هي كثيرة جراح العرب. أما جراح لبنان فمضاعفة، ولكن كل هذه الجراح قابلة للشفاء أو التضميد. هذا ما قاله رئيس حكومة لبنان نجيب ميقاتي، الذي ألقى كلمة لبنان في القمة العربية التي عقدت في جدة، والتي وصفها بـ “قمة تضميد الجراح”. وهذا الوصف لاقى ترحيبًا من قِبَل القادة العرب، الذين اعتبروا أن لبنان المثخن بالجراح يعرف أكثر من غيره مدى ما تتركه من آثار مباشرة وغير مباشرة، وهو الذي لا يزال يقاوم على رغم ما ألحقته هذه الجراح غير المندملة بعد من انعكاسات سيئة على أوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وتضميد الجراح تحتاج دائمًا إلى من يبلسمها ويداويها. ومن دون هؤلاء تبقى الجراح تنزّ وتهدّد صاحبها بمضاعفات خطيرة، وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى بتر العضو المصاب. وهذا ما لا يريده أحد من القادة العرب، الذين أجمعوا في كلمات الافتتاح على أهمية الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران، ورحبوا بعودة سوريا إلى الشرعية العربية. ولو لم تقدم السعودية، بقيادتها الجديدة المتمثلة بولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، وبإرشادات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على خطوات جريئة ومتقدّمة لما كان الاتفاق بين الرياض وطهران قد أبصر النور، وما نتج عن هذه الخطوة المفصلية من تبريد للساحة اليمنية، ولما كانت قد تحقّقت عودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها اثنتي عشرة سنة.
فعملية “تضميد الجراح العربية” تحتاج إلى مبضع طبيب ماهر، وإلى حكمة الحكماء. وهذا ما قصده الرئيس ميقاتي، عندما وصف السعودية بأنها “حاضنة” العرب، كل العرب، “والتي نثق بحكمة قيادتها وقدرتها على اعادة وصل ما انقطع بين أخوة يجمعهم أكثر بكثير مما يفرقهم”.
صحيح أن لبنان بوضعه المأسوي لم يحظَ بقدر كافٍ من الاهتمام في كلمات الافتتاح، إلاّ أنه كان حاضرًا، وبقوة، في اللقاءات الثنائية، التي عقدها ميقاتي مع عدد من القادة العرب، على هامش القمة، حيث شدّد على ما يعانيه “وطني” من “أزمات متعددة أرخت بثقلها على الشعب اللبناني الذي يعيش سنوات عجافًا يعاني فيها يوميًا ما يعانيه من فقدان المقومات الاساسية المعنوية والمادية التي تمكنه من الصمود. وقد ازدادت هذه الحالة تعقيدًا بشغور سدة رئاسة الجمهورية وتعذر انتخاب رئيس جديد”.
وتطرق رئيس حكومة لبنان، كما جاء في كلمته، في لقاءاته الجانبية، إلى قضية النزوح السوري، التي أصبحت أكبر من طاقة لبنان على التحمّل، وذلك بعد طول أمد الأزمة وتعثر معالجتها وتزايد اعداد النازحين بشكل كبير جدا. فبنى لبنان التحتية والتأثيرات الاجتماعية والارتدادات السياسية في الداخل.هي عودةٌ لا يمكن أن تتحقّق اذا لم تتضافر الجهود العربية، مع مؤازرة من المجتمع الدولي ، وبالتواصل والحوار مع الشقيقة سوريا في اطار موقف عربي جامع ومحفّز عبر مشاريع بناء وانعاش للمناطق المهدّمة لوضع خارطة طريق لعودة الاخوة السوريين الى ديارهم.
وفي لفتة جاءت متطابقة مع التزام لبنان الرسمي والشعبي بانتمائه العربي، توجه الرئيس ميقاتي إلى “مَن استطاع نقل المملكة العربية السعودية وشبابها الى المواقع القيادية والريادية التي وصلوا اليها وتحويل المملكة الى بلد منتج بكل ما للكلمة من معنى، في فترة قصيرة، ليس صعبا عليه أن يكون العضد لأشقائه في لبنان”. وفي اعتقاد الذين واكبوا التحضير لأعمال القمة وما صدر عنها من مقررات أن ما بعد قمة جدة لبنانيًا لن يكون كما قبلها، أقّله في المدى المنظور، حيث سيكون للدول العربية المهتمة بالوضع اللبناني مساهمات فعّالة للقيام بأقصى الجهود لمساعدة اللبنانيين على انتخاب رئيس جديد لجمهوريتهم.
وما جاء في “إعلان جدة” من حيث تضامن القادة العرب مع لبنان، ليس سوى البداية، وما حثّهم كل الأطراف اللبنانية على “التحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يرضي طموحات اللبنانيين وانتظام عمل المؤسسات الدستورية وإقرار الإصلاحات المطلوبة لإخراج لبنان من أزمته” ، سوى مقدمة لما هو آتٍ، ولما سيقدّمه العرب من مساعدات تساهم في تضميد جراحه.فهل تصحّ كل هذه التوقعات والامنيات؟