قبل نحو أسبوع، فتح “الحزب التقدّمي الإشتراكي” بوابة جديدة من التواصل مع سوريا، وكان ذلك من مدينة بعلبك في وداع القياديّ البارز في الحزب دُريد ياغي.
بحضور وليد جنبلاط، الرّئيس السابق لـ”التقدمي” ونجله تيمور جنبلاط، تحدّث النائب السابق غازي العريضي عن “عبء النزوح السوري على لبنان”، داعياً إلى الذهاب نحو معالجة هذا الملف عبر التواصل مع سوريا، وقال: “نحن مدعوون إلى الذهاب نحو موقف وطني لبناني موحد على قاعدته، نناقش الدول المعنية والدولة السوريةـ رغم موقفنا الثابت من النظام، لكن لا بدّ من المعالجة والحوار مع الدولة السورية”.
الكلام الذي أطلقهُ العريضي ليس عادياً على صعيد الحيثية السياسية، فللأمر دلالات بارزة جداً، خصوصاً أنه يأتي في ذروة التبدلات التي تشهدها المنطقة وسط حرب غزة ومعركة جنوب لبنان.
تحت “مجهر” جنبلاط، قيلَ هذا الكلام بلسان “الإشتراكي” عن سوريا، فيما الأنظار تتجه إلى “الخطوات العملانيّة” التي قد تجري بعد ذلك، والسؤال الأبرز هنا: هل سيدخل “الإشتراكي” سوريا مُجدداً عبر تيمور؟ وماذا يعني إعلان الحزب هذا الإنفتاح على دمشق؟
أن يُعلن العريضي ما قاله من بعلبك وعلى مسافة قريبة من سوريا، له رمزية كبيرة. حتماً، للرجل أدوار بارزة سابقة على صعيد تواصل “الإشتراكي” مع السوريين، كما أنه كان يُمثل حلقة وصل بين وليد جنبلاط والمسؤولين في “الشام”، بحسب ما يكشف مقرّبون من “الإشتراكي”.
الأهم من كل ذلك هو أن مُناداة “الإشتراكي” للحوار مع سوريا تمثل نقطة تبدل وتحوّل كبيرة، وتفتح الباب أمام حوارٍ جدي مرتبط بعملية إعادة تنسيق العلاقات. هنا، يكمنُ “بيت القصيد” المحوري، فجنبلاط الذي كان يمثل “رأس حربة” في العداء مع سوريا، بات الآن ينادي بالحوار معها.. فما الذي تبدّل؟
تتحدث مصادر سياسية مطلعة على أجواء “الإشتراكي” عن سعي جنبلاط لتعبيد الطريق أمام موقف جديد مرتبط بإحياء علاقة جيدة مع سوريا، كاشفة أنّ “الوليد” اقتنع بالحوار مع سوريا انطلاقاً من أن التبدلات الإقليمية ستُعطي المحور الذي تؤيده سوريا، دوراً كبيراً على صعيد الترتيبات الجديدة، وتحديداً بعد حربي جنوب لبنان وغزة، وذلك بمعزلٍ عن الموازين العسكرية والخسائر التي تكبدها ذاك المحور ميدانياً.
تلفتُ المصادر إلى أن جنبلاط يسعى قدر الإمكان لمُجاراة العلاقات الطيبة بين سوريا والسعودية وما بناه هذا الإنفتاح بين البلدين من حوار بنّاء، وبالتالي تكريس الإنفتاح الكامل مع سوريا، حتى وإن كان ذلك مقتصراً على عدم معارضة علاقة الدولة اللبنانية بنظيرتها السورية.
التحوّل في المواقف كبيرٌ جداً، في حين أنه يطرحُ أيضاً مسألة محورية للنقاش، وترتبطُ بمدى توجهات جنبلاط الحاسمة نحو معالجة ملف النازحين السوريين، انطلاقاً من بوابة دمشق.
مصدرٌ سياسي متابع قرأ في المسعى الجنبلاطيّ رسالة تجاوزت الأصدقاء قبل الخصوم، معتبراً أن “زعيم المختارة” تخطّى كافة حلفائه الأساسيين وراح باتجاه خطوةٍ انقطع نظيرها منذ سنوات عديدة، في حين أن الملف الذي يضغط باتجاهه يعتبر متفجراً في الداخل اللبناني، وبالتالي يريد جنبلاط سحب فتيل إشتعاله.
ولا يُمكن بتاتاً إغفال تأثير الدعم الجنبلاطي غير المباشر لـ”جبهة حزب الله” في جنوب لبنان، وما يتبين هو أن “البيك” يقرأ بإشارات سياسية ما ستؤول إليه خواتيم الحرب من نقاطٍ مهمة سيجنيها الحزب خصوصاً إن خرجَ من التوتر بمكاسب إستراتيجية وسياسية. هنا، يكون جنبلاط قد “قرّش” دعمه بـ”ثبات أكبر”، وفي الوقت نفسه، مدّ جسور التواصل مع “الحاضن الأساس” لـ”الحزب”، فيكون بذلك قد اكتسبَ دور “الضمانة” مُجدداً على الصعيد الداخلي، وهذا ما يجعل حزب يطمئنّ لجنبلاط أكثر فأكثر، بمعزل عن الاختلافات الأخرى.
السؤال الأبرز وسط كل ذلك هو التالي: هل سيزور تيمور جنبلاط سوريا؟ الإجابة على هذا السؤال ليست حاسمة، فلا أحد يستطيع تأكيد إمكانية حصول ذلك من عدمه، لكن كل شيء وارد. هنا، تقول المصادر: “جنبلاط الأب كان من الذين يمنع عليهم الدخول إلى سوريا، لكن ماذا عن تيمور؟”.
يلفت المصدر السياسي إلى أن الطريق نحو دمشق، “سالكة” أمام “نجل الوليد”، مشيرة إلى أن “البيك”، يرى من الضروري وصول تيمور إلى سوريا في اللحظة المناسبة، وعدم تجريده العلاقة مع دولة تشكل امتداداً أساسياً لـ”دروز لبنان”.
وعلى صعيد مسألة توقيت تأييد الحوار مع سوريا، تقول المصادر إن جنبلاط الأب يقرأ الملفات المختلفة من زوايا عديدة، في حين أن الملفات الضاغطة والتي تستوجب حديثاً مع السوريين، تستدعي حصول ذلك رغم الاختلافات، وتضيف: “تطورات المنطقة تفرض نفسها أيضاً على المشهد، وفي حال كان للسوريين تأثيرٌ ضمن التسوية، عندها فإنّ جنبلاط سيكون قد ضمِن لنفسه خطوة للأمام معهم”.
أمام كلّ ذلك، فإن النتيجة التي سيجنيها جنبلاط من هذا الموقف، تعدّ ذات قيمة كبيرة لاسيما أنها تأتي في ذروة تقاطعات كبيرة. الأهم من هذا أيضاً هو أن وليد جنبلاط وباختياره الحوار، يمكن أن يُبدد مشكلته مع سوريا تدريجياً، وبالتالي طي صفحة جديدة مع دمشق بشكلٍ يقودُ نحو تطوير العلاقات لاحقاً.
النقطة اللافتة أيضاً هي أن جنبلاط يسعى لتعزيز قوة نجله وتمكينها سياسياً، وما يمكن رؤيته حالياً هو أن جنبلاط يحاول ترميم علاقاتٍ أساسية في سبيل خدمة تيمور، وإن حصلت زيارة سوريا المتوقعة، عندها فإن الكثير من الأوراق ستتبدل فيما المعادلات الجديدة ستفرض نفسها وجنبلاط سيكون الأساس فيها.