحول مستقبل النظام والشراكة والعلاقات الداخلية. وهذا لا يتعلق حصراً بالاتفاق على رئيس الجمهورية أو اجتماع الحكومة لأن القضيتين هما ترجمة فعلية لعمق التشرذم الداخلي، حتى لو كان موقف القوى المسيحية واحداً ومن دون تنسيق مسبق على موضوع الحكومة. وقد تكون النقاشات الحقيقية الجارية في دوائر سياسية ونخبوية تحتاج إلى بلورة أكثر لما يجري ولما يفترض أن يتطور في اتجاه توحيد الرؤية، لا سيما أن القوى المسيحية ستجد نفسها أمام استحقاقات جديدة، من الآن وصاعداً، لم يصل النقاش الحقيقي إليها بالبعد الكامل الذي يفترض أن يكون. فما قيل من كلام متبادل له جذوره في قواعد هذه القوى ومن الضرورة مواكبته، في حين أن كل ما نتج إلى الآن لا يزال مجرد ردود فعل على ممارسات الأفرقاء السياسيين الآخرين، لا خطة واضحة للخروج من الأزمة.
القوى المسيحية، معارضة وموالاة، تتصرف وكأنها معفية من الأخطاء التي ترتكب منذ سنوات وفي حين لا تزال القوى المسيحية تتلمس ما يمكن أن يصل إليه حلفاؤها وخصومها، يتصرف هؤلاء مع هذه القوى على أنها طرف واحد عندما تصبح المعادلة السياسية حادة في الشكل والجوهر كما حصل أخيراً في اجتماع الحكومة وبيان حزب الله واحد من المؤشرات حول موضوع حقوق المسيحيين، ويحصل في ملف رئاسة الجمهورية. وهذا الأمر يسهل عليهم مواجهة أي معضلة حقيقية، لكنها تحمل تناقضاً واضحاً. إذاً ينظرون عند أي محطة مفصلية على أن هذه القوى موحدة في رؤيتها للآخرين وفي رسم مستقبلها وإياهم، لكنهم في المقابل يتعاملون معها بالمفرق، فيستمر حزب الله في تدوير الزوايا مع التيار الوطني ويغازل الرئيس نبيه بري والقوات اللبنانية، ما يسهل تمرير سياسات منهجية بأقل معارضة ممكنة. وفي هذا الأداء يصبح التمايز حتمياً بين أفرقاء يعرفون ماذا يريدون وفق استراتيجية واضحة، وقوى سياسية لا تزال تدور حول نفسها، بلا خريطة طريق واضحة للمستقبل.